يبدو أن إسرائيل تستعد لحرب وشيكة في المنطقة، مع تكثيف التدريبات العسكرية استعداداً لاقتحام قطاع غزة، لكن تحذيرات قائد الجبهة الداخلية لإسرائيل من أن الجيش لم يتأقلم بعد مع قدرات من سماهم بالأعداء بتهديد المدنيين ربما تكون مؤشراً أقوى على تلك الحرب، فما هي قصة تلك التهديدات؟
صحيفة هآرتس الإسرائيلية نشرت تقريراً رصدت فيه تحذيرات الجنرال تامر يادي، قائد الجبهة الداخلية، من إغفال التهديدات التي قد يتعرض لها المدنيون حال اشتعال الحرب.
واستهلّت الصحيفة التقرير بأن يادي قال إن الجيش الإسرائيلي لم يتأقلم بعد مع قدرات أعدائه بتهديد الجبهة الداخلية لإسرائيل في أوقات الحروب في السنوات الأخيرة، مضيفة أن الجنرال كتب في مقال جديد له في جريدة عسكرية إسرائيلية أنَّ الجيش الإسرائيلي أغفل بشكل شبه كامل تلك التهديدات أثناء التخطيط لأوقات الطوارئ والحروب.
وكتب الجنرال أن الجيش لم يستعد كما ينبغي للتهديدات، "حتى بعد أن أصبح التغيير في اتجاه التهديدات للجبهة الداخلية معروفاً للجميع"، إضافة إلى أن قيادة الجبهة الداخلية لم "تتواصل" كما ينبغي مع سائر قيادات الجيش الرئيسية.
مقال عسكري
وفي مقاله المكون من 16 صفحة والمكتوب باللغة العبرية بعنوان "أن تتخذ الخطوة الأولى: حكاية تحوّل قيادة الجبهة الداخلية"، الذي نُشر في عدد يوليو/تموز من دورية جيش الدفاع الإسرائيلي "Bein Haktavim" التي ينشرها مركز الدراسات العسكرية التابع للجيش الإسرائيلي Interdisciplinary Military Studies، أضاف يادي أنَّ الأمور بدأت في التحسن منذ أن تولى قيادة الجبهة الداخلية، في أغسطس/آب 2017، غير أن قيادة الجبهة الداخلية "لم تحل بعد كل المشكلات، ولا يزال أمامها مشوارٌ طويل.
وفي مارس/آذار، أصدر مكتب مراقب الحسابات العام تقريراً يفيد بوجود ثغرات خطيرة في استعداد قوة الجبهة الداخلية للحروب، وقد استنتج المراقب جوزيف شابيرا أن القيادة لديها نقص حاد في المعدات الخاصة بقوات الإغاثة وفي جاهزية قوات البحث والإنقاذ الاحتياطية، بالإضافة إلى ذلك، لم يحلل الجيش قوة العمل المخصصة لوحدات الإغاثة منذ عام 1992، رغم التهديدات الجديدة التي ظهرت منذ ذلك الحين.
ملاحظات مراقب الحسابات
أقر يادي بصحة الشكاوى التي ذكرها مراقب الحسابات، وكتب أن جيش الدفاع الإسرائيلي يعرف أن الحرب القادمة يمكن أن تشل أوصال الجبهة الداخلية، غير أن المشكلة "لم يجرِ التعبير عنها في صورة تقديرات موقف". ويرجع هذا إلى أن جيش الدفاع الإسرائيلي لم يدرس "مدى احتياج قيادة الجبهة الداخلية للاستعداد لشغل مهام السلطات المدنية عند إخفاقها"، وما إذا كانت القيادة مستعدة لقبول مسؤولية تلك الإخفاقات الممكنة لتلك السلطات يمكن أن يتحول إلى "نبوءة ذاتية التحقق".
منذ أن تولى الجنرال يادي منصبه الحالي، عرف أن القوة يمكن أن تصبح غير ذات نفع في أوقات الحروب إذا لم تُحدث "تغيراً كبيراً في جودة عمليات البحث والإنقاذ، وفي قدرتها على المساعدة في منع انهيار الأنظمة المدنية في أوقات الطوارئ"، على حد تعبيره.
سيناريو معيب
ولأن السيناريو الذي قدمه لمراقب الحسابات بعد عامٍ فقط من توليه القيادة احتوى على الكثير من العيوب، فإن العديد من تلك المشكلات ربما لا تزال عالقة دون حل، وفي حين شهدت القوات البرية والاستخبارات والقوات الجوية والبحرية طفرات تكنولوجية، فإن تلك التغييرات تخطت قيادة الجبهة الداخلية"، على حد قول يادي.
شل الجبهة الداخلية
وقد وصف يادي في مقاله التغييرات التي شهدتها "قوات الأعداء" من شمال إسرائيل وجنوبها. ويقول: "منذ عام 2006 [بعد حرب لبنان الثانية]، طور العدو قدراته الصاروخية الجوهرية القادرة على توجيه ضربات واسعة النطاق ومستمرة لجميع الأراضي الإسرائيلية". ونتيجة لذلك، أدت تلك القدرات إلى أن يطور العدو منظوراً جديداً لا يقتصر على استخدام تلك القدرات للتخويف والترهيب فحسب، بل أيضاً لشلَّ الجبهة الداخلية بإجبار المدنيين على الإقامة لفترات مطولة في الملاجئ والخنادق، بغلق المطارات والموانئ واختراق أنظمة الدفاع الجوي لجيش الدفاع الوطني الإسرائيلي".
واستخدم يادي المقال لشرح التغييرات التي أدخلها خلال العامين الماضيين، بما في ذلك مشروع يهدف إلى تغيير الفكر الاستراتيجي فيما يتعلق بالجبهة الداخلية. ويرغب يادي في استغلال تكنولوجيا المعلومات استغلالاً كاملاً، مع التأكيد على مركزية دور قيادة الجبهة الداخلية في مساعدة الهيئات المدنية الشريكة لتقديم استجابة أفضل للسكان في منطقة الجنوب. وكتب يادي: "طورت القيادة واجهات تكنولوجية ربطت كافة الأنظمة المدنية والعسكرية القادرة على تقديم معلومات مناسبة بجودة عالية".
هل هناك تهويل في قدرات حزب الله؟
ويرى كبار قادة الجيش والساسة في إسرائيل أن حزب الله لم يتمكن بعد من إدخال تحسينات كبيرة على دقة صواريخه، غير أن السيناريو الذي قدمه يادي قد أخذ في الاعتبار تلك التحسينات، وكتب: "جيوش الإرهاب من حولنا تطور قدرات هجومية عالية الدقة، والهدف من هذه القدرات هو شل الأهداف المدنية الحيوية، مثل الكهرباء والمياه؛ والوحدات العسكرية الخلفية (مثل المواقع الاستخباراتية والدفاع الجوي)؛ وبإضافة الهجمات السيبرانية إلى المزيج.
وكتب يادي: "أصبح سيناريو القتال في نفس الوقت على عدة جبهات -على جانبي قطاع غزة وفي الشمال- أكثر احتمالاً من أي وقت مضى، وهو سيناريو معقول يجب الإعداد له"، فضلاً عن أن احتمالية أن يتمكن حزب الله أو غيره من المنظمات الإرهابية من شل حركة الجبهة الداخلية الإسرائيلية باتت مصحوبة بحرب على الأرض وتحت الأرض "يمكن أن تطغى على أي إنجاز عسكري في أراضي العدو".
يحتمل أن يحدث هذا القتال أثناء المراحل الأولى للحروب في كافة أرجاء الأراضي الإسرائيلية، ويمكن أن يزيل الحدود الفاصلة بين الوحدات العسكرية الخلفية والجبهة الوطنية الداخلية. وبالتالي، فإن التعاون بين الوحدات العسكرية الخلفية والجبهة الداخلية يجب أن يتم تحسينه بشكل عاجل، بسبب أنها تعمل حالياً "في صورة خطين متوازيين لا يتقاطعان أبداً" على حد قول يادي. وأضاف: "الاعتماد على تقسيم المهام التقليدي الذي تعمل بموجبه قوة الجبهة الداخلية على التعامل مع الجبهة الداخلية ويعمل الجيش على الانتصار على جبهة (القتال)، لم يعد أمراً صالحاً".
وأظهرت الاستراتيجية الجديدة بعض قدراتها في جولة القتال ضد حماس في قطاع غزة، في مايو/أيار الماضي، حسبما يرى يادي. "في هذه الجولة، نجحنا داخل القيادة في إنتاج صورة كاملة للموقف في الجبهة الداخلية، وهو ما حدد كل فعالية عامة مخطط لها على المستوى الوطني للاحتفال القادم بذكرى الاستقلال، وذلك باستخدام تحليل استند إلى معلومات ومعايير"، علماً أن العملية برمتها قد استغرقت "ساعات معدودة فقط".
وقد تلقى قادة الأقاليم والأحياء في الجبهة الداخلية -بواسطة تطبيق- توصيات ملموسة تتعلق بالاستراتيجية التي ينبغي اتباعها لحماية كل الفعاليات المخطط لها لتلك الأيام، على حد قول يادي. غير أنه أضاف: "التغيير الثقافي الذي طرأ على الجبهة الداخلية في هذا الصدد لا يزال في مهده".