في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة الأمريكية لتشكيل تحالف من القوات البحرية لتأمين الممرات المائية الاستراتيجية في الخليج، بدأت ملامح تفكك تظهر في التحالف العربي الذي شكّلته السعودية لمواجهة إيران وحلفائها في اليمن.
هذا التفكك بدأت ملامحه في الظهور، عندما أعلنت الإمارات سحب جزءٍ من قواتها في اليمن، وهو ما نُظر إليه باعتباره انسحاباً كاملاً من البلاد، ما يترك السعوديين بمفردهم.
وحتى نفهم دوافع هذا القرار، لا بد من فهم الوضع الحالي في اليمن.
اليمن أصبح مقسّماً إلى قطع بفعل الحرب
تظهر في اليمن الآن صورة تتجسّد في التنافسات المحلية، التي تعكس صعوبة قتال المتمردين الحوثيين. فظاهرياً، تكشف الحرب في اليمن بوضوح القوات الموالية للغرب والقوات الموالية لإيران، بحسب صحيفة Haaretz الإسرائيلية.
لكن في الحقيقة توجد أكثر من 30 جبهة في عموم البلاد. في الشمال الأكثر توحّداً، توجد قوات الحوثيين المعتمدة على إيران، وقد سيطرت على معظم الشمال، بما في ذلك العاصمة صنعاء، التي سقطت في أيديهم عام 2016.
أما في الجنوب، فهناك مزيج من القوى بعضها مُوالٍ للحكومة، وبعضها الآخر سيطر على ميناء عدن، إلى جانب ميليشيا تهامة، التي يضم مجندوها سكان مدينة الحديدة الساحلية التي يدخل عبرها معظم البضائع إلى اليمن.
تقاتل هذه الميليشيات أيضاً ضد تنظيم القاعدة في الجنوب الشرقي، وضد ميليشيا يمنية يقودها طارق صالح. ومع تشكُّل التحالف العربي، تقرَّر أن تعمل تلك الميليشيات المحلية تحت إشراف التحالف، الذي يقوده قادة سعوديون وضباط إماراتيون، مع توفير الدعم من القوات الجوية لكلا البلدين.
يُدرِّب السعوديون والإماراتيون الميليشيات، ويدفعون رواتبهم، ويشترون معداتهم. وأرسل السودان ومصر قوات رمزية في البداية، لكنَّ مصر سرعان ما اكتفت بالدوريات البحرية و "تقديم المشورة". وقدَّمت باكستان، التي انضمت للتحالف بضغطٍ سعودي، طيارين مُدرَّبين جيداً شاركوا في الغارات. لكنَّها لم ترسل قوات برية.
ترى الصحيفة الإسرائيلية أن أسباب الخلاف بين الحليفين السعودية والإمارات تعود لعدة أسباب:
أولاً: يريد السعوديون توجيه معظم الجهود إلى الشمال، الذي تنطلق منه الهجمات على قاعدتين جويتين سعوديتين، لكنَّ الإمارات تُولي أهمية أكبر للسيطرة على الجنوب، خصوصاً ميناء عدن.
نتيجة لذلك، بدأت الإمارات، التي يحكمها الأمير محمد بن زايد، تقديم الدعم المباشر ليس فقط للميليشيات الجنوبية، لكن كذلك للقادة السياسيين المنضوين تحت المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يقوده عيدروس الزبيدي.
ويسعى الحراك الجنوبي إلى إعادة إحياء اليمن الجنوبي باعتباره دولةً مستقلة، ولدى المجلس الانتقالي الجنوبي الهدف نفسه. وهذا الأمر دفع الرئيس اليمني المُعتَرَف به عبدربه منصور هادي، الموجود في السعودية قيد الإقامة الجبرية على ما يبدو، إلى عزل الزبيدي من منصب محافظ عدن، مُدَّعياً أنَّه خائن ويُقوِّض البلاد. ورداً على ذلك، استولت قوات الزبيدي على عدن وحوَّلتها إلى عاصمة لهم.
لدى الحراك الجنوبي الآن 26 عضواً، ويتلقى الدعم والمساعدة من الإمارات. وهناك شكوك بأنَّ الإمارات تريد تأسيس دولة مستقلة في جنوب اليمن، وبالتالي ضمان سيطرتها على باب المندب وحركة النفط في البحر الأحمر، وطريقٌ يمر به 4 ملايين برميل من النفط يومياً.
ثانياً: وفقاً لتقارير في وسائل إعلام خليجية، يتعرَّض بن زايد لضغوطٍ من شركائه، حكام الإمارات السبع المُكوِّنة لدولة الإمارات العربية المتحدة، لمغادرة اليمن، استناداً إلى مخاوف من أنَّ نشوب مواجهة عنيفة بين الولايات المتحدة وإيران قد تجعل الإمارات هدفاً للهجمات الإيرانية.
ثالثاً: لا يريد الإماراتيون أن يجري ربطهم بصورة وثيقة مع السعوديين في الوقت الذي توجد فيه السعودية في عين العاصفة السياسية الأمريكية، ما يجعلها في مواجهة عقوبات محتملة، إذ بلغت المواجهة بين الرئيس دونالد ترامب والكونغرس بشأن مبيعات الأسلحة للرياض ذروتها عندما تجاوز ترامب مشروع قانون من الكونغرس لتجميد صفقة بقيمة 8 مليارات دولار. وهو يواجه الآن تشريعاً يهدف لمنع تلك الخطوة.
وبالرغم من نفى المسؤولين الإماراتيين لوجود هذا الخلاف ورفضوا بشدة الإشارات إلى وجود خلافٍ مع الرياض، لكن يبدو أنَّ بن زايد ضاق ذرعاً بالوضع الميؤوس منه في اليمن، والذي بات يهدد بلاده، بحسب الصحيفة الإسرائيلية.
حرب وليّ العهد محمد بن سلمان
وما قد يدفع الإمارات لمثل هذه الخطوة، بالتخلي عن السعودية، هو التشريع الأمريكي الجديد، فاستناداً إلى مبادرة لإعادة النظر في العلاقات الأمريكية السعودية للسيناتور جيم ريتش، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، سيتعين على الرئيس فرض عقوبات على السعودية بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان ودور ولي العهد محمد بن سلمان في اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وكذلك بسبب الحرب في اليمن والأزمة الإنسانية الفادحة التي أدت إليها.
ولا يُقصد بذلك فرض عقوبات صارمة مثل تلك المفروضة على إيران أو سوريا، بل التشديد على العقوبات المعلنة مثل منع دخول كبار المسؤولين السعوديين إلى الولايات المتحدة.
وتخشى الإمارات من أن مشاركتها المتعمقة في حرب اليمن ستجعلها هدفاً للعقوبات الأمريكية. وسيفضلون حينها أن تبدو حرب اليمن وكأنها حرب الأمير محمد الخاصة.
الخلاصة: إن شبكة العلاقات المتوترة بين ترامب والكونغرس وبين السعودية والإمارات، والخصومات الداخلية بين الحكومة اليمنية المعترف بها والمجلس الانتقالي الجنوبي، والصراع بين مختلف الميليشيات التي تقاتل الحوثيين لا تترك إلا شيئاً قليلاً من الأمل في التوصل لحل دبلوماسي للحرب. إذ قُتل بالفعل ما يتراوح بين 50 ألفاً و100 ألف شخص بسبب القتال أو المرض، وأصبح ربع مليون شخص بلا مأوى.
ويبدو الهدف الأمريكي السعودي المتمثل في التخلص من الحوثيين، وقطع ذراع إيران في اليمن، بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى لأنه لا يوجد اتفاق على هجوم أمريكي شامل مثل الهجوم الذي شُن على داعش. ولن يكتسب هذا الإجراء شرعية دولية لأنه، على عكس إيران، لا يُنظر إلى الوضع في اليمن على أنه تهديد دولي.
وتعتقد الإدارة الأمريكية والكونغرس أن تقديم المزيد من المساعدات العسكرية للسعوديين والإمارات لن يُفضي إلى نصر حاسم وأن الحل، إن وجد، يكمن في الأمم المتحدة. لكن جُلّ ما تحقق حتى الآن هو وقف إطلاق النار في الحديدة وُقّع في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وحتى يُفلح الأمر، يجب على الأمم المتحدة أو أي وسيط آخر إعادة تعريف الحرب في اليمن بحيث لا تعود تبدو كحرب بين إيران والولايات المتحدة والسعودية، ولكن لتبدو حرباً على التقسيم العادل للتمثيل في الحكومة والموارد. وكانت هذه هي الأسباب الحقيقية لقتال الحوثيين مع الحكومة قبل صبغه بالألوان الإيرانية.
لكن المشكلة هي أن أي حل يمنح الحوثيين بعض الإنجازات السياسية أو الاقتصادية سيُنظر إليه على الفور على أنه نصر إيراني، ونشك في أن توافق الإدارة الأمريكية على ذلك.