واشنطن بوست: من كأس العالم لإنتاج الألبان.. كيف تجاوزت قطر آثار الحصار؟ 

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/07/23 الساعة 15:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/02 الساعة 13:46 بتوقيت غرينتش
هل نجحت الدوحة في تجاوز الحصار السعودي الإماراتي؟/رويترز

"هذه الأبقار تفعل كل شيء عدا اليوغا"، عبَّرت هذه الكلمات عن العناية الفائقة التي تلقاها الأبقار الموجودة في مزرعة  الدوحة، التي أنشئت لتجاوز الحصار السعودي الإماراتي على قطر. 

فطقس البلاد القاسي يضطر أصحاب المزرعة إلى إنشاء ترتيبات خاصة من أجل تربية هذه الأبقار المدلَّلة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.

نموذج لأساليب تجاوز الحصار السعودي الإماراتي على قطر.. كيف تم التغلَّب على الطقس غير الملائم؟

تأخذ أبقار الهولشتاين في مزرعة الألبان الكائنة في شمال العاصمة القطرية الدوحة أماكنها بهدوء، فوق منصة دوّارة لتوصيلها بأنابيب الحلب الآلية ثلاث مرات يومياً.

وبعد ذلك، تُرشُّ بالماء البارد، وتعود إلى إحدى الحظائر الـ40 المزوَّدة بأحدث الأجهزة والمعدات، حيث تُحافظ أنظمة التغشية والتبريد على درجة حرارة تبلغ حوالي 82 فهرنهايت (27.8 درجة مئوية) في فصل الصيف، وهي أقل بكثير من درجة الحرارة القاتلة في الخارج في الصحراء القطرية، التي تبلغ 110 فهرنهايت (43.3 درجة مئوية).

تنام الأبقار، التي يبلغ عددها حوالي 20 ألف بقرة، على أسرِّة من الرمال الباردة

وتقول صبا بنت محمد ناصر الفضالة، مديرة العلاقات العامة في المزرعة، مازحةً، في معرض حديثها عن الظروف المريحة التي تنعم بها الأبقار، إنَّ الأبقار تفعل كل شيء عدا اليوغا.

وقبل عامين، لم يكن هناك وجود لأي من ذلك.

الحصار حفَّز القطريين على الاكتفاء الذاتي وحتى التصدير

إذ كانت قطر تستورد كلَّ احتياجاتها من الحليب، ثم أعلنت جارتها المملكة العربية السعودية وحلفاؤها الإقليميون أنَّهم سيفرضون حصاراً على قطر، على خلفية النزاعات التي كان من ضمن أسبابها المزاعم بأن قطر تدعم بعض الفصائل الإسلامية، مثل جماعة الإخوان المسلمين.

دفع ذلك الدولة الخليجية -الغنية بالنفط والغاز الطبيعي- إلى دراسة طرق تمكنها من الحصول على كل شيء من مواد البناء إلى الحليب.

المرزعة بدأت التصدير للخارج/رويترز

والآن توفر هذه المزرعة، التي تسمى "بلدنا"، والمزودة بخمس "صالات حَلْب"، ما يكفي من الحليب للسوق المحلي، بالإضافة إلى تصنيعها بعض المنتجات مثل الجبن واللبن (الزبادي). بل وبدأت الشركة في تصدير كميات صغيرة من منتجاتها إلى عُمان واليمن وأفغانستان.

وقال آدم بيفر، الذي وُلد في ولاية ميشيغان وعمل في دبي ودول أخرى قبل مجيئه إلى قطر لإدارة عمليات مزرعة الألبان: "هذه المزرعة واحدة من أكبر النجاحات التي تحقَّقت منذ الحصار. ولو لم يقع الحصار لم تكن لِتُوجد. وهي توضح مدى أهمية الأمن الغذائي".

الاقتصاد يزداد قوةً بعد الابتعاد عن الوسطاء

تحوَّل الحصار إلى دعوة لشحذ همم القطريين.

وقال يوسف الحر، رئيس مجلس إدارة المنظمة الخليجية للبحث والتطوير، وهي مؤسسة بيئية: "الاقتصاد يزداد قوة". وتطرَّق إلى صناعة الأغذية الجديدة، وتوفُّر المزيد من طرق الإمداد المباشرة، وتعزيز شركات الخدمات اللوجستية المحلية المرتبطة بمرافق الميناء الجديد.

وقال: "أصبحت لدينا الآن إمكانية الوصول المباشر إلى الموردين الأصليين دون الحاجة إلى هؤلاء الوسطاء".

وبصفة عامة، تكيَّفت قطر مع العقوبات التي فرضتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر منذ أكثر من عامين. وكانت تلك البلدان -التي أغضبها ما زعمت أنه تمويل قطري للجماعات المتطرفة ودعم حركات الربيع العربي- تستهدف الاقتصاد القطري والشركات الرائدة مثل الخطوط الجوية القطرية، بشكل مباشر.

وكان الحصار الدبلوماسي والتجاري الشامل خطوة غير مسبوقة بين دول الخليج العربية التي كانت تحاول عادةً تشكيل جبهة موحدة. 

لكن قطر كانت تواجه ضغوطاً إقليمية متزايدة بسبب سياساتها المستقلة، والتأثير المتزايد لقناة الجزيرة، التي يقع مقرها في الدوحة، في أنحاء العالم العربي.

وتصدير الغاز لم يتأثر البتة

تملك قطر المال أيضاً لتجاوز أزمتها بأمان.

إذ تعتمد البلاد اعتماداً كبيراً على الغاز الطبيعي المسال، الذي يمثل حوالي 85% من إجمالي صادراتها. 

وقد استمرت هذه الصادرات الضخمة للغاز الطبيعي المسال، بما فيها مشاريع الإنتاج المشتركة مع شركتي ExxonMobil و Royal Dutch Shell، دون عوائق. 

وفي يناير/كانون الثاني، خرجت قطر، التي تنتج أيضاً 600 ألف برميل فقط من النفط يومياً، من منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).

ورغم أن الرئيس ترامب بدا متعاطفاً مع التذمر السعودي في البداية، فقد تغيرت التوجهات. إذ التقى أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الرئيس الأمريكي في المكتب البيضاوي هذا الشهر وناقشا المشاريع الاستثمارية، في تجاهل للحصار وهو ما يعد خرقاً قلّما يحدث للدعم الأمريكي للرياض. 

من تراجع النفط للحصار.. صندوق النقد يقول إن قطر امتصّت الصدمات بنجاح 

وقال صندوق النقد الدولي في تقييمه الربيعي: "لقد امتصت قطر الصدمات بنجاح" من انخفاض أسعار النفط في المدة بين عامي 2014 و2016 وحملة المقاطعة التي فرضتها السعودية في يونيو/حزيران عام 2017. 

وأوضح التقرير أن نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي المُعدلة حسب التضخم في قطر تُقدَّر بنحو 2.2%، مقارنة بـ 1.6% في عام 2017.

وغيرت شركة S&P Global توقعاتها بالنسبة للاقتصاد القطري إلى "سلبي" عام 2017، غير أنها أعادته مرة أخرى إلى "مستقر".

وها هي تغير مسار تجارتها.. وكذلك تجد بديلاً للمواد المطلوبة لكأس العالم

وأعادت قطر أيضاً توجيه الكثير من مسارات تجارتها. إذ كان يتدفق معظمها عبر السعودية -على الحدود البرية الوحيدة لقطر- أو عن طريق البحر عبر دبي. والآن، تأتي العديد من السفن إلى قطر من تركيا والهند وعُمان.

وتبدو تركيا، التي أبرمت اتفاقاً العام الماضي مع البنك المركزي القطري الذي ساعد في استقرار الليرة التركية، سعيدةً بتعزيز التجارة معها أيضاً.

وتشكل بطولة كأس العالم المقبلة، التي ستقام في قطر في عام 2022، مصدر قلق في كل شيء.

إذ تُنفق قطر أكثر من 200 مليار دولار على مشاريع بناء ضخمة، وهي ثمانية ملاعب جديدة أو تخضع للتجديد، وشبكة مترو جديدة، ومدينة جديدة بالكامل على أطراف الدوحة الشمالية. 

وقد اتجهت قطر إلى صندوق ثروتها السيادية الذي ردّ نحو 20 مليار دولار من أصوله البالغة نحو 320 مليار دولار إلى قطر.

ولم يعد الكثير من لوازم البناء للملاعب ومشاريع النقل يأتي من السعودية والإمارات أو عبرهما. لكن قطر فعّلت خططها الاحتياطية التي كانت جزءاً من طلبها لاستضافة كأس العالم. على سبيل المثال، كان من المفترض أن تستخدم قطر الصلب القادم من إحدى دول الحصار لتشييد استاد الريان، لكنها لجأت بدلاً من ذلك إلى استيراد  لوازمها من عُمان.

تحويلات مسار الطيران

لا شك أنه طالما وجدت عثرات على الطريق، حسب وصف الصحيفة الأمريكية.

فنظراً لأنه يتحتّم على الرحلات الجوية التجارية تجنّب المجال الدولي السعودي، فإنها تسلك مسارات أطول، وهذا يزعج العمّال الأجانب الذين يشكّلون قرابة 90% من 2.7 مليون شخص هنا.

قطر استمرت في مجال الطيران بشكل كبير/رويترز

على سبيل المثال، تضاعفت مدّة الرحلة الجويّة من العاصمة السودانية الخرطوم إلى الدوحة لتبلغ نحو 7 ساعات، ويتحتّم على أي مستشار في المملكة العربية السعودية السفر جوّاً عبر الكويت لزيارة أقاربه في الدوحة، وتقل زياراته في كثير من الأحيان.

وكان على الطلاب من البحرين ومصر والسعودية ممن اعتادوا المشاركة في أكثر من 10 برامج تعليمية تديرها الولايات المُتحدة الأمريكية العودة إلى أوطانهم، ومعظمهم لم يعودوا.

ورغم ذلك ارتفعت نسب التسجيل في الجامعات القطرية العالمية

ومع ذلك، ارتفعت نسب التسجيل في جامعات تتخذ من الدوحة مقرّاً لها؛ مثل جامعة كارنيغي ميلون، وجامعة جورج تاون، وكلية الطب بجامعة كورنيل، وغيرها.

وقال كونستانتينوس كاكوسيموس، وهو أستاذ مساعد في الهندسة الكيميائية بجامعة تكساس إيه آند إم في قطر: "هناك طلب كبير على الدرجات العلمية الأمريكية".

ومن حُسن حظ قطر أنها كانت قد أكملت للتوّ مشروع توسيع الميناء عند فرض حصار، ما سهّل كثيراً الاستيراد مباشرة من الموردين وتخطّي المراكز اللوجستية الإقليمية في أماكن مثل دبي أو السعودية.

الأبقار تموت بسبب الحرارة.. فماذا فعلوا لإنقاذها؟ 

وتُضرب مزرعة "بلدنا" أبرز مثال على التحرك القطري نحو الاكتفاء الذاتي.

فعندما أُعلن الحصار، تمكّنت قطر بسرعة من تسلّم آلات الحلب عن طريق دفع المال إلى شركة أيرلندية، كانت تسعى أيضاً لشراء المعدات، من أجل إفساح المجال للدولة المحاصرة وإتمام الصفقة السريعة.

وبعد ذلك، نُقِلت الأبقار جواً من أوروبا باستخدام طائرات الشحن الروسية، وماتت أعداد كبيرة من تلك الأبقار بسبب الإجهاد الحراري، ولكن ذلك كان قبل تدشين الحظائر وأنظمة التبريد بالكامل. وكان بالمزرعة أيضاً فريق بيطري مكون من 17 شخصاً ومستشفى.

والآن يحاولون تنشئة سلالة تتحمل طقس البلاد

ومنذ ذلك الحين، تُستورد الأبقار من الولايات المتحدة وكندا. وتُولَد 30 إلى 50 بقرة هنا كل يوم.

ومن أجل تربية سلالة قويّة معتادة على الظروف الحارّة نسبياً، ينام المواليد في أقفاص في الهواء الطلق تحت الأسطح العالية والمراوح، وينتقلون إلى الحظائر بعد عام.

غير أن ثمة عيوباً تشوب تربية الأبقار في قطر، إذ تصل درجة الحرارة إلى 116 فهرنهايت (46 درجة مئوية) على نحو معتاد في فصل الصيف، ولا يمكن ترك الحيوانات لتناول العشب في الخارج؛ حيث لا يوجد أيّ عشب. ويأتي التبن من أماكن مثل الولايات المتحدة وإسبانيا وفرنسا وألمانيا ورومانيا.

ويحاولون التغلب على مشكلة المياه

بالإضافة إلى ذلك ، تستخدم مزرعة "بلدنا" الكثير من المياه في بلد يعتمد بشكل كبير على محطات تحلية مياه البحر، حيث تستهلك كل بقرة 185 غالوناً من الماء يومياً من أجل تبريد أجسام الحيوانات، لذلك تعيد المزرعة استخدام أكبر قدر ممكن من المياه.

ويمكن أن تستخدم مزرعة "بلدنا" الطاقة الشمسية، لكن كامل عبدالله، الرئيس التنفيذي للمزرعة، يقول إنه من الأرخص استخدام 35 ميغاوات من الكهرباء المدعومة التي تعمل بالغاز.

وتخطط الشركة لبيع غالبية الأسهم في طرح عام في وقت لاحق من هذا العام. وسيكون ذلك اختباراً.

وأوضح عبدالله أن "50% من العمل ينصبّ على التفكير في تجاوز الحصار". ويحاول عبدالله خلق ولاء المستخدمين للعلامة التجارية "بسرعة كبيرة". فأحد التكتيكات التي يستخدمها لتحقيق ذلك هو استضافة زيارات مجموعات من الطلاب خلال العام الدراسي.

ويقول: "الآن لدينا السوق لأنفسنا".

والمشكلة ما زالت في توطين العمالة

لم تحلّ الألبان أيضاً المشكلة الاقتصادية المتمثلة في جعل القطريين يعملون في قطر، حسب الصحيفة الأمريكية.

إذ يمثل ذوو الأصول القطرية بالكاد عُشر الأشخاص هنا، وأتاحت مؤسسة "بلدنا" المملوكة للقطاع الخاص 1800 وظيفة. ومع ذلك، وظفت الشركة للتو أول موظفة قطرية، وهي صبا فضالة. أما البقية، فهم وافدون من جميع أنحاء العالم.

وتركز صبا -وهي ابنة دبلوماسي درست علوم الحياة في لندن- على البكتيريا في الثمار والنباتات. وقبل بضع سنوات بدأت مشروعاً يعتمد على زراعة الزهور.

وتقول صبا: "في السابق كنت أزرع الورود في الصحراء، أما الآن فأنا أساعد في تربية الأبقار في الصحراء. لا شيء مستحيلاً بالنسبة لنا".

علامات:
تحميل المزيد