يبدو أن جوجل وفيسبوك وقعتا مجدداً تحت مجهر الهيئات التنظيمية. إذ تجمع هيئة مراقبة الاحتكارات في بريطانيا على سبيل المثال، المعلومات من أجل دراسة بحثية حول المنصات الإلكترونية وسوق الإعلان الرقمي. وتكمن خلف ذلك العنوان الغامض فرصةٌ ذهبيةٌ لجعل الشركات التكنولوجية العملاقة تجيب عن بعض الأسئلة الصعبة المتعلقة بسيطرتها على مجال الإعلان الرقمي بشكل كبير في العالم.
قد تكون هذه هي المرة الأولى التي توجه فيها مثل تلك الأسئلة، إذ لم يتمكن أحد حتى الآن من الإلمام الكامل وتحديد طريقة عمل سوق التكنولوجيا الإعلانية كما تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية. وقد تؤدي إجابات تلك الأسئلة إلى الحديث عن تفكيك الأصول الإعلانية الرقمية لكلا العملاقين، بدلاً من عروضهما التي يراها المستهلك، وهو الأمر الذي ترغب كلتا الشركتين في تجنبه بشدة.
سيشمل التحقيق الذي تجريه هيئة المنافسة والأسواق في المملكة المتحدة عملية جمع البيانات، والمنصات المهيمنة للشركات التي يراها المستهلك، والمنافسة في الإعلانات الإلكترونية. ومن المفترض أن يركز المسؤولون مواردهم المحدودة على النقطة الأخيرة. إذ تغذي البيانات والمنصات المهيمنة النموذج الإعلاني، وبكل تأكيد تشكل الخصوصية شاغلاً مهماً. لكن الجهات التنظيمية تحتاج إلى تعقب المال.
حصص ضخمة نالتها فيسبوك وجوجل
بحسب المجلس العالمي لبحوث الإعلانات (WARC)، حصلت جوجل وفيسبوك معاً على 56% من إجمالي إيرادات الإعلانات على الإنترنت في 2018. ومن المتوقع أن ترتفع النسبة إلى 61% هذا العام.
ويوضح الفحص الدقيق لأرباح كلتا الشركتين كيف تمكنتا من إحكام وتعزيز سيطرتهما. في أمريكا الشمالية، تباطأ نمو عدد مستخدمي فيسبوك النشطين عن العامين الماضيين. ومع ذلك، استمر نمو متوسط الأرباح لكل مستخدم بشكل كبير.
بينما في جوجل، كانت وتيرة النمو في عدد مرات الظهور لأعضاء شبكتها (وهي المواقع الإلكترونية التي تكون جوجل مسؤولة فيها عن وضع الإعلانات) أبطأ هذا العام أيضاً. ولتعويض ذلك، زادت تكلفة كل ظهور بمقدار 12%، بعد أن كانت 8% في العام الماضي.
يشير ذلك إلى القوة التي تملكها كلتا الشركتين حتى تطالب المعلنين بدفع المزيد من الأموال. ظلت العديد من العلامات التجارية تشتكي من سياسات جوجل وفيسبوك حد التعب، ولكنها إذا أرادت وضع إعلانات على الإنترنت فلا سبيل لديها إلا الاستمرار في دفع المزيد من الأموال.
قوة لجذب المعلنين لا يستهان بها
وتشير الدراسة، التي أجرتها الهيئة البريطانية، صراحةً إلى سيطرة جوجل وفيسبوك على عديد من المراحل المهمة في العملية الإعلانية البرامجية، المعروفة بـ Advertising Stack (تنظيم الإعلانات). ويُذكر أن دراسات أخرى في ألمانيا وفرنسا وأستراليا وأماكن أخرى تناولت مسألة استخدام البيانات على نطاق واسع. ينبغي أن تتجنب بريطانيا الخوض في مسار قد يؤدي بها إلى استنساخ نتائج الدراسات السابقة، بينما عليها التركيز في مسألة "تنظيم الإعلانات" للوصول مباشرة إلى صميم نماذج عمل تلك الشركات.
وتتمثل المشكلة في مشهد المنافسة الحديث في غموض الفارق بين الأدوار المختلفة لفئات الإعلانات البرامجية. يصيغ المحامي داميان جيرادين، الذي ينتقد جوجل منذ مدة طويلة، مقاربة للمنافسة، إذ يشبهها بعملية بيع لوحةٍ في مزاد تنظمه شركة Sotheby، فضلاً عن اضطلاع ذات الشركة بدور وكيل للبائع ووكيل المشتري. وعندما تشتري اللوحة، تذهب لوكيل الشراء Sotheby وتخبره أن ميزانيتك 100,000 دولار فقط. وبعد يوم، يخبروك أنك الفائز في المزاد، وتدفع 75,000 دولار فقط.
غير أن المشكلة أنك لا تعرف مقدار أعلى عطاء أو العطاء التالي، ولا يعرف البائع مقدار العرض الحقيقي المقدم. ربما حصل كلا الطرفين على صفقة جيدة، ولكن من الصعب التأكد من ذلك. فيجب عليك بكل بساطة أن تأخذ كلمة شركة تنظيم المزادات على أنها أمرٌ مسلم به.
يمكنك الآن استبدال مشاهدات الإعلان أو النقرات باللوحة، وجوجل بشركة Sotheby للمزادات، لتدرك بعض المشكلات في مجال الإعلانات الإلكترونية. تذهب الأموال خلف أسوار عالية، وتخرج النتائج، ولا تمتلك العلامات التجارية أو الناشرون أي فكرة عما يحدث في الداخل.
جيش من العاملين في مصانع جوجل وفيسبوك
لن يكون من السهل تفكيك طريقة عمل هذه الصناعة. وقد خصصت هيئة المنافسة والأسواق 25 شخصاً فقط لهذه الدراسة، بينما يعمل لدى فيسبوك وجوجل آلاف الأشخاص في بريطانيا فقط.
عندما نشرت أستراليا تقريراً أولياً من تحقيقها عن المنصات الرقمية في ديسمبر/كانون الأول، اعترفت بأنه "من الصعب تقدير إن كانت أسعار البحث أو عروض الإعلانات مبالغاً فيها". وتلك مشكلة خطيرة. إذا كانت الجهات التنظيمية، بسلطتها القانونية، لا يمكنها التأكد من الحقيقة، فلن تكون العلامات التجارية أكثر حظاً.
فمن شبه المستحيل الوصول إلى تقييم مستقل للسعر والكفاءة اللذين يقدمهما هذا الاحتكار الثنائي ضد المنصات المتنافسة. من الأفضل لمراقبي المنافسة في بريطانيا أن يتعمقوا بأنفسهم في طريقة عمل الشركات، وألا يكتفوا بالسعي وراء التصريحات المكتوبة والمقابلات.
تستقبل هيئة المنافسة والأسواق التعليقات حتى نهاية شهر يوليو/تموز، وخلال ستة أشهر ستقرر إن كانت ستحول الدراسة إلى تحقيق. وفي نهاية الدراسة، ستتمكن الجهة التنظيمية من تقديم توصياتها إلى المشرّعين. وسيسمح أي تحقيق، في حال فتحه، بمحاولة اتخاذ إجراءات من شأنها إصلاح ما قد يبدو موقفاً غير متوازن. تتمتع بريطانيا بالنفوذ، إذ إنها على الأرجح السوق الأكبر لفيسبوك وجوجل في أوروبا، حيث يبلغ حجم سوق الإعلانات الرقمية في بريطانيا ثلاث أضعاف حجم السوق في فرنسا تقريباً.
إجراءات غير مسبوقة ربما تتخذ لعرقلة نشاط جوجل وفيسبوك
هناك تلميحات قوية بالفعل عما قد تشمله تلك الإجراءات. حيث ناقش إعلان هيئة المنافسة والأسواق في بداية هذا الشهر "الفصل بين أنشطة معينة في سلسلة الإعلانات الرقمية". وقد تكون هذه طريقة أكثر ذكاء لعرقلة جوجل وفيسبوك، على سبيل المثال، من انفصالهما عن يوتيوب أو واتساب، على الترتيب.
وإذا واجهت هيئة المنافسة والأسواق البريطانية نفس الصعوبات التي عانت منها لجنة المنافسة والمستهلكين الأسترالية، سيكون اقتراح وضع معايير موحدة لتقييم تكلفة وفعالية الإعلانات على الإنترنت خطوة أولى مهمة ومنطقية. فعلى الأقل، سيساعدنا ذلك على استيعاب ما إذا كان هناك ضرورة لتفكيك العمليات الإعلانية للشركات على مستويات أعمق.