تمضي مسيرة الاستبداد على مستوى العالم بخطوات ثابتة، سواء من خلال قمع المتظاهرين من هونغ كونغ إلى موسكو، أو الاعتداءات الشعبوية القومية على الضوابط والتوازنات من واشنطن إلى لندن.
في الوقت نفسه، تآمرت واجتمعت الأحداث في معظم أنحاء العالم العربي لتوجيه المجتمع إلى مستنقع من الاستبداد وأمراء الحرب، شبيه بأفكار الفيلسوف السياسي توماس هوبز، العنف الجامح مرخص بطريقة أو بأخرى من قبل قوى خارجية لم يُسفر تدخلها إلا عن حدوث القليل، ولكنه زاد من الإرهاب.
تقول صحيفة Financial Times البريطانية، إنَّه في العديد من العواصم العربية، إن لم يكن كلها، سيكون المحتجون –من النوع الذي احتشد في هونغ كونغ وموسكو- بمثابة جثث لا قيمة لها في الشوارع الآن. كالمجازر التي وقعت في ميدان رابعة العدوية في مصر عام 2013، على يد الرئيس عبدالفتاح السيسي، المدعوم من أمريكا والخليج، إلى المجزرة التي وقعت في الجيب السوري المعارض في الغوطة الشرقية، حيث استخدم نظام بشار الأسد المدعوم من روسيا وإيران الأسلحة الكيماوية، يبدو أن الاستبداد وصل إلى أعمق نقطة له بانتظار حادثة الرعب القادمة.
آخر مسلسلات الرعب القادمة في الشرق الأوسط
وتقول الصحيفة البريطانية إنه من المحتمل أن تكون حادثة الرعب القادمة في إدلب، شمال غربي سوريا. آخر معقل للمعارضين، حيث يتعرَّض مئات الآلاف من المعارضين واللاجئين للحصار من القوات الجوية الروسية وبقايا الجيش السوري المدعوم من أمراء الحرب في نظام الأسد والميليشيات الأخرى. هذا النمط من الإبادة أصبح مألوفاً بشكل مخيف: الضربات الجوية على الأسواق والبنية التحتية مثل المياه والكهرباء، وقصف العيادات والمدارس. الاختلافات مهمة أيضاً.
لم يعد هناك مكان للفرار لنحو 3 ملايين شخص في إدلب. بعد ثلاثة أشهر، تعثَّر الهجوم الذي قادته موسكو ودمشق. ولم تشارك طهران ووكلاؤها، الميليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية التي تعمل تحت قيادة الحرس الثوري الإيراني، في هذا الهجوم. إنَّ فشل القوات الروسية والسورية في القيام بالهجوم يدل على أنه لا غنى عن القوات الأخرى لإيران وحلفائها، لمساعدة نظام أقلية يفتقر إلى القوات في مواجهة الأغلبية السنية.
الشرق الأوسط يتَّجه بعنف نحو استبداد الدولة البوليسية
تقول الصحيفة البريطانية إنَّ كل ذلك يساعد على تسليط الضوء على الأشياء التي وقعت بشكل خاطئ، منذ أن اندلعت موجة من التمرد في جميع أنحاء العالم العربي من عام 2010، مما أثار آمال "الربيع العربي" .
نظراً لتخريب النظام الدولي الليبرالي القائم على القواعد من قِبل قادة الدول التي أنشأته، فقد لا يبدو الآن هو الوقت المثالي للسؤال عن سبب ميل الشرق الأوسط بعنف إلى الاتجاه نحو استبداد الدولة البوليسية.
وتصف الفاينانشال تايمز أن الحكام في العالم العربي يقومون ببناء أعشاشهم للبقاء في الحكم، وليس بناء الأمة، ويعطون أولوية للحفاظ على أنظمتهم قبل الإصلاحات. وبالنسبة للجزء الأكبر من القوى العالمية، الراعية والمتغاضية عن هؤلاء الطغاة، فالأمر غير مهم بالنسبة لهم.
وتُردف بالقول: لكن يجب أن يهتموا بذلك، فالسياسات التي صاغتها الولايات المتحدة ولقيت ترحيباً أوروبياً أصبح لها سجل حافل -فكر في أفغانستان والعراق وسوريا- في المساعدة على احتضان سلالات أكثر تطرفاً. لقد تعرَّض مواطنو باريس ونيس وبروكسل وبرلين ولندن ومانشستر وأنقرة وإسطنبول لردِّ فعلٍ عنيف من قبل الجهاديين، وأصبحت ميادين القتل عالمية، وليست إقليمية فقط.
إذا كان هذا صحيحاً بالنسبة للجهاديين السنة، فهناك أيضاً فرصٌ للانتقام من استقرار الإسلاميين الشيعة التابعين لإيران، حيث تُكثّف الولايات المتحدة وإسرائيل والخليج الذي تقوده السعودية من جهودها لعزل الجمهورية الإسلامية.
منذ أن دعا دونالد ترامب المملكة العربية السعودية قبل ما يزيد قليلاً عن عامين لقيادة "جهاد ضد إيران"، لم يواجه السعوديون وحلفاؤهم أي مشكلة في القضاء على المنشقين، وفي مقدمتهم المسلمون الشيعة الذين يعتبرونهم مشركين وطابوراً خامساً. لقد أعدمت البحرين، التي يقودها حكام سنيون تابعون للسعوديين والإماراتيين، في الأيام الماضية، اثنين من الناشطين، بعد قمع كل الآثار السياسية تقريباً للأغلبية الشيعية بالبحرين.
على حافة الهاوية
تقول الفاينانشال تايمز، إن "حافة الهاوية المتبادلة في الخليج بين إيران والقوى الغربية والإقليمية هي بمثابة نذير تحريضي. بالنظر إلى حالة شبه اليقين بشأن ردود الفعل المدمرة، يجب على الجهات الخارجية الفاعلة التوقف مؤقتاً قبل إصدار ترخيص بالقتل لعملائها المحليين" .
من جانبه، حوَّل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حلب، آخر معقل حضري للتمرُّد في سوريا، إلى نسخةٍ فظيعةٍ من غروزني في عام 2016. كان سقوط حلب نقطة تحول في الحرب الأهلية السورية، وبعث الروح في قوات الأسد، في البلد الذي دمروه. يبدو أن روسيا على وشك أن تفعل الشيء نفسه في إدلب، ربما بمساعدة إيران.
تختم الصحيفة البريطانية تقريرَها بالقول إن تقلبات السياسات الإقليمية لترامب يصعب تحديدها، لكن أي شيء تفعله إسرائيل أو المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة أو مصر يبدو جيداً بالنسبة له. لقد اعترض للتوّ على جهودِ مجلس الشيوخ لمنع تصدير أسلحة بقيمة 8 مليارات دولار للسعوديين والإماراتيين.
من ناحية أخرى، يرأس بوتين، سواء كان يحب ذلك أم لا، محوراً شيعياً تدعمه إيران. أما ترامب فيقود، سواء كان يعرف ذلك أم لا، تحالفاً من الدول العربية السنية (يضم إسرائيل معهم). إنّهم يُشعلون معاً زوبعة، ويعمقون حفرة مليئة بالفعل بسلسلة من "المتطرفين الشرّيرين". وذات يوم، قد يبدو جيل الألفية لداعش "معتدلاً" مقارنة بتلك القوى.