إعلان وزارة الداخلية المصرية أن الانفجار الذي وقع أمام معهد الأورام بشارع كورنيش النيل وسط القاهرة سببه عمل إرهابي، تطابق إلى حد كبير مع روايات شهود العيان وفسر لغز ارتفاع عدد الضحايا وحجم التدمير الذي أصاب المباني والسيارات في المنطقة.
ما نعرفه حتى اللحظة
المؤكد أنه حدث انفجار مروع أمام معهد الأورام في منطقة المنيل على كورنيش النيل وسط القاهرة. الانفجار وقع في تمام الساعة الحادية عشرة من مساء ليلة أمس الأحد 4 أغسطس/آب. الانفجار أدى، بحسب تصريحات للمتحدث باسم وزارة الصحة المصرية، إلى مقتل 19 شخصاً وإصابة 30 آخرين بعضهم في حالات حرجة، وأضافت وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد، في تصريحات تليفزيونية، وجود "كيس أشلاء"، مرجحة ارتفاع عدد الضحايا.
ماذا حدث إذاً؟
بعد حالة صمت إعلامي ورسمي استمرت ساعات، بدأت تظهر تصريحات اتسمت بالتضارب، حيث صرح مصدر أمني لموقع اليوم السابع – المعروف بقربه من النظام المصري وقد وصفه الرئيس عبدالفتاح السيسي العام الماضي بأنه "نموذج للإعلام الوطني" – بالآتي:
"أكد مصدر أمنى أنه أثناء سير إحدى السيارات الملاكي المسرعة عكس الاتجاه بطريق الخطأ بشارع كورنيش النيل أمام معهد الأورام بدائرة قسم شرطة السيدة زينب، اصطدمت بالمواجهة بـ3 سيارات، الأمر الذى أدى (إلى) حدوث انفجار نتيجة الاصطدام، مما أسفر عن وفاة وإصابة عدد من المواطنين تم نقلهم للمستشفى لتلقي العلاج وتم اتخاذ الإجراءات القانونية" .
المصدر الأمني أضاف في البداية أن "البحث جارٍ عن السيارة المتسببة في الحادث"، وهي إضافة عصية على الفهم! كيف هربت السيارة التي كانت مسرعة وتسير عكس اتجاه السير واصطدمت بثلاث سيارات مما أدى إلى حدوث انفجار نتيجة الاصطدام؟
مصدر أمني آخر قال للموقع إن رجال المرور يجرون "عمليات استعلام عن أرقام ولوحات السيارة المتسببة" في الحادث!
روايات شهود العيان مختلفة تماماً
مواقع وصحف مصرية أخرى نشرت روايات لشهود عيان مختلفة عن الرواية الأمنية التي نشرها اليوم السابع، حيث نشر موقع صحيفة الوطن تقريراً عن شهود عيان قالوا إن السيارة المتسببة في الحادث كانت "ميكروباص" وليست سيارة ملاكي" . "الميكروباص" في مصر هي سيارات تحميل ركاب معروف عن أغلب سائقيها التهور وعدم احترام قوانين المرور.
انفجار داخل معهد الأورام
انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي رواية مختلفة تماماَ لما تم الإعلان عنه رسمياً حتى الآن، حيث قيل إن الانفجار وقع داخل معهد الأورام نفسه وتسبب الانفجار في تطاير زجاج واجهة المبنى واندلاع ألسنة اللهب للخارج، ما تسبب في اشتعال بعض السيارات المارة أو المتوقفة، واشتعال النيران في بعض المواطنين المتواجدين أمام المبنى.
هذه الرواية ربما لا تكون بعيدة عما حدث فعلاً، وهناك تصريحات لمصادر أمنية توحي بأنها أكثر منطقية من رواية "السير عكس الاتجاه"، فقد أكد مصدر أمني في مديرية أمن القاهرة لصحيفة الوطن أن قوات الحماية المدنية "تقوم الآن بمعاينة مبنى معهد الأورام بالتنسيق مع لجنة هندسية للتأكد من سلامة المبنى من عدمه" .
إذا كان الانفجار سببه تصادم سيارات في الشارع أمام المبنى فمهما كانت قوة انفجار خزان وقود سيارة أو سيارتين فالطبيعي أن ذلك قد يتسبب في تهشم الزجاج في واجهة المبنى، لكن كيف يمكن أن يؤثر على سلامة المبنى نفسه مما يؤدي لإخلائه فوراً؟!
بيان الداخلية أكد وجود متفجرات
وأخيرا، أصدرت وزارة الداخلية بيانا قالت فيه أن الفحص الفني لسيارة حادث معهد الأورام في القاهرة أثبت وجود كمية من المتفجرات فيها، فيما وصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الحادثة بأنها "عمل إرهابي جبان".
وأشار البيان إلى أنه بعد الانفجار "انتقلت الأجهزة المعنية وقامت بإجراءات الفحص والتحرّي وجمع المعلومات، حيث توصلت لتحديد السيارة المتسببة في الحادث وتحديد خط سيرها، حيث تبين أنها إحدى السيارات المبلَّغ بسرقتها من محافظة المنوفية منذ بضعة أشهر"، بحسب ما ذكره موقع "اليوم السابع".
وأضاف: "كما أشار الفحص الفني إلى أن السيارة كان بداخلها كمية من المتفجرات أدى حدوث التصادم إلى انفجارها"، ولفت البيان إلى أن التقديرات تشير لأن السيارة "كان يتم نقلها إلى أحد الأماكن لاستخدامها في تنفيذ إحدى العمليات الإرهابية".
وقالت الداخلية إن التحريات المبدئية وجمع المعلومات توصلت إلى "وقوف حركة حسم التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية وراء الإعداد والتجهيز لتلك السيارة استعداداً لتنفيذ إحدى العمليات الإرهابية بمعرفة أحد عناصرها"، بحسب تعبيرها.
وأضافت أنها تستكمل "عمليات الفحص، والتحري، وجمع المعلومات وتحديد العناصر الإرهابية المتورطة في هذا التحرك واتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم".
مكان وقوع الانفجار
معهد الأورام التابع لجامعة القاهرة يفد إليه المواطنون من شتى محافظات الجمهورية ووجود أهالي المرضى حول المبنى مفترشين الأرصفة مشهد معتاد، وبالتالي وقوع كارثة بهذا الحجم تعني وجود مئات أو حتى آلاف الأسر تشعر بقلق حول ذويها في المنطقة وتسعى للوصول لأي خبر يخص سلامتهم الشخصية، وهو البعد الغائب تماماً عن السلطة التي تتكتم على المعلومات وتنتظر ساعات طويلة حتى تقرر "كيف ستعلن ما حدث للشعب" .
هذه كلها بالطبع عوامل تساعد على انتشار الشائعات والتخمينات في زمن وسائل التواصل الاجتماعي التي تتسم بسرعة نقل الخبر أو الحدث دون تدقيق أو تحقق من المصدر، وهذا الأمر يعد خطيراً على الأمن القومي لأي دولة.
سيطرة صارمة على الإعلام أضاعت مصداقيته
في غياب المعلومات تنتشر الشائعات، هذه حقيقة يعلمها الجميع. ورغم وجود عشرات القنوات الفضائية المصرية والتي تقع أغلبها تحت سيطرة النظام المصري المباشرة أو غير المباشرة، إلا أن الخبر انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الإقليمية والدولية أولاً، والتي اعتمدت جميعها على روايات شهود عيان أو مصادر رفضت الكشف عن هويتها.
تأخر تغطية القنوات المصرية للحادث وأي حادث آخر من هذه النوعية يرجع بالأساس إلى انتظار "التعليمات الرسمية" بشأن ما يقال وما لا يقال، وهو ما أدى للجوء المواطنين الباحثين عن حقيقة ما يحدث إلى وسائل التواصل الاجتماعي أو إلى القنوات الإقليمية أو الدولية، ما أضر بسمعة الإعلام المصري، وأعاد الأجواء إلى فترة الستينات التي كانت ذروتها هزيمة الخامس من يونيو/حزيران 1967، فيما كان الإعلام الرسمي يبشر بالانتصار العظيم!