النزاع السعودي الإيراني امتد إلى كشمير الخاضعة للحكم الهندي، في حين باتت أعين كثير من الكشميرين تتطلع لتركيا كمركز للإسلام المعتدل.
ويأتي ذلك في ظل تصاعد التوتر في الإقليم بعد إلغاء الهند للحكم الذاتي الدستوري لإقليم جامو كشمير ذي الأغلبية المسلمة بشكل مفاجئ وفوري.
النزاع السعودي الإيراني امتد إلى كشمير.. فكيف سيؤثر على قضية الإقليم المركزية؟
ولم تعد النزعة الطائفية هي ركيزة التنافس السعودي الإيراني، حسبما يقول جيمس دورسي، الزميل الأقدم في كلية S. Rajaratnam للدراسات الدولية التي يوجد مقرها بسنغافورة، في تقرير نُشر بموقع Lobelog الأمريكي.
ففي كشمير الهندية تعبر الخصومة الجيوسياسية بين طهران والرياض ومعهما الطموحات التركية، الخطوط الطائفية.
ومع تنافس إيران والسعودية وتركيا على الفوز بقلوب وعقول الكشميريين الهنود، فإن احتضان إيران وتركيا للقومية الكشميرية يكسبهما التعاطف بين المسلمين الشيعة والسنة على حد سواء.
إن إدراك البلدين لتطلعات الكشميريين القومية، وليست الدينية، يتيح لهما فرصة ذهبية لمواجهة النفوذ السعودي طويل الأمد في منطقة جنوب آسيا المضطربة.
بن سلمان لم يتخلّ عن دعم التطرف بل حول التمويل للسلفيين
تشير المنافسة على كشمير، مثلما حدث في كازاخستان حيث لاقت نسخة الاسلام المتشدد المبتعد عن السياسة المستوحاة من السعودية رواجاً، إلا أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لم يتخل عن الدين كقوة ناعمة أيضاً، رغم أنه يسعى إلى ترسيخ شرعيته من خلال القومية السعودية الجديدة بدلاً من تفسير المملكة المتشدد للإسلام.
فقد قام الأمير محمد، منذ توليه منصبه في عام 2015، بخفض تمويل حملات نشر الأفكار المتشددة، وحول أداة التمويل الرئيسية لدى المملكة، وهي رابطة العالم الإسلامي، إلى مجموعة ممن يتغنون بانجازاته ويثنون على سياسات التسامح والحوار بين الأديان.
ومع ذلك، فإن ولي العهد يرى في صعود التيار المدخلي، وهو أحد أطياف النسخة السعودية المتشددة من الإسلام، والذين ينادون بالطاعة المطلقة للحاكم ويرون المملكة كنموذج للحكم الإسلامي، وسيلة لمواجهة النشاط الإيراني ومفهوم الجمهورية الإسلامية التي تعترف بدرجة من السيادة الشعبية.
لقد استثمرت المملكة السعودية ما يقدر بنحو 100 مليار دولار في تمويل الندوات الدينية والمؤسسات الثقافية والتعليم العالي والمؤسسات الإعلامية وفي الجماعات المتشددة في بعض البلدان، كجزء من حرب سرية على مستوى العالم، دامت لأكثر من 40 عاماً، مرتدية الثوب الديني ضد إيران.
وتركيا تدعم حركات أكثر اعتدالاً
وفي الآونة الأخيرة، سعت تركيا للمطالبة بزمام قيادة العالم الإسلامي من خلال تمويل المساجد والمؤسسات الدينية الأخرى في جميع أنحاء العالم، ووضع يديها على القضايا الإسلامية مثل القدس.
يهدف التمويل التركي، إلى جانب الضغط الدبلوماسي، إلى مواجهة إمبراطورية فتح الله غولن، الداعية الإسلامي الذي يعيش في المنفى في ولاية بنسلفانيا، والذي يتهمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه قاد عملية الانقلاب العسكري الفاشل في عام 2016.
وتشير نظرة كل من إيران والسعودية وتركيا لكشمير باعتبارها ساحة قتال، إلى الأهمية المتزايدة التي يولونها إلى جنوب ووسط آسيا.
ويبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحتضن الطريقة المنزلية الصوفية، وهي واحدة من أكبر وأقوى الطرق الصوفية في تركيا، والتي تعد أكثر ليبرالية من المتشددين السعوديين، ولكنها تتقاسم مع المدخليين رفضها للسياسة.
ومثل التيار المدخلي، فالطريقة المنزلية، مع تاريخها الداعم للدولة التركية وجيشها، يمكن أن تكون بمثابة الترياق ضد النشاط الشيعي الإيراني في أماكن مثل كشمير، حيث تستهدف إيران الأقلية الشيعية التي تمثل 15% من سكان المنطقة.
متغير جديد يمنح أنقرة وطهران الأفضلية
إن تشديد إيران وتركيا على القومية بدلاً من الدين يعوض إلى درجة ما الأفضلية التي امتلكتها السعودية في البداية بالمنطقة، مما يسمح لإيران على وجه الخصوص بتحقيق تقدم كبير في كشمير.
فصور الزعيم الشيعي الراحل آية الله روح الله الخميني تنتشر على لوحات الإعلانات في الأحياء الشيعية، التي سميت شوارعها باسم الشهداء الشيعة.
كما أثار إعدام السعودية لرجل دين شيعي بارز في عام 2016 احتجاجات مناهضة للسعودية في كشمير.
وعلى عكس إيران، فإن تركيا، التي تتوق إلى توسيع التعاون الاقتصادي مع الهند، قصرت تركيزها في كشمير على الدعم اللفظي في المنتديات الدولية، بدلاً من تمويل المساجد و/أو المدارس. وهذا لم يمنع الجماعات الانفصالية من احتضان أردوغان، حتى لو لم يتحد ذلك النفوذ السعودي على الأرض.
كم يبلغ عدد السلفيين في الهند؟
لقد قدر الصحفي الهندي أسيت جولي أنه في عام 2011 كان 15% من سكان كشمير يترددون على حوالي 700 من المساجد التابعة لمعتنقي الفكر المتشدد القادم من السعودية. في حين قدرت إحدى المنظمات الصوفية الرقم بأنه يصل ٱلى مليون ونصف المليون شخص يتبعون المذهب السلفي من بين سكان الإقليم الثمانية ملايين.
وهناك تساؤلات حول تأثير هذا الصعود السلفي على الهوية الكشميرية، التي قامت على رفض الحكم الهندي.
ويُعتقد أن أهل الحديث، وهي أقدم مجموعة دينية تدعمها السعودية في جنوب آسيا، قد مولت حوالي 150 مدرسة وكلية ودوراً للأيتام وعيادات ومراكز تشخيص طبية في كشمير.
يقول جولي في تقريره: "من الناحية العملية، توجد في كل قرية تقع على امتداد 60 كم شمال غربي سريناغار باتجاه غولمارغ مسجد واحد أو أكثر من المساجد التي يمولها أهل الحديث. تقدم المساجد الجديدة وما يصاحبها من المدارس الدينية صورة متناقضة مع مئات المساجد المتداعية التي بنيت على مر القرون الماضية وفقاً للتقاليد الصوفية القديمة" .
وقال مسؤول مخابرات هندي في الآونة الأخيرة: "التأثير الوهابي ليس جديداً على كشمير، لأن أتباع هذه الممارسة الإسلامية كانوا موجودين منذ الـ100 عام الماضية. لكن النمو الهائل في نفوذهم ومناطق وصولهم لا يمكن أن يعزى إلا إلى التمويل الذي حصلت عليه "أهل الحديث" من السعودية خلال السنوات الثلاثين الماضية" .
وأضاف المحلل أبهيناف بانديا: "أصبحت كشمير نقطة الصفر لسباق جيوسياسي جديد من أجل النفوذ: لدى إيران وتركيا مصالح عميقة، ومتداخلة في بعض الأحيان، وتريد السعودية ضمان عائد على استثماراتها المالية والأيديولوجية.
والسؤال هو ما إذا كانت هذه الدول ستسلح هؤلاء الداعمين لها في كشمير في صراع مستقبلي بالوكالة فيما بينهم، أو بين الانفصاليين والهند نفسها.