ما لم يعلن يمس أمنك الشخصي.. تفاصيل مشروع السيسي لإخفاء أسرار الدولة في باطن الأرض

عربي بوست
تم النشر: 2019/08/02 الساعة 12:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/02 الساعة 09:48 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي/ رويترز

أثارت مبادرة التحول الرقمي التي أطلقها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي جدلاً واسعاً حول بيانات عملاء البنوك والشركات الكبرى التي قد تصبح مستباحة للأجهزة الأمنية. 

وقال السيسي، على هامش فعاليات المؤتمر الوطني السابع للشباب بالعاصمة الإدارية الجديدة هذا الأسبوع، إن الدولة تعمل على إنهاء مشروع "عقل جامع" لبيانات الدولة المصرية، في مكان مؤمَّن بشكل جيد، بالعاصمة الإدارية الجديدة، بالتزامن مع خطوات نقل الجهاز الإداري للدولة هناك، وهو مشروع يتكلف نحو 25 مليار جنيه.

وما بين احتفاء البعض بالمشروع باعتباره نقلة نوعية وسخرية آخرين من فكرة إخفاء أسرار الدولة والشركات في "بطن الأرض"، ينتاب الشركات الكبرى والبنوك حالة من القلق، على بيانات العملاء التي ستصبح مستباحة للأجهزة الأمنية المصرية. 

الفكرة بدأت مع رجال جمال مبارك

فكرة وجود سيرفرات عملاقة تخزن بيانات المواطن المصري وتربطها في كل المجالات ليست بالجديدة والحديث هنا  لـ "بسنت شاكر" خبيرة النظم والمعلومات، التي تكمل حديثها قائلة: الفكرة بالأساس تعود لحكومة أحمد نظيف، المحسوب على فريق جمال مبارك، حيث كان هناك توجه لميكنة مصر والتوسع في ما يعرف باسم الحكومة الذكية، وكانت بطاقة الرقم القومي المستحدثة وقتها عوضاً عن البطاقات الشخصية الورقية المعتادة، تصب في هذا الاتجاه، بحيث تحمل البطاقة الجديدة شريحة أو باركود يمكن من خلاله الولوج لكافة بيانات المواطن بدءاً من تاريخ ميلاده انتهاء بصحيفة حالته الجنائية أو الصحية من خلال أي جهاز كمبيوتر مربوط بالسيستم.

وبالفعل تم الشروع في استخراج البطاقة الذكية، وتعميم الرقم القومي، لكن المشروع أجهض حينها، نتيجة تعنُّت وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي الذي رفض تماماً الإفصاح أو مشاركة الحكومة في قاعدة البيانات التي تمتلكها وزارة الداخلية.

 العادلي كان يرى هذا المشروع خصماً من سلطات الداخلية التي اعتادت "احتكار" تلك البيانات لعقود طويلة. وظلت بطاقة الرقم القومي مجرد تطوُّر شكلي للبطاقة الورقية ليس إلا.

اليوم يسعى الرئيس السيسي لإحياء الفكرة مرة أخرى، بربط كافة بيانات الدولة والمواطن بعضهم البعض، وبحسب بسنت، فإن هذه الخطوة سوف تسهِّل كثيراً من التعاملات الفردية أو الحكومية.

تمهَّل فهناك جانب مقلق في المشروع

إذا كان المشروع يبدو جيداً للوهلة الأولى، إلا أن هناك جانباً آخر من القصة سيكون مصدر قلق لبعض الشركات والبنوك، خاصة تلك التي لا تثق كثيراً في نوايا النظام المصري حيال سرية بيانات عملائها.

إذ سيمكن هذا المشروع الحكومة المصرية من الاطلاع على بيانات الشركات والبنوك، ما يجعل بيانات كل العملاء متاحة بكافة التفاصيل للحكومة.

يزيد من قلق تلك الشركات الكبرى، تورُّط الحكومة المصرية في فضيحة كشف عنها موقع بازفييد الأمريكي قبل عدة سنوات حين تعاقدت الحكومة المصرية سراً مع شركة أمريكية للتجسس على صفحات التواصل الاجتماعي واختراق رسائل المستخدمين الخاصة.

أحد مديري البنوك الفرنسية العاملة في مصر، (طلب عدم ذكر اسمه) أعرب عن قلق المؤسسة التي يعمل بها من المشروع، وقال لـ "عربي بوست": أزمتنا ليست في ربط أو تخزين البيانات الرسمية، لكن المشروع المزمع تنفيذه قريباً يتحرك في محورين.

 الأول: هو تجميع البيانات الرسمية وهذا عمل الحكومة.

الثاني:  (وهو الذي يخصنا) فقد طلب من جميع الشركات الكبرى والبنوك العاملة في مصر نقل مقرها الرئيسي في العاصمة الإدارية الجديدة.

أصل المشكلة.. ويضيف: المشكلة ليست في عملية النقل -وإن كنا متحفظين على ذلك القرار- المشكلة الأكبر أن الحكومة فرضت على الشركات استئجار مساحة سيرفر عملاٍق تحت أرض العاصمة الإدارية الجديدة سيكون مملوكاً للدولة، لتخزين البيانات الخاصة بها، وهنا مكمن الخطورة، لأن معنى هذا ببساطة أننا سلمنا كل بيانات عملائنا للحكومة.

ويضيف: دخلنا في مفاوضات طويلة مع النظام، وعقدنا اجتماعات ثنائية وجماعية، وحاولنا طرح حلول بديلة، تساهم في إنجاح العاصمة الإدارية وفي نفس الوقت لا تضعنا في الخوف من تسرب بيانات عملائنا لأي جهاز أمني، لكن للأسف الإجابة بدت واضحة "Take it or leave it"  فإذا أردتم الاستمرار في العمل هنا فهذا المسار الوحيد أمامكم، إذا رفضتم فلكم الحق في مغادرة السوق المصرية، وبالطبع السوق المصرية مهمة للجميع، وقرار الانسحاب منه شبه مستحيل فيبدو أن الرضوخ للمطلب الرسمي هو الخيار الوحيد هنا.

العالم يلجأ للسيرفرات العملاقة.. لكن الوضع في مصر مختلف

وعن خطورة هذا القرار بالنسبة للشركات والبنوك، يقول أحمد سعد، مسؤول الأمن الرقمي بإحدى الشركات الإنجليزية العاملة بمصر: فكرة السيرفرات العملاقة التي تؤجر منها مساحات للمؤسسات ليست فكرة غريبة على العالم، فالموضوع يبدو طبيعياً ومنطقياً، لكن الفرق أن مَن يملك تلك السيرفرات في الخارج الشركات لا الحكومات، كما أنها تخضع لرقابة شديدة بما يضمن سرية المعلومات والبيانات، فليس من السهل وصولها إلى أيدي الحكومات.

ويضيف: لكن الوضع في مصر مختلف، فمن يمتلك السيرفر الحكومة أو على وجه التحديد الاستخبارات، ما يعني تسليم كافة بيانات العملاء لأجهزة الدولة بشكل مباشر، وهو أمر جد خطير، فالشركات التي كانت ترفض تسليم بياناتها للأجهزة الأمنية، الآن ستضع كل بياناتها طواعية في سيرفرات مملوكة للأجهزة الأمنية.

هذا الوضع الخطير سيمس البنوك أيضاً، فحسابات العملاء لم تعد سرية،  وسيكون بإمكان أجهزة الدولة الاطلاع على تفاصيلها ومن ثم يمكن للحكومة وقتما أرادت تحريك الدعاوى القضائية ضد بعض عملاء البنوك.

ورغم حالة القلق الشديد من مشروع "العقل الجامع"، فإن الحكومة لم تلتفت لاعتراضات البنوك والشركات الكبرى التي تسعى جاهدة للوصول إلى حل وسط. فالمشروع الذي أعلن عنه الرئيس أمام الشباب وأمام الكاميرات لن يتم التراجع عنه كما يبدو حتى تلك اللحظة.

تحميل المزيد