بدأ الاستعداد لمعركة قانونية أمام المحاكم في لندن نهاية هذا الشهر، ومن المتوقع أن تشهد كشفاً لم يسبق له مثيل للعديد من الخفايا، حول واحدة من أقوى العائلات المالكة في الشرق الأوسط. ويصحب القضية، التي تضم حاكم دبي وزوجته السادسة -بحسب صحيفة The Independent البريطانية- بعض الفصول الاستثنائية من مؤامرات، ومزاعم باستخدام العنف، واتهامات بإساءة المعاملة، وقد اجتذبت جميعها اهتمام الكثير من وسائل الإعلام الدولية.
قبل الأميرة هيا.. الشيخة لطيفة هربت أيضاً لكنها فشلت
ظهرت هيا بنت الحسين، المتزوجة من الشيخ محمد راشد آل مكتوم، العام الماضي، مع صديقتها ماري روبنسون، رئيسة أيرلندا السابقة والمفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، في صور أثارت جدلاً وانتقادات فور ظهورها. إذ ظهرتا في الصورة إلى جانب لطيفة، وهي ابنة زوج الأميرة هيا التي اختفت من الإمارات العربية المتحدة، في فبراير/شباط عام 2018، ولكن خفر السواحل الهندية أمسكت بها في يخت نوسترومو وأُعيدت إلى دبي.
وبحسب الإندبندنت البريطانية، ضُبطت الأميرة لطيفة مع هيرفيه جوبرت، وهو ضابط مخابرات فرنسي، وتينا جواهينين، صديقتها الفنلندية التي ساعدت في التخطيط لهروبها لعدة أشهر. وأوردت تقارير أنَّ خمس سفن أخرى تابعة للبحرية -ثلاث سفن هندية واثنتان من الإمارات- شاركت في العملية. ولم تقدم حكومتا البلدين الكثير من المعلومات حول ما حدث.
وسجلت الأميرة لطيفة قبل فرارها مقطع فيديو، تقول فيه إنه إذا ظهر هذا المقطع "فإما سأكون ميتة أو في وضع بالغ السوء"، واتهمت والدها بإساءة معاملتها هي وشقيقتها شمسة. ونُفيت هذه المزاعم نفياً قاطعاً. وجديرٌ بالذكر أن الأميرة شمسة هربت من منزل والدها، بالقرب من شوبهام في سري في بريطانيا، عام 2000. وقد شوهدت في كامبريدج في أغسطس/آب من ذلك العام قبل أن تختفي. وظهرت في دبي في وقت لاحق، بعد أن أُجبرت على العودة إلى وطنها.
وفي الصور التي ضمت الأميرة هيا وماري روبنسون، لم تكن الأميرة لطيفة البالغة من العمر 33 عاماً مبتسمة، وبدت نظراتها خاوية. وأجرت ماري روبنسون لاحقاً مقابلة مع إذاعة BBC Radio 4، وصفت فيها لطيفة بأنها "شابة مضطربة" و "أبدت ندمها لتسجيلها مقطع الفيديو الذي زعمت فيه سوء معاملتها".
واتهمت جماعات حقوق الإنسان الرئيسة الأيرلندية السابقة بترديد دعاية العائلة المالكة الإماراتية، وأجابت بأنها لم تفعل سوى أن أبدت رأيها بعد أن حضرت الاجتماع بدعوة من صديقتها الأميرة هيا.
طلب لجوء سياسي، يتبعه اللجوء للقضاء
لكن اليوم، وبعد سبعة أشهر، تهرب الأميرة هيا نفسها من الإمارات. وهي تعيش الآن في منزل في لندن بالقرب من قصر كينسينغتون، اشترته من لاكشمي ميتال، الملياردير ذي الأصول الهندية الشهير بملك الفولاذ، مقابل حوالي 106 ملايين دولار قبل عامين. وطلبت حماية من الشرطة، واتفقت أيضاً مع شركة أمنية خاصة تضم ضباطاً كباراً كانوا يعملون في سكوتلاند يارد.
وتعرف الأميرة هيا، التي درست في مدرسة Badminton، ثم التحقت بكلية سانت هيلدا في أكسفورد، أفراداً في العائلة المالكة البريطانية، بمن فيهم الملكة والأمير تشارلز.
ويُقال إنها طلبت اللجوء السياسي، وهناك أقاويل عن اتِّخاذها إجراءات قانونية للحصول على الطلاق من الشيخ محمد وحضانة طفليهما، وهما فتاة عمرها سبع سنوات وصبي يبلغ من العمر 11 عاماً. وللشيخ 21 ابناً وابنة آخرين من زوجاته الأخريات. ويمثل الأميرة المحامية الشهيرة فيونا شاكلتون، التي مثلت الأمير تشارلز في قضية طلاقه من الأميرة ديانا، وكذلك الأمير أندرو، دوق يورك، والسير بول مكارتني.
وعرضت رادها ستيرلنغ، مؤسِّسة جماعة الضغط "محتجز في دبي"، التي كانت على اتصال مع الأميرة لطيفة أثناء محاولتها الفاشلة للفرار، والتي أثارت قضية اختفاء الأميرة شمسة مع الشرطة البريطانية، عرضت تقديمَ المساعدة للفريق القانوني للأميرة هيا.
الأميرة لم تعد قادرة على الاستمرار في العيش بدبي
ويمثل الشيخ محمد المحامية هيلين وارد، التي مثلت أندرو لويد ويبر وبالوما بيكاسو وغاي ريتشي وبيرني إيكلستون والكونتيسة رين سبنسر، زوجة والد الأميرة ديانا.
وظهرت مجموعة من الأسباب وراء رحيل الأميرة هيا من دبي. وأحدها هي أنها اكتشفت على ما يبدو حقيقة ما حدث للطيفة وشمسة، وشعرت بأنها لم تعد قادرة على الاستمرار في العيش داخل العائلة المالكة، وأن تعيش بأمان في دبي.
ونشر الشيخ محمد قصيدة هجاء باللغة العربية، الشهر الماضي، على موقعه على شبكة الإنترنت. وهي تدور حول الغدر والخيانة، ويقول فيها: "كذبك ترى ولّى زمانه… ما عاد لك عندي مكانة… ما يهمني عشتي ومتي".
وقد خُصص قسمٌ كامل من موقع الشيخ محمد لهذه القصائد. ويقول إنها نتيجة "تجربة شخصية أو موقف حدث". ويؤكد الشيخ على موقعه: "لم يسبق أن كتبت أي بيت من دون يكون من واقع تجربتي الحياتية".
الإمارات غاضبة ومستاءة
في السياق، يُعرب مسؤولون إماراتيون عن استيائهم إزاء معارضي العائلة المالكة والحكومة، قائلين "إنهم يسعون لاستغلال الأمور الشخصية لتنفيذ أجنداتهم". فتفسيرهم لقضية الأميرة لطيفة، على سبيل المثال، هو أنها "محاولة للابتزاز".
وأشاروا إلى مقابلة أجرتها هيلين جوبرت، الزوجة السابقة لهيرفيه جوبرت، على موقع The Daily Beast، زعمت فيها: "كانت الخطة برمتها هي أن يساعدها هيرفيه على الفرار، وفور إخراجها كانت الابنة ستتصل بأبيها وتقول: "أريد 3 ملايين دولار وإلا سأُطلع وسائل الإعلام على كل شيء، كانت خدعة، وكان مخططاً فاسداً لم يُفلح". وقد نفى أصدقاء الأميرة لطيفة وهيرفيه جوبرت هذه المزاعم نفياً قاطعاً.
وتزعم مصادر إماراتية إيضاً، أنَّ خصمتيها الإقليميتين قطر وإيران وراء أحاديث الخلافات العائلية الملكية. دون تقديم أي دليل يثبت ذلك، ولكن هناك تداعيات سياسية محتملة لما يتكشف حول الأميرة هيا. إذ أوردت تقارير أن الإمارات طلبت من الحكومة البريطانية المساعدة في إعادة الأميرة هيا إلى الوطن. وهو ما نفته السلطات في دبي وأبوظبي.
فهل تضطر بريطانيا لتسليم الأميرة هيا؟
لكن بعض أصدقاء الأميرة هيا يخشون أن تستسلم المملكة المتحدة للضغوط، إذ قالت زوجة رجل أعمال إماراتي، لم ترغب في الكشف عن اسمها: "يمكننا أن نرى قوة الإمارات في بريطانيا العظمى، إذ أجبرت الحكومة على إجراء تحقيق عن جماعة الإخوان المسلمين، التي يكرهها الإماراتيون. ماذا سيحدث إذا قُدِّم طلب لجوء ورُفض؟ ماذا لو كان هناك ضغط سعودي أيضاً؟ فالعائلتان الحاكمتان مقربتان جداً، ومَن يدري ما يمكن أن يحدث"، حسب تعبيرها.
هل يكون للأزمة تداعيات على الأردن؟
ومع ذلك، يبدو من المستبعد إلى حدٍّ كبير أن شخصاً مثل الأميرة هيا يتمتع بصلات ذات نفوذ كبير في هذا البلد، وموارد، لاسيما الموارد القانونية الهائلة، يمكن أن يُسلِّم بالترحيل إلى الإمارات ببساطة. وهناك احتمالات أخرى بوقوع توترات سياسية ودبلوماسية. والأميرة هيا هي ابنة عاهل الأردن الراحل الملك حسين، والأخت غير الشقيقة لعاهل الأردن الحالي الملك عبدالله.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ وضع الأردن الاقتصادي متأزم. وتعتمد البلاد على الإمارات والمملكة العربية السعودية، وتعتمد أيضاً على ملايين الدولارات في التحويلات المالية التي يرسلها عشرات الآلاف من الأردنيين العاملين في الخليج إلى الأردن.
كما أنَّ خطة السلام الخاصة بالإسرائيليين والفلسطينيين، المعروفة بصفقة القرن، التي قدم جاريد كوشنر الجزء الاقتصادي منها مؤخراً في البحرين، لا تقدم شيئاً يُذكر للأردن، الذي يستضيف عدداً هائلاً من اللاجئين الفلسطينيين. ولَطالما دفعت عمَّان باستمرار باتجاه حلِّ الدولتين، الذي زادت مقترحات صهر دونالد ترامب من استبعاد إمكانية تحققه. وسيحتاج الأردن إلى مساعدة إماراتية وسعودية للتعامل مع المشاكل التي قد يطرحها هذا الأمر.
وفي الوقت نفسه، تحظى الأميرة هيا، التي مثلت الأردن في مسابقة الفروسية في الألعاب الأولمبية بشعبية كبيرة في البلاد، وأي انطباع بإساءة معاملتها قد يثير الاستياء، وهو ما قد يؤثر بدوره على الأردنيين العاملين في الخليج. ستكون لِقصة الأميرة وخروجها من العائلة المالكة الإماراتية تداعيات واسعة النطاق تتجاوز كثيراً حدود المحكمة العليا في لندن.