تتحرَّك للمستقبل ببطء ولكن بثبات.. الكويت ترسم طريقها الخاص نحو النهضة بعيداً جيرانها

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/07/25 الساعة 12:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/25 الساعة 12:12 بتوقيت غرينتش
الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت/ رويترز

ترسم الكويت طريقَها الخاص نحو المستقبل في منطقة معقدة ومتغيّرة، حيث تتخلَّى عن الأضواء الساطعة، وخطة المدينة الكبيرة كما في دبي، وتتجنَّب الأحداث التي تجذب انتباه العالم في قطر، وبدلاً من ذلك تركز على الأساسيات: البنية التحتية، ورأس المال البشري، والتمويل، والإدارة العامة، والرعاية الصحية، والبيئة.

وهذا المستقبل ليس الذي يتخيله صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، وربما ليس المستقبل الذي تأمله الشركات متعددة الجنسيات في مجال الطاقة، أو الذي يتصوّره المنافسون الإقليميون.

قصة مختلفة للكويت

لحظة التغيير: يقول موقع Al-Monitor الأمريكي، إنه من الصعب تحديد اللحظة التي بدأت تتغير فيها الأمور في الكويت. في كثير من الأحيان يُترجم التقدم البطيء للكويت، والذي يشبه حركة السلحفاة بالمقارنة مع التقدم السريع لجارتيها في الخليج، قطر والإمارات، إلى إقصاء العالم لها، والذي يرى الكويت على أنها لا تتقدم بسرعة، ولذا، ينتقل إلى أشياء أكثر إثارة للاهتمام.

ولكن الحقائق الموجودة، وإن كانت مبعثرة وغالباً لا يجري تناولها كثيراً، تحكي قصة مختلفة. لدى الكويت خطة استراتيجية وتنفذها ببطء، ولكن بثبات. لقد استُبدل الركود والاقتتال السياسي الذي ساد معظم الفترة بين عامي 2006 و2013 بتصميم هادئ، وجهد مشترك من جانب القيادة، لتجهيز الكويت من أجل المستقبل.

بخطى هادئة ولكن مهمة، تحرز الكويت تقدماً

سوق قوي: دفع تحول سوق الأسهم، الذي بدأ في عام 2010 مع إنشاء هيئة أسواق رأس المال، البورصة إلى الدخول إلى الساحة العالمية. حصلت الكويت على المركز الرابع على مستوى العالم من حيث الأداء في عام 2019 حتى الآن، وذلك وفقاً لبنك الكويت الوطني. كما اعترفت شركة Morgan Stanley Capital International، وبورصة Financial Times Stock، ومؤشر داو جونز بالكويت كسوق ناشئة، ومن المتوقع أن يؤدي هذا إلى تدفق استثمارات أجنبية تقدر بنحو 3 مليارات دولار.

معايير عالمية: إن التحول لم يكتمل، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان المستثمرون المحليون والإقليميون سيتبعون زملاءهم الأجانب أصحاب المؤسسات في العودة إلى ساحة التداول في الكويت. ولكن يعد السوق مهيأً لهذه الفرصة، وذلك بعد أن قام بتجزئة أسهمه الفضلى ومواصلة دفع الإصلاحات في الإنفاق، والمنتجات، والخدمات التي تهدف إلى الارتقاء بالبلاد إلى مستوى المعايير العالمية.

إعادة هندسة الاقتصاد الكويتي

تحديث مستمر: هذه واحدة من ضمن مجموعة من الخطط لإعادة هندسة الاقتصاد الكويتي، بخطى حذِرَة ومدروسة. تعمل الحكومة أيضاً على استبدال قوانين الإفلاس القديمة وغير القابلة للتطبيق، بنسخة حديثة تهدف إلى حماية المستثمرين، وخصخصة بعض الكيانات المملوكة للحكومة، وتقليص دور الحكومة في قيادة الجوانب غير النفطية للاقتصاد على المدى الطويل.

انجازات: ومن الإنجازات المهمة الأخرى في تطوير مستقبل الكويت مشروع مدينة الحرير، الذي يشتمل على ميزات مهمة، منها الميناء الجديد الضخم في جزيرة بوبيان، والجسر الذي تبلغ تكلفته 3 مليارات دولار، والذي يعمل الآن، ويربط مدينة الكويت بالشمال الحالي غير المتطور. وكجزء من الرؤية الاستراتيجية لدولة الكويت لعام 2035، تتصور خطة مدينة الحرير الكويت -وخاصة المنطقة الشمالية منها- باعتبارها منطقة حرجة في مبادرة الحزام والطريق الصينية، جهد استراتيجي طويل الأجل لربط وتطوير طرق التجارة البرية من بكين حتى تركيا عبر الخليج، والكويت، والعراق.

التحديات المقبلة

منطقة ملتهبة: لا تزال العقبات هائلة. وتعد الجغرافيا السياسية للكويت هي عمل توازن طويل الأجل. فالكويت محاطة بعمالقة من جميع الجهات (إيران، والعراق، والسعودية) وتضع نفسها كوسيط لحل المشاكل في منطقة تعاني من الصراع. 

هناك النزاع الداخلي بين دول مجلس التعاون الخليجي، بين السعودية، والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى، وتتعمد الكويت تبنّي موقف وسطي ومحاولة التوسط. وفي المواجهة الجيوسياسية طويلة الأمد بين الدولتين الكبيرتين إيران والسعودية، انحازت الكويت دائماً نحو الجانب العربي، بينما كانت تعمل على مواصلة الحوار المفتوح مع طهران. 

في أعقاب نهاية عهد صدام حسين في العراق، أعادت الكويت بناء علاقاتها ببغداد ببطء وحذر. ولكن أن تكون الكويت نافذةً إلى العراق الذي مزقته الحرب، ليس بالأمر السهل، ولم توطد الكويت بعد العلاقة بما فيه الكافية حتى يتراجع العراق عن خططه لإنشاء ميناء ضخم في مدينة الفاو العراقية، على الرغم من أن هذا الخيار تقل احتمالية حدوثه أكثر فأكثر.

الخلافة القادمة التي تنتظرها الكويت

داخلياً، تواجه الكويت خلافة قادمة. لا يزال الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي يبلغ من العمر 90 عاماً، بصحة جيدة. ولكن المستثمرين في جميع أنحاء العالم يتوخون الحذر بشأن ما سيحدث بعد ذلك. وقد أنشئ خط واضح للخلافة مع وجود ولي عهد ونجل الأمير، وهو الشيخ ناصر الصباح، والذي يعتبر محلياً الأمير المستقبلي المحتمل.

البرلمان الكويتي هو من أكثر البرلمانات صخباً وقوة في المنطقة. وتعد الانتخابات دائماً أمراً مثيراً للمنافسة، حيث من المقرر إجراء الجولة التالية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وحالياً، تأمل الحكومة في تمرير تشريع من شأنه أن يخلق إطاراً قانونياً لمنطقة مدينة الحرير، بالإضافة إلى ضريبة القيمة المضافة، وقوانين الإفلاس، والخصخصة الجديدة. كل هذه الخطط تحتاج إلى موافقة برلمانية، وهي عملية يمكن أن تستمر لسنوات، كما أثبتت المشروعات السابقة.

تنمية العلاقات الجيوسياسية والإنفاق الهائل على البنية التحتية

بخطى ثابتة: ومع ذلك، على الرغم من هذه العقبات، تواصل الكويت المضي قدماً، ببطء ودون ضجة. وتتصدر تنمية العلاقات الجيوسياسية والتجارية مع الصين قائمة أولويات الكويت، وقد عززتها في السنوات الأخيرة من خلال سلسلة من الصفقات التجارية، والمشاريع، وافتتاح مكتب لصندوق الثروة السيادية لهيئة الاستثمار الكويتية مؤخراً. ويعد هذا هو أول مكتب تمثيلي للسلطة، والذي يقدر أنه يدير أكثر من 524 مليار دولار من الأصول، معظمها من مكتبها الرئيسي في لندن.

في الوقت الذي يشهد فيه العالم تقدم دبي السريع، والاشتباكات الجيوسياسية بين السعودية وإيران، تحتفظ الكويت بمكانتها المنخفضة وتُواصل تطوير الطرق السريعة الرئيسية، ومعامل تكرير النفط، وبناء مستشفيات جديدة، والدفع بمشاريع تتماشى مع استراتيجيتها التنموية.

من الخمسينيات حتى السبعينيات من القرن الماضي، شهدت الكويت تحولاً وطنياً، ودفعت باقتصادها إلى العصر الحديث، من خلال الإنفاق الهائل على البنية التحتية، والصناعات الوطنية، والتطورات السياسية، والاجتماعية.

دولة إقليمية رائدة في مجالات مختلفة

بناء الدولة: وقد يبدو أن الكيانات المملوكة للدولة ظهرت بين عشية وضحاها كما يقول موقع "المونيتور"، مثل، صندوق الثروة السيادية الكويتي في عام 1953، والخطوط الجوية الكويتية في عام 1953، ومؤسسة البترول الوطنية الكويتية في عام 1960، ومطاحن الدقيق الكويتية في عام 1961، وجامعة الكويت في عام 1966، ومصرف الكويت المركزي في عام 1969. 

في غضون بضع سنوات قصيرة، انتقلت الكويت من "قرية هادئة" إلى دولة إقليمية رائدة في الموارد المالية، والاقتصاد، والسياسة، والأعمال التجارية، وكذلك البرامج الثقافية والاجتماعية.

نحو المستقبل: لا تحاول الكويت معاودة إنتاج الماضي، لاستعادة تفوقها الإقليمي، على الأقل ليس حتى الآن. يبدو أنها ليست مهتمة كثيراً بالتنافس مع جيرانها على السياحة والإبهار، على سبيل المثال.

وبدلاً من ذلك، تضع الكويت الأساس لمستقبل قد تلعب فيه دوراً متزايد الأهمية كمركز تجاري إقليمي، والأهم من ذلك أنه غير مرتبط بالنفط. لفعل ذلك يتعيَّن عليها أن تتماشى بشكل أوثق مع آسيا عامةً، والصين على وجه التحديد.

هل تنجح الاستراتيجية الكويتية؟

الحلفاء: هذا لا يعني أن الكويت تتخلى عن حلفائها الغربيين. لا تزال الإمارة الصغيرة الغنية بالنفط موطناً لقاعدة عسكرية أمريكية ضخمة، مع ما يقرب من 19 ألف جندي أمريكي في البلاد. 

في ديسمبر/كانون الأول، ظهر حديث عن قاعدة عسكرية بريطانية محتملة يجري إنشاؤها في الكويت أيضاً. نفى مسؤولو وزارة الدفاع البريطانية أي خطط لإقامة قاعدة دائمة، ولكن السفير البريطاني في الكويت مايكل دافنبورت، في مقابلة مع شبكة Forces Network الأمريكية، أقرَّ بأن المحادثات بشأن مثل هذا الاحتمال قد حدثت.

هل تنجح؟: بعد أن توصلت الكويت إلى استنتاج مفاده أنها لا تريد محاكاة مسارات التنمية الخاصة بجيرانها، تحاول الكويت صياغة طريقها الخاص، وتنسيق مصالحها مع القوى العالمية مثل الصين، مع الحفاظ على علاقاتها الإقليمية وتحالفها مع الغرب. إن السؤال الآن هو بسيط للغاية: هل ستنجح هذه الاستراتيجية؟

تحميل المزيد