نفت الإمارات، نيتها مغادرة اليمن بشكل كامل، وذلك بعد أنباء أنها سحبت قواتها من هذا البلد العربي المنكوب، ف
هل تراجعت الإمارات عن قرارها بالانسحاب من اليمن أم أنها تحاول تجنب إغضاب السعودية؟
وكتب وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، في مقال رأي بصحيفة Washington Post الأمريكية: "فقط لتوضيح الأمر، الإمارات وبقية التحالف لا يغادرون اليمن".
وأثار مقال الوزير الإماراتي حالة من الارتباك بشأن الموقف الإماراتي في اليمن، وهل ما حدث هو انسحاب أم إعادة انتشار؟
إنسحاب أم إعادة انتشار
وقال المسؤولون الإماراتيون منذ عدة أسابيع إنهم بدأوا تدريجياً وجزئياً سحب قواتهم، التي قُدّر عددها قبل سنوات قليلة بنحو 5 آلاف جندي.
ويشدد المسؤولون الإماراتيون على أنهم لن يغادروا اليمن بالكامل، وأن مهمة مكافحة الإرهاب التي تركز على ملاحقة متشددي القاعدة، الذين هم مصدر قلق أمريكي أساسي في اليمن، لم تُمسّ.
ومنذ بداية الإعلان جاء القرار الإماراتي ملتبساً وحمال أوجه، فقد يفهم منه أنه تمهيد لانسحاب كامل مع تحميل الحلفاء المحليين المسؤولية، أو أنه سحب لأغلب القوات مع الإبقاء على بعضها.
ولكن الواضح أن العملية تهدف إلى تقليل مسؤوليات وأعباء الإماراتيين في اليمن مع الاحتفاظ بالمغانم التي تحققت، لاسيما في الجنوب والمناطق القريبة من الحديدة، حيث بسطوا نفوذهم عبر تجنيد آلاف من القوات اليمنية المحلية.
ولماذا اتخذوا هذا القرار؟
جاء توقيت إعلان الإماراتيين عن سحب أغلب قواتهم من اليمن في توقيت حساس، إذ تكررت هجمات الحوثيين على الأهداف السعودية، في وقت بدا واضحاً أن احتمال الانتصار في معركة الحديدة، التي خصص لها التحالف، وفي مقدمتهم الإماراتيون، موارد كبيرة قد تبدد.
بالنسبة للإماراتيين يبدو أنه كانت هناك دوافع عدة للانسحاب.
كان واضحاً أن الإماراتيين يريدون إرسال رسالة للعالم أنهم خرجوا من اليمن، وأنهم لم يعودوا يتحملون مسؤولية أخلاقية عن الحرب التي تزداد النقمة عليها في العالم، بما فيها الولايات المتحدة أقوى حلفاء الإمارات والسعودية.
كما يأتي توقيت القرار الإماراتي في وقت تزداد التهديدات للإماراتيين في ديارهم بعد وقوع تفجيرات متعددة مع ازدياد التوتر بين إيران والولايات المتحدة.
خروج يُغضب السعودية
وأثار قرار الإمارات سحب قوات لها من اليمن استياءً لدى السعودية.
ويُقال إن المسؤولين السعوديين خاب أملهم، وإنهم "توسطوا لدى الزعماء الإماراتيين في محاولةٍ لإثنائهم عن الانسحاب".
وذكرت صحيفة The New York Times الأمريكية، الخميس 11 يوليو/تموز 2019، أن دبلوماسيي السعودية شعروا بخيبة أمل عميقة إزاء القرار الإماراتي.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي غربي مطلع على الأمر، قوله إن كبار المسؤولين في البلاط الملكي تدخّلوا شخصياً مع الزعماء الإماراتيين لمحاولة ثنيهم عن الانسحاب.
الدبلوماسيون الغربيون والعرب الذين أُطلعوا في إيجاز على أمر الانسحاب، يقولون إن هناك تقليصاً كبيراً للقوات قد حدث بالفعل، وإن الإماراتيين مدفوعون في الغالب برغبتهم في الخروج من حرب أصبحت تكلفتها مرتفعة للغاية، حتى لو كان ذلك يرادف إغضاب حلفائهم السعوديين.
فقد تركهم أصدقاؤهم الإماراتيون في مأزق حقيقي
وبالنظر إلى التحدي الحوثي الخطير على الحدود مع السعودية، فهذا التحرك الإماراتي يعد تطوراً سلبياً بالنسبة للمملكة.
ومع بدء أبوظبي في سحب قواتها، تولت القوات السعودية القيادة في مدينة الخوخة ومدينة المُخا المرفئية إلى الجنوب منها، وبعثوا بقواتٍ إلى مدينة عدن الجنوبية، وجزيرة بريم المجاورة في مضيق باب المندب الاستراتيجي.
ويعتقد على نطاق واسع أن خروج الإمارات من اليمن أو سحب قواتها بشكل كبير من شأنه أن يؤثر على وضع القوات السعودية بشكل كبير.
إذ إن معظم الإنجازات المحدودة التي حققتها قوات التحالف العربي على مدار السنوات الماضية قام بها في الأغلب الإماراتيون، مثل تحرير عدن عاصمة الجنوب.
ولعبت الإمارات دوراً محورياً عام 2015 في استعادة عدن من المعارضين الحوثيين، الذين احتلوها خلال اجتياحهم للجنوب عام 2014، فضلاً عن دورها في تحرير المناطق الساحلية وصولاً لمحافظة الحُدَيدة.
ولذا فإنَّ خطوة الإمارات في اليمن ستشتت تركيز القوات السعودية، وستستنفد طاقتها عن آخرها.
وقبل هذا القرار، كانت القوات البرية السعودية تنتشر بصفة أساسية على الحدود السعودية اليمنية، فيما سخرت الإمارات جنودها للمساعدة في تحرير بعض المناطق في جنوبي اليمن من قبضة الحوثيين.
والآن، قد تكون هناك حاجة إلى حراسة إضافية من القوات البحرية السعودية في خليج عدن، ومضيق باب المندب، والبحر الأحمر، لاستمرار الحصار القائم حول الحوثيين في حال قررت الإمارات إنهاء مشاركتها بالكامل.
علاوةً على ذلك، ربما يتسبَّب هذا الإجراء أيضاً في خسارة الأرض المحررة من الحوثيين منذ بداية تدخل عام 2015 العسكري في اليمن.
إذ يهدد إخلاء الإماراتيين للقواعد العسكرية، الموجودة على شاطئ البحر اليمني، بفتح المنطقة لعمليات التسلل والتخريب، بغض النظر عن تأثير الحصار البحري الحالي الذي فرضته قوات التحالف بقيادة السعودية على الجزء الغربي من البلاد.
ولهذا لم يكن غريباً أن تتوارد تقارير متعددة بأن السعودية تحاول إثناء الإماراتيين عن الانسحاب.
ويبدو أن كلام الوزير الإماراتي قد جاء نتيجة هذه المناشدات السعودية.
هل تراجعت الإمارات عن قرار بالانسحاب من اليمن؟
كلام قرقاش الذي ينفي الانسحاب الإماراتي من اليمن يحمل في طياته رسائل عديدة.
إذ قال إن بلاده "ستعمل بشكل مختلف، وإن حضورنا العسكري باقٍ. وبما يتوافق مع القانون الدولي".
وتأكيد قرقاش على توافق سلوك القوات الإماراتية مع القانون الدولي يأتي في وقت تزداد فيه الانتقادات للحرب في العالم.
ولكن الأكثر أهمية قوله "سنواصل تقديم المشورة ومساعدة القوات اليمنية المحلية" .
وهذا يؤكد ما ذكرته تقارير إعلامية متعددة عن الإمارات، تنوي أن توكل كثيراً من المهام إلى القوات الموالية لها في اليمن الجنوبي وحتى في اليمن الشمالي، وأغلبها قوات من الانفصاليين الجنوبيين أو السلفيين.
ويقدر البعض حجم هذه القوات بنحو 90 ألفاً، وأغلب هذه القوات على خلاف كبير مع الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي.
رسالتان إحداهما للسعوديين وأخرى للحوثيين
كما تريد الإمارات توصيل رسالتين متناقضتين من مقال قرقاش الأخير.
رسالة للسعوديين الغاضبين بأننا لم ننسحب، وأننا مازلنا معكم، رغم أنه من الواضح أن التواجد الإماراتي بعد القرار سيكون أضعف من أن يقاتل مباشرة، وأنه سيترك السعوديين وحدهم يقاتلون الحوثيين، وفي أحسن الأحوال فإنه سيوجه حلفاء الإمارات للقتال إلى جانب الرياض.
علماً أن أغلب حلفاء الإمارات في الجنوب هم انفصاليون وغير معنيين بالحرب مع الحوثيين.
الرسالة الثانية التي بدا قرقاش حريصاً على إعلانها موجَّهة للحوثيين.
إذ قال "إنه يتوجَّب على الحوثيين أن ينظروا إلى الخطوة الإماراتية على أنها "إجراء لبناء الثقة من أجل خلق زخم جديد لإنهاء الصراع".
وأضاف في مقاله: "بينما تقوم الإمارات العربية المتحدة بتخفيض وإعادة نشر قواتها في اليمن، فإننا نقوم بذلك بنفس الطريقة التي بدأنا بها، بأعين مفتوحة".
وتابع: "لم يكن هناك نصر سهل، ولن يكون هناك سلام سهل"، ولكنه أكد "الوقت الآن هو لمضاعفة التركيز على العملية السياسية".
وتظهر هذه التصريحات أنَّ الإماراتيين يعلمون أن هذه الحرب لم تعد مجدية، وأنه بعد أربع سنوات من القصف العنيف وشراء الأتباع لم تحقق قوات التحالف العربي تقدماً يذكر، بل على العكس ازداد تجرؤ الحوثيين.
بالنسبة للإمارات الآن حان الوقت للخروج من المعركة الخاسرة بأكبر المكاسب.
إنها ليست أول مرة التي تفعل الإمارات ذلك بالسعودية
تصريحات قرقاش تعد امتداداً لسياسة إماراتية تكررت مراراً وهي توريط السعودية في أزمات تنال المملكة بسببها النصيب الأكبر من النقد، وعندما تجد أبوظبي أن المغامرة قد فشلت، وأن الانتقادات قد زادت، فإنها تعلن الانسحاب أو تظهر مواقف مغايرة أو متضاربة، تحاول فيها أن تتبرأ من المسؤولية بشكل ملتبس.
وهذا بدا واضحاً في الجدل المثار حول ورشة المنامة التي وجهت بنقد شديد، باعتبارها مدخلاً لصفقة القرن التي يتورط فيها الإماراتيون والسعوديون مع إدارة ترامب.
فبعد أن تصدرت السعودية الجدل، فوجئ العالم بأنباء عن اعتذار رجال أعمال إماراتيين عن الورشة التي كانت أبوظبي أحد عرابيها.
ويبدو أن الوضع في اليمن لا يختلف كثيراً، تروج الإمارات لأنها تخارجت من اليمن، بشكل ينأى بها عن الحرب المشبوهة، ويعفيها من المهام الثقيلة التي ألقاها عليهم السعوديون في المعارك، وفي الوقت ذاته يحافظون على نفوذهم عبر قوة ضاربة تقدر بـ90 ألف مقاتل.
أما الأهداف الرسمية للتحالف العربي في الحرب مثل توحيد اليمن، وإعادة الشرعية، والقضاء على الخطر الحوثي والإيراني، وتحصين حدود السعودية فلم تعد على قائمة الأهداف الإماراتية، وفي الأغلب لم تكن حتى من قبل ضمن أهدافها.
فقد حقَّق الإماراتيون هدفهم الرئيسي عبر السيطرة على الجنوب بسواحله الطويلة الغنية، التي تشكل مرفقاً مهماً في أوصال الإمبراطورية البحرية التي تبينها أبوظبي.