رغم التحالف الاستراتيجي الطويل بين تركيا والولايات المتحدة، بصفتهما عضوين بحلف شمال الأطلسي "الناتو"، إلا أن العلاقة بينهما تتجه نحو تصادم وانفصال كبير بعد شراء أنقرة لمنظومة الدفاع الروسية "S-400″، والرد الأمريكي بإلغاء صفقة بيع طائرات "F-35". ووصل هذا الأمر ذروته الجمعة 26 يوليو/تموز، حينما أكد الرئيس التركي، على حق بلاده بامتلاك طائرات حربية من جهات أخرى، في حال امتنعت واشنطن عن إتمام صفقة إف-35.
تركيا تلوح بالبدائل.. "سنتدبر أمرنا"
في كلمة ألقاها أردوغان، باجتماع مع رؤساء فروع حزب العدالة والتنمية في الولايات التركية، بالعاصمة أنقرة. قال مخاطباً الولايات المتحدة: "ألن تعطونا طائرات إف-35؟ حسناً، إذن لا تؤاخذونا، فنحن سنتخذ تدابيرنا في هذا الموضوع، ونتوجه إلى جهات أخرى".
وأعرب الرئيس التركي عن أمله في أن "تتصرف الولايات المتحدة بحكمة" حول امتلاك بلاده منظومة إس-400 الروسية. مؤكداً على أن تركيا ستبدأ اعتباراً من أبريل/نيسان 2020، استخدام إس-400 بشكل فاعل، عقب الانتهاء من عمليات التركيب والتدريبات.
تصريحات أردوغان الأخيرة، جاءت رداً على تصريحات سبقتها بساعات لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي قال إن بلاده تريد من تركيا عدم تفعيل منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس-400″، مشيراً إلى إمكانية "فرض عقوبات إضافية على أنقرة"، وعدم الاكتفاء بإخراجها من برنامج إف-35 فقط.
وكانت الولايات المتحدة قالت إن تركيا لا يمكنها امتلاك منظومة إس-400 وطائرات مقاتلة أمريكية من طراز إف-35 في الوقت نفسه. لكن أردوغان قال إن تركيا ستحاسب أي شخص يستبعد بلاده من برنامج الطائرات المقاتلة إف-35 .
ووقعت تركيا، وهي عضو في الناتو، على شراء 100 طائرة من طراز إف-35، واستثمرت بشكل كبير في البرنامج الخاص بالطائرات، الذي يمنح الشركات التركية امتياز إنتاج 937 جزءاً من قطع غيار الطائرة.
ترامب يتخبّط ومتردد بشأن العقوبات
بالرغم من تلويح بومبيو المتكرر لفرض عقوبات على أنقرة أملاً في تراجعها عن صفقة S400، إلا أن تقارير إعلامية أشارت إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أخبر أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ خلال اجتماع مغلق في البيت الأبيض، الثلاثاء الماضي، أنه لا يدعم فرض عقوبات على تركيا.
وأبدى الرئيس ترامب موقفاً متردداً بشأن فرض عقوبات على تركيا في أكثر من مناسبة، حتى عند إعلان واشنطن عن بدء إخراج تركيا من برنامج إنتاج "إف 35" الأسبوع الماضي.
وألقى ترامب باللوم على إدارة أوباما بهذا الشأن، مشيراً إلى أنها المسؤولة عن عدم بيع تركيا لمنظومة الدفاع الجوي الأمريكية "باتريوت"، وهذا ما أوضحه الرئيس التركي لترامب بشكل جليّ في قمة العشرين في اليابان الشهر الماضي، بحسب تقارير إعلامية، أكدت حينها على تفهم ترامب لموقف الأتراك وغضبه الكبير من سلفه أوباما.
لكن حتى وإن ضغط صقور البيت الأبيض على ترامب ودفعوه إلى تأزيم المشكلة مع أنقرة، سيقرر الأتراك حينها البحث عن بدائل للطائرة الأمريكية، وعدم التسليم للضغوطات الأمريكية، وهذا يتضح بشكل كبير من جميع تصريحات القادة والمسؤولين الأتراك مؤخراً. فما البدائل والخيارات التي من الممكن أن تتطلع لها أنقرة؟
مشروع "المقاتلة الأوروبية" كبديل عن إف-35
"يمكن لتركيا أن تنضم لمشروع صناعة مقاتلة من الجيل الجديد بشراكة فرنسية ألمانية إسبانية، كبديل عن برنامج مقاتلات إف-35″، هذا ما صرح به رئيس مؤسسة التنمية الاقتصادية التركية، أيهان زيتون أوغلو الأسبوع الماضي لوكالة الأناضول.
واقترح رئيس المؤسسة على تركيا دراسة إمكانية مشاركتها في تطوير مقاتلة تعد عنصراً من جهود الاتحاد الأوروبي لتطوير قدراته الدفاعية بشكل مستقل عن الولايات المتحدة.
وأوضح أنه من المرتقب أن تحل مقاتلة من الجيل الجديد، تعمل عليها شركتا داسو للطيران وأيرباص، محل الطائرتين رافال، ويوروفايتر، إلى جانب المقاتلة تيمبست (العاصفة) التي تعمل بريطانيا على تطويرها. وبيّن أن وزراء دفاع فرنسا وألمانيا وإسبانيا وقعوا في 17 يونيو/حزيران الماضي، في إطار معرض باريس للطيران، على اتفاقية تعاون ثلاثية.
ومن المرتقب أن تضع فرنسا وألمانيا استثمارات مشتركة بقيمة 4 مليارات يورو حتى عام 2025 لتطوير مقاتلة من الجيل الجديد، على أن تكشف عن نموذجها في 2026.
مقاتلات "سو-35" الروسية
تعد طائرات "سو-35" القتالية، من تصميم شركة سوخوي الروسية، بديلاً مطروحاً أمام أنقرة للطائرات الأمريكية أيضاً، إذ أعرب المدير التنفيذي لشركة "روستاخ" للصناعات الدفاعية الروسية الحكومية "سيرغي تشيميزوف" عن استعداد روسيا بيع تركيا مقاتلات "سو-35".
واقترح تشيميزوف الخميس الماضي على تركيا بيعها مقاتلات روسية الصنع، قائلاً: "إذا رغب نظراؤنا الأتراك فنحن مستعدون لبيعهم مقاتلات سو-35".
وطائرات "سو-35" القتالية، من تصميم شركة سوخوي الروسية، وتمتلك مقعداً واحداً ومحركين، وتستخدم لأغراض متعددة.
وبهذا العرض، يتضح أن الروس هم أول الرابحين المحتملين من فشل صفقة إف 35، بين واشنطن وأنقرة، إذ أتى بعد يوم واحد من إعلان وزارة الدفاع الأمريكية ، عن بدء مرحلة إخراج تركيا من برنامج إنتاج مقاتلات "إف 35".
أزمة إف-35 وتداعياتها على حلف الناتو
وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أكد الخميس الماضي أن إخراج بلاده من برنامج طائرات إف-35، سينعكس سلباً على قوة حلف الناتو. مؤكداً أن "إخراج تركيا من مساهمتها في برنامج مقاتلات إف-35 بقرار أحادي وغير عادل لا يستند إلى مبرر شرعي".
وأضاف "إخراجنا من برنامج إف-35 سيكون له تأثير سلبي على قوة الناتو وخاصة الجناح الجنوبي". مبيناً أن التصريحات الأمريكية الأخيرة لا تنسجم مع روح التحالف بين البلدين.