لطالما اعتبرت السعودية أنَّ إيران هي عدوها الرئيسي. ولا تزال تدعم السياسة الأمريكية على نطاقٍ واسع. لكن مسؤولي دولة الإمارات الخليجية الأصغر حجماً مستاؤون، ويشعرون بأنَّهم عالقون. ولا يستطيعون في الوقت ذاته الانفصال علناً عن ترامب أو حلفائهم السعوديين. لكنهم ينأون بأنفسهم اليوم عن حلفائهم بهدوء. إذ سحبوا جنودهم من اليمن جزئياً لتخفيف التوترات مع الحوثيين، وبالتالي تتجنَّب التعرض للهجوم.
فضلاً عن أنَّهم اتَّخذوا موقفاً حذراً من إيران، لدرجة أنَّهم اقترحوا أنَّ إيران قد لا تكون مسؤولةً عن أعمال التخريب التي وقعت في الفجيرة. إذ يقول مسؤولٌ في دبي لمجلة The Economist البريطانية: "يستطيع الإيرانيون هدم هذا المكان باستخدام بضعة صواريخ. يجب أن نحمي مصالحنا الخاصة".
قضية وجودية بالنسبة للخليج
مُقارنةً بميناء جبل علي في دبي؛ يبدو ميناء الفجيرة أشبه بالموانئ الهادئة في البحر المتوسط. ويُؤدِّي ميناء الفجيرة، على الساحل الشرقي للإمارات، دور محطة التزود بالوقود للسفن التي تمُرُّ بمضيق هرمز. لكنه يفتقر إلى سعة الشحن وسحر التقنيات العالية المتواجدة داخل ميناء جبل علي، أكبر موانئ الخليج وتاسع أنشط ميناءٍ في العالم. لكن الفجيرة تُمثِّل الرابط الوحيد بين الإمارات وبين أعالي البحار التي تتجاوز المضيق المضطرب، ما حوَّلها إلى نقطةٍ محورية وسط التوترات المتفاقمة بين إيران وبين الغرب.
"قوة ضاربة": تصاعدت التوترات في الـ19 من يوليو/تموز، حين صادرت البحرية الإيرانية Stena Impero، ناقلة النفط البريطانية، إبان إبحارها غرباً عرب المضيق. وترسو السفينة التي يبلغ وزنها 30 ألف طن، بالقرب من بندر عباس، رهينةً للنزاع الذي انطلق في الرابع من يوليو/تموز حين احتجزت بريطانيا ناقلة نفطٍ إيرانية (يُزعم أنَّها كانت في طريقها إلى سوريا) أثناء عبورها لمضيق جبل طارق. وفي واحدةٍ من آخر تصريحاته بصفته وزيراً للخارجية، اقترح جيريمي هانت إعداد "قوةٍ ضاربة أوروبية" لحماية السفن التجارية في الخليج.
قضية وجودية: بحسب المجلة البريطانية، تشعر بريطانيا وحلفاؤها بالقلق حيال تهديد إمدادات الطاقة والتجارة. ولكن بالنسبة لمجلس التعاون الخليجي، بدأت التوترات مع إيران تتحوَّل إلى قضيةٍ وجودية. ورغم بعض الخطابات المتشددة، تشعر دول الخليج بالتوتُّر حيال سياسة الرئيس دونالد ترامب التي تقتضي فرض "أقصى قدرٍ من الضغط" على إيران. فضلاً عن أنَّ النزاع يُهدِّد بنيتها التحتية، وقد يعوق شحنات النفط والغاز التي تملأ خزاناتها. إذ قال دبلوماسيٌّ قطري: "من سيدفع الثمن؟ نحن من سيدفع".
مصادر القلق الخليجي
ولا تستطيع إيران إغلاق مضيق هرمز، رغم كافة التهديدات، إذ يُعتبر ممراً لخُمس النفط المُتداول عالمياً وربع إمدادات الغاز الطبيعي المسال في العالم. لكن ذلك الأمر أدَّى إلى رفع أسعار الشحن التجاري. وتحوَّل ميناء الفجيرة إلى هدفٍ في مايو/أيار، حين أحدثت الانفجارات ثقوباً في 4 ناقلات نفط ترسو قبالة الشاطئ. وتُعَدُّ إيران هي المشتبه به الرئيسي، رغم أنَّ المُحقِّقين لم يُوجِّهوا اتِّهاماً رسمياً. لكن تجارة تزويد السفن بالوقود في الفجيرة عانت كثيراً نتيجةً لذلك الهجوم.
تأمين العبور: وارتفعت أقساط التأمين في المضيق بمقدار 10%. وتضاعفت تلك القيمة بالنسبة لأكبر ناقلات النفط، إذ وصلت تكلفة تأمين العبور الآن إلى 500 ألف دولارٍ أمريكي. وقد تُقرِّر بعض شركات الشحن عدم المُخاطرة (وتكبُّد التكلفة) بالإبحار عبر المضيق. ويُمثِّل ذلك الأمر مصدر قلقٍ للدول الخليجية، التي تعتمد على الممر المائي لاستيراد كل شيءٍ بدايةً من القمح ووصولاً إلى السيارات. خاصةً لأنَّ ثلاثةً من تلك الدول -البحرين والكويت وقطر- ليس لديها منفذٌ آخر إلى البحر.
البنى التحتية تحت مرمى نيران الحرب
فضلاً عن أنَّ البنية التحتية على الأرض مُعرضةٌ للخطر أيضاً. إذ يُحارب الحوثيون، الميليشيا الشيعية اليمنية التي تدعمها إيران (وتُؤدِّي دور الوكيل لها في بعض الأحيان)، التحالف الذي تقوده السعودية في بلادهم. ولكنهم ضربوا أهدافاً سهلةً في المنطقة أيضاً.
وفي مايو/أيار، أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن ضرب خط أنابيب نفط في المملكة العربية السعودية (لكن المسؤولين الأمريكيين حمَّلوا الميليشيات الشيعية العراقية المسؤولية). ويزعم الحوثيون أنَّهم استخدموا الطائرات بدون طيار بعيدة المدى، التي تستطيع ضرب حقول النفط في الإمارات. إذ أطلقت الجماعة صواريخها على مطار أبها الدولي، غربي السعودي، ثلاث مراتٍ على الأقل منذ مايو/أيار. وسقط شخصٌ واحد ضحيةً لتلك الهجمات.
وفي يونيو/حزيران، أطلقت الميليشيا صاروخاً على محطة تحلية مياهٍ سعودية ضخمة في الشقيق. ولم يُحدث الصاروخ الكثير من الأضرار، لكنَّه سلَّط الضوء على نقطة ضعفٍ أخرى: وهي أنَّ المملكة تحصل على ثلث مياه شربها تقريباً، أي أكثر من مليار متر مكعب سنوياً، من المحطات المماثلة التي تُعتبر باهظة التكلفة ويسهل استهدافها في الوقت ذاته.
ويشعر القطريون بالقلق حيال شركة النقل الجوي الوطنية الخاصة بهم، التي أُجبِرَت على تمرير مئات الرحلات الجوية اليومية فوق إيران، منذ فرض جيرانها العرب حصاراً عليها في عام 2017. إذ أُسقِطَت طائرتان بدون طيار على الأقل (واحدةٌ أمريكية وأخرى إيرانية) مُؤخراً في المنطقة.
القدرات العسكرية ضعيفة والخليجيون يفتقرون للخبرات القتالية
صراع غير متكافئ: وبحسب The Economist تُصارع الدول الخليجية لمواجهة تلك التهديدات. ورغم إنفاقها عشرات المليارات من الدولارات على الأدوات العسكرية التي اشترتها من أمريكا وأوروبا، لكنها لا تكون الأدوات المناسبة دائماً. إذ إنَّ الدبابات والطائرات المُقاتلة لها قيمةٌ محدودة في الصراع غير المُتكافئ.
فضلاً عن أن قواتها البحرية صغيرة وتفتقر إلى الخبرة القتالية؛ ورغم أنَّها تتدرَّب مع البحرية الأمريكية وتستثمر في شراء سفن جديدة، ولكنها لا تُؤدِّي سوى أدوار الدعم في الأمن الإقليمي. وأدَّت سنوات المداولات بشأن قيادة دفاعٍ صاروخي مُشتركة لمجلس التعاون الخليجي إلى طريقٍ مسدود، فضلاً عن ضعف الدفاعات الفردية لتلك الدول. ويعني نجاح الطائرات بدون طيار في ضرب خط أنابيب نفط سعودي أنَّ تلك الطائرات قضت ساعاتٍ في الطيران فوق المملكة دون اكتشافها.