عندما كانت شركة أرامكو السعودية على وشك إبرام اتفاق، في العام الماضي، لشراء حصة في مصفاة هندية لتكرير النفط، ركب رئيسها طائرة على عجل في باريس، وتوجه إلى نيودلهي.
وصل أمين الناصر رئيس أرامكو التنفيذي دون سابق إخطار، صباح الحادي عشر من أبريل/نيسان 2018، وأتمَّ الاتفاق ووقَّعه في وقت لاحق من ذلك اليوم. كان المفاوضون قد انتهوا لتوّهم من التفاصيل.
وسلَّط سفره المفاجئ بعد رحلة عمل لفرنسا مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الضوءَ على أهمية الصفقة للسعودية وشركة النفط العملاقة.
لا تفطم السعودية عن النفط!
ويمثل الاستثمار المزمع في مشروع المصفاة والبتروكيماويات الذي تبلغ استثماراته 44 مليار دولار على الساحل الغربي للهند، مثالاً واضحاً على مدى سعي أرامكو للاستفادة بقدر الإمكان من كل برميل من النفط تنتجه، وذلك بزيادة طاقة التكرير، لاسيما في آسيا، سريعة النمو.
غير أنه يؤكد أيضاً التحدي الذي تواجهه السعودية في تقليل اعتمادها الاقتصادي الكبير على النفط.
وقد تباينت نتائج برنامجها لتنويع الاقتصاد، إذ يقول محلّلون اقتصاديون ومتخصصون في مجال الطاقة، إن بعض المشروعات تتحرك ببطء، في حين أنَّ هناك مشروعات أخرى مفرطة في الطموح.
ويبدو أن هدف الأمير محمد المعلن، المتمثل في التمكن من العيش من دون النفط في 2020، لن يتحقَّق.
وقال جيم كرين، الزميل الباحث في الطاقة بمعهد بيكر في جامعة رايس: "إدمان السعودية للنفط لا يقل الآن عمَّا كان عليه في أي وقت… ومن الناحية الاقتصادية بالطبع فالاقتصاد السعودي يعيش على النفط. ولا يزال النفط يهيمن على الناتج المحلي الإجمالي والصادرات والإيرادات الحكومية".
وأضاف: "رغم ذلك فالسعودية تعمل على تغيير علاقتها بالنفط، لا يزال الاعتماد قائماً، غير أنَّ المملكة تعمل على اعتصار قيمة أكبر من نفطها".
ومن المرجح في ضوء التقدم البطيء أن يظلَّ الاقتصاد السعودي رهينة لأسعار النفط لفترة أطول من المقدر. كما أن أي تأخير في تنفيذ التغيير يجازف بالمساس بصورة الأمير محمد كقائد إصلاحي.
تأمين المستقبل
قال ولي العهد لدى إعلان خطته قبل ثلاث سنوات، إن على السعودية -أكبر دولة مصدرة للنفط وثاني أكبر الدول المنتجة في العالم- أن تتخلص من "إدمان النفط"، لضمان ألا تصبح تحت رحمة التقلبات السعرية لهذه السلعة أو الأسواق الخارجية.
كان محمد بن سلمان يتحدَّث بعد أن أدَّى انخفاض أسعار النفط الخام إلى ارتفاع العجز المالي السعودي إلى نحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2015، الأمر الذي تسبَّب في إبطاء الإنفاق الحكومي والنمو الاقتصادي.
ويقول صندوق النقد الدولي إنَّ من المحتمل أن يصل العجز في العام الجاري إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي، مع تباطوء النمو المرتبط بالنفط في أعقاب تخفيضات الإنتاج التي قرَّرتها منظمة البلدان المصدّرة للبترول (أوبك).
وتعد أرامكو محوراً رئيسياً في خطة الإصلاح التي طرحها ولي العهد من عدة أوجه، ليس أقلها أنَّ خطة خصخصتها جزئياً ستولّد دخلاً لتمويل الإصلاحات.
كما أنَّ للشركة يداً في معظم الصفقات الكبيرة التي أبرمتها المملكة في العامين الأخيرين، إذ إنها زادت استثماراتها في أنشطة التكرير والبتروكيماويات.
أرامكو تبحث عن استثمارات في الخارج
وفي ذلك الوقت، أعلنت أرامكو عن استثمارات لا تقل قيمتها عن 50 مليار دولار في السعودية وآسيا والولايات المتحدة. وتهدف الشركة لزيادة إنتاجها من الكيماويات لثلاثة أمثاله تقريباً، ليصل إلى 34 مليون طن متري سنوياً بحلول 2030، ورفع قدرتها التكريرية العالمية إلى ما بين 8 ملايين و10 ملايين برميل يومياً من أكثر من 5 ملايين برميل يومياً.
وفي مارس/آذار من العام الماضي، استكملت أرامكو صفقة لشراء حصة قيمتها 7 مليارات دولار في مصفاة تكرير ومشروع للبتروكيماويات مع شركة بتروناس الماليزية.
وبعد ذلك بشهر، وقَّع الناصر وكونسورتيوم من مجموعة شركات هندية اتفاقاً مبدئياً، لمنح أرامكو حصة في مصفاة من المقرر إقامتها، بطاقة تكريرية تبلغ 1.2 مليون برميل في اليوم، في ولاية ماهاراشترا الغربية في الهند.
وفي فبراير/شباط من العام الجاري، وقَّعت أرامكو صفقةً قيمتها 10 مليارات دولار لإنشاء مجمع للتكرير والبتروكيماويات في الصين. وفي الشهر الماضي وقعت الشركة 12 اتفاقاً مع كوريا الجنوبية، بمليارات الدولارات، في أنشطة تتراوح بين بناء سفن إلى توسعة مصفاة تكرير مملوكة لأرامكو.
وقال روبين ميلز، الرئيس التنفيذي لشركة "قمر إنرجي" لاستشارات الطاقة في دبي: "هذا ما أسمّيه نهج العودة للأساسيات فيما يتعلق بالتنويع الاقتصادي في الخليج. فصناعة الطاقة لديها أصول ورأسمال ومهارات، ولذا فهي محرك المشروعات الجديدة من تكرير وبتروكيماويات وغاز وما إلى ذلك".
مستر أبستريم (المنبع) يتطلع للمصب
في مارس/آذار، قالت أرامكو إنها ستستحوذ على حصة نسبتها 70% في شركة البتروكيماويات، الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)، مقابل 69.1 مليار دولار من صندوق الثروة الوطني، المعروف باسم صندوق الاستثمارات العامة.
وتكسب أرامكو أسواقاً جديدة لنفطها الخام، وتعمل على تعزيز وجودها العالمي في مجالات المصبّ، المتمثلة في التكرير والمعالجة والتنقية. وهدفها أن تصبح قوة قيادية عالمياً في مجال الكيماويات.
وقال عبدالعزيز الجديمي، النائب الأعلى للرئيس للتكرير والمعالجة والتسويق لرويترز، في مايو/أيار، إن الشركة لا تستثمر كيفما اتّفق يمنة ويسرة، بل تستثمر في الأسواق المناسبة، وفي أصول التكرير الملائمة، وحيث تتحقق لها القيمة من أنواع الوقود إلى الكيماويات.
ويقود الناصر المعروف بين العاملين في أرامكو باسم "مستر أبستريم" (المنبع) التوسع في قطاعات المصب. وهو يريد تقريب طاقة التكرير لدى الشركة من قدرتها الإنتاجية، التي تبلغ الآن 12 مليون برميل في اليوم.
وتريد أرامكو أن يتساوى تدريجياً وجودها في قطاعات المصب مع مستوى منافسيها الكبار، وكذلك تقليل مخاطر تعرُّضها لأي انخفاض في الطلب على النفط الخام، أو تقلبات أسعاره، شأنها في ذلك شأن السعودية نفسها.
وقال مصدر بصناعة النفط، مطّلع على خطط السعودية "تريد أن تضمن الطلب عليك في الأسواق الرئيسية، عليك أن تكون أكثر نشاطاً، وأن تصبح أكثر قدرة على التكيف، وأن تتأكد من ضمان مستقبلك. فهذا ما حققته ماليزيا على سبيل المثال وكذلك الهند".
وعلى مدى سنوات ظلّت أرامكو مورداً منتظماً للنفط الخام إلى مصافي التكرير الهندية، من خلال عقود الخام طويلة الأجل.
ومع ذلك فرغم أن لها حصصاً في مصافي تكرير أو أصول في مجال التخزين في أسواق آسيوية مهمة أخرى مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية، وتملك كذلك أكبر مصفاة في الولايات المتحدة، فهي لم تضمن وضعاً مماثلاً في الهند، التي تعد سوقاً سريعة النمو للوقود والبتروكيماويات.
وقال مصدر بالصناعة "الهند سوق لم يعد بإمكانك أن تتجاهلها".
كذلك غيَّرت أرامكو استراتيجيتها التسويقية في الصين، فهي الآن أكثر توجهاً نحو شركات التقرير المستقلة، لزيادة مبيعات النفط الخام السعودي، بعد سنوات ظلَّت تتعامل فيها حصرياً تقريباً مع شركات صينية مملوكة للدولة.
تقدم بطيء
غير أن خطط تخليص السعودية من الاعتماد على النفط حقَّقت تقدماً بطيئاً بصفة عامة.
ولم تظهر تفاصيل تُذكَر عن مشروع لتوليد الطاقة الشمسية، باستثمارات تبلغ 200 مليار دولار، أَعلن عنه صندوق الاستثمارات العامة وشركة سوفتبنك اليابانية، في مارس/آذار 2018.
ولم يتضح كيف سيتم تنفيذ هذا المشروع أو توقيته، كما أن وزارة الطاقة السعودية تمضي قدماً في مشروعاتها الشمسية الخاصة.
وفي لطمةٍ للمستثمرين المحتملين، تلطَّخت صورة المملكة وسمعة ولي العهد بمقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، العام الماضي.
وقاطع رجال أعمال وساسة كبار منتدى استثمارياً كان الهدف منه استعراض مستقبل المملكة الجديد، بعيداً عن النفط، ولم تنقذه سوى الصفقات الكبيرة مع أرامكو.
كذلك تأجلت الخصخصة الجزئية لشركة أرامكو منذ أن طرحت خططها للاستحواذ على حصة في سابك، وذلك رغم أن مسؤولين سعوديين كباراً، من بينهم وزير الطاقة خالد الفالح، قال إن هذا قد يتحقق في 2020-2021.
وكان من المفترض أن يتلقَّى صندوق الاستثمارات العامة برئاسة الأمير محمد حوالي 100 مليار دولار من طرح أسهم أرامكو. وبدلاً من ذلك سيحصل على حوالي 70 مليار دولار من بيع حصته في سابك.
وكان لصندوق الاستثمارات العامة بصمته على المسرح العالمي قبل ثلاثة أعوام، بالاستحواذ على حصة قيمتها 3.5 مليار دولار في شركة أوبر تكنولوجيز. غير أنه منذ 2016 بلغت الاستثمارات المباشرة للصندوق في الخارج 10.5 مليار دولار فقط، وذلك وفقاً لبيانات ريفنيتيف، كما أن الكثير من التعهدات التي أعلنها الصندوق لم تتحقق.
وانصبَّت الاستثمارات الرئيسية للصناديق في العامين الأخيرين على حصص أسهم في شركات مثل شركتي صناعة السيارات الكهربائية تسلا ولوسيد موتورز ومنصة التجارة الإلكترونية الخليجية نون.
ومثل هذه الصفقات لا تجتذب بالضرورة استثمارات أجنبية أو تساعد في تطوير الصناعات أو خلق فرص العمل.