يرصد براين دولي، كبير مستشاري منظمة "حقوق الإنسان أولاً" المؤشرات على أنَّه حان الوقت لأن تعيد الإدارة الأمريكية تقييم علاقاتها مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وحاكمها الفعلي محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، وذلك في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
في الأسبوع الماضي، أرسل السناتور روبرت مينينديز، وهو ديمقراطي بارز في لجنة العلاقات الخارجية، خطاباً إلى وزير الخارجية مايك بومبيو، يحذر فيه من أن الولايات المتحدة "قد تكون ملزمة بموجب القانون بإنهاء جميع مبيعات الأسلحة إلى (الإمارات العربية المتحدة)". أظهرت خطوة مينينديز أنَّ الوقت قد حان لواشنطن، لبدء إصلاح جذري لعلاقتها بأبوظبي.
يأتي استفسار منينديز في أعقاب الكشف الجديد عن أنَّ صواريخ أمريكية مضادة للدبابات عالية التقنية بيعت إلى الإمارات ووقعت في أيدي المتمردين الليبيين التي تقاتل للإطاحة بالحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في طرابلس، واتهمت تلك الحكومة نفسها الإمارات باستخدام طائرة أمريكية الصنع، لقصف مركز للمهاجرين في ليبيا، مما أسفر عن مقتل 53 شخصاً على الأقل، وفي عام 2014، قال البنتاغون إن الإمارات قصفت ليبيا سراً، مما أثار دهشة وانزعاج المسؤولين الأمريكيين.
تسليح ميليشيات في ليبيا واليمن
وتتعرض الإمارات حالياً لاتهامات بتزويد الميليشيات المرتبطة بالقاعدة في اليمن بأسلحة أمريكية الصنع، ودعم الطغمة العسكرية التي قمعت بعنف القوى المؤيدة للديمقراطية في السودان، ويقدم كل هذا دلالة على أن أبوظبي حليفٌ غير موثوق به بشكل كبير، ومع ذلك، نجت الإمارات إلى حدٍّ كبير من التدقيق الذي فُرض أخيراً على المملكة العربية السعودية بسبب أفعال مماثلة. ويحتاج هذا الأمر إلى التغيير.
في الأشهر الأخيرة، زاد انتقاد أعضاء الكونغرس للمملكة العربية السعودية بسبب الحرب الكارثية التي تخوضها المملكة في اليمن، وعملية القتل المتعمَّد في حقِّ الكاتب الصحفي جمال خاشقجي. ومع ذلك، فإنَّ الدور الأساسي الذي تضطلع به الإمارات في اليمن وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة لا يلاحظه أحد إلى حدٍّ كبير.
في وقت سابق من هذا الشهر، قدَّمت مجموعة مؤيَّدة من الحزبين من أعضاء مجلس الشيوخ تشريعاً جرّاء محاولة إدارة ترامب تجاوز مراقبة الكونغرس على 22 عملية بيع أسلحة من خلال استخدام بند "الطوارئ" المشكوك فيه في قانون بيع الأسلحة، وجاء مشروع القانون بعنوان قانون الطوارئ المزيف للمملكة العربية السعودية، ولم يُشر إلى دولة الإمارات، ومع ذلك، فإنَّ 13 من مبيعات الأسلحة "السعودية" الـ22 هذه تشمل الإمارات، وتشمل الأسلحة المعنية مئات الصواريخ المضادة للدبابات، من النوع الذي انتقل إلى المتمردين الليبيين، إلى جانب طائرات الأباتشي والبنادق نصف الآلية.
جدير بالذكر أنَّ القرارات التي تحظر عمليات بيع الأسلحة هذه أقرَّها مجلس الشيوخ، في 20 يونيو/حزيران، ومن المحتمل اتّخاذ إجراء مماثل في مجلس النواب. وقد أشار الرئيس ترامب، الذي كان مؤيداً قوياً لمبيعات الأسلحة للأنظمة الاستبدادية، إلى أنه سيستخدم حقَّ النقض ضدَّ مشاريع القوانين.
الانسحاب من اليمن ليس كافياً
قال ترامب، هذا حتى بالرغم من أنَّ التحالف الإماراتي السعودي قد ألقى قنابل أمريكية الصنع على المدنيين في اليمن -في انتهاك للقانون الدولي- وعلى الرغم من أن جماعة مرتبطة بالقاعدة في اليمن مدعومة من الإمارات قد حصلت على مدرعات أمريكية الصنع. وقال الرئيس هذا أيضاً، على الرغم من المزاعم الموثوقة بأن سلطات الإمارات تدير منشآت احتجاز وتعذيب سرية في اليمن.
تشير التقارير الأخيرة إلى أن قادة الإمارات ربما يحاولون إخراج أنفسهم من اليمن، فقد أعلنت الحكومة في أبوظبي يوم الإثنين أنَّها تعتزم سحب القوات ، إذ إنهم يعلمون أن الكارثة الإنسانية وكارثة حقوق الإنسان التي نشأت جراء الحرب أضرت بصورة الإمارات وعلاقاتها، ومع ذلك، ينبغي أن تحظى الإمارات أيضاً بمزيد من الانتباه، بسبب انتهاكاتها الواسعة لحقوق الإنسان في الداخل والخارج.
كما هو الحال في المملكة العربية السعودية، تحتجز سجون الإمارات عشرات النشطاء السلميين الذين أُدينوا في محاكمات صورية وتعرَّضوا للتعذيب. علاوة على ذلك، تعمل الحكومتان غالباً بالتنسيق مع بعضهما، ففي العام الماضي، احتجزت السلطات في الإمارات الناشطة في مجال حقوق المرأة لجين الهذلول، قبل تسليمها إلى المملكة العربية السعودية. ولا تزال مسجونة هناك، وتعرَّضت للتعذيب بسبب دفاعها عن حقوق الإنسان.
انتهاك حقوق الإنسان
يضرب سجن أحمد منصور مثالاً على ما يحدث للمواطنين الإماراتيين عندما يتجرَّأون على انتقاد الحكومة، بصرف النظر عن مدى سلميتهم، قضى منصور، وهو خريج جامعة كولورادو وحائز جائزة مارتن إينالز المرموقة لعام 2015 للمدافعين عن حقوق الإنسان، أوقاتاً في السجن، بسبب منشورات ضدّ حكومة الإمارات على موقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر. وتبنَّت لجنة توم لانتوس لحقوق الإنسان في الكونغرس قضيته.
عندما أمضيت وقتاً مع منصور ونشطاء إماراتيين آخرين منذ بضع سنوات، رأيت مدى خوفهم. قال لي أحد الناشطين المخضرمين "أمن الدولة يدير البلاد بشكل أساسي، بغضّ النظر عن الجهة الرسمية المعنية بالأمر، إنه غير خاضع للمساءلة وقاهر ويخيف الجميع".
منذ ذلك الحين، جرى إسكات ما تبقَّى من المجتمع المدني أو سجنه أو طرده إلى المنفى، ويقضي كل من منصور وناصر بن غيث، وهو ناشط آخر يحظى باحترام دولي (وتخرج في كلية الحقوق بجامعة كيس ويسترن ريزيرف في أوهايو)، أحكاماً بالسجن لمدة 10 أعوام.
تقارب إماراتي روسي
وليس سجل الإمارات في مجال حقوق الإنسان فقط هو الذي يجب أن يُقلق واشنطن، فالحكومة في أبوظبي تغازل أيضاً روسيا. في العام الماضي، وقَّع محمد بن زايد، الزعيم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، إعلان شراكة استراتيجية مع فلاديمير بوتين، وهو الأول لروسيا في منطقة الخليج العربي، وفي العام قبل الماضي، أبرمت الإمارات صفقةً لشراء صواريخ روسية مضادة للدروع ومقاتلات سوخوي، ولتطوير طائرة مقاتلة خفيفة بشكل مشترك.
يعتبر زايد أيضاً العقل المدبر وراء النزاع الإقليمي مع قطر، الذي أجبر الولايات المتحدة على الدخول في موقف حرج يتمثّل في الاضطرار إلى التوسط بين الحلفاء العسكريين.
ضغط داخلي أمريكي
في حين أنَّ الحكومة الأمريكية كانت بطيئة في إعادة تقييم علاقتها مع الديكتاتورية الإماراتية، فإنَّ المؤسسات الأمريكية الأخرى تضغط من أجل التغيير. أثار وجود جامعة نيويورك في الإمارات العربية المتحدة انتقادات متزايدة، ولاسيما منذ احتجاز وتعذيب والحكم بالسجن على الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز.
وفي وقت سابق من هذا العام، أعلن مركز التقدم الأمريكي، الذي يتَّخذ من واشنطن مقراً له، أنه لم يعد يقبل أموالاً من حكومة الإمارات، بعد مزاعم بإحداث تأثير غير مناسب على المركز. فقد أصبحت الأموال من الإمارات أخيراً، وبصورة صائبة، تشكل حرجاً.
إذ إن تسليح الإمارات، بينما تدعم الانتهاكات المروعة في ليبيا واليمن والسودان وفي الداخل، يجب أن يكون محرجاً. وفي الواقع يجب ألا يُقبل هذا. فضلاً عن أن الجهود المبذولة لإنهاء الدعم الأمريكي غير المشروط للمملكة العربية السعودية قد طال انتظارها، ولكن لا ينبغي للكونغرس أن يتجاهل شريك المملكة في الجريمة.