بات حصول تركيا على منظومة صواريخ إس 400 الروسية أمراً محسوماً ليس بالنسبة لأنقرة وموسكو فقط بل بالنسبة لواشنطن أيضاً، لكن السؤال الأهم الآن هو ماذا بعد وما هو المتوقع أن يحدث من قبل الولايات المتحدة؟.
موقع Al-Monitor الأمريكي كشف عن مصدر خاص له أن روسيا تستعد لشحن بطاريات المنظومة والتي من المقرر أن تصل أول شحنة منها بحلول نهاية يوليو/تموز الجاري، وتُعدّ تركيا الآن نفسها لآثار عقوبات أمريكية محتملة.
وبحسب الموقع الأمريكي رغم الاجتماع الذي تم بين أردوغان وترامب في اليابان فإن تركيا ستتلقى المنظومة روسية الصنع، بغض النظر عما يقوله الجانب الأمريكي.
وبعد إعلان الرئيس أردوغان بأن البطاريات شارف وصولها، جاء تأكيد إضافي من المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالين في 4 يوليو/تموز: إذ قال: "منظومة صواريخ S-400 ستُسَّلم في وقت قريب جداً وستُستخدم فعلياً".
تفاصيل عن الشحنة بالكامل

وذكرت مصادر أمنية أن الشحنة الأولى ستتألف من تسع وحدات نقل ونصب وقذف (TEL)، ورادار مراقبة بعيد المدى، ومنظومات رادار التقاط الأهداف والاستهداف (التحكم في إطلاق النار)، ووحدة قيادة/تحكم ونظام رادار إضافي للتحكم في إطلاق النار. وهذه الشحنة ستكون العنصر الأول في كتيبتين من المقرر تسليمهما إلى تركيا.
ومن المقرر أن يتسلم فريق فني روسي الشحنة في أنقرة، موقع نشر البطاريات المُزمع. ووفقاً لتقارير سُربت إلى وسائل الإعلام التركية، عُيِّن بالفعل عقيد في سلاح الجو التركي قائداً للمنظومة وهو الآن يزاول عمله في أنقرة. ويؤكد هذا الإعلان أيضاً التقارير الصادرة حول موقع نشر المنظومة.
أين سيتم نشر المنظومة؟
في أنقرة، ستُنشر المنظومة في قاعدة أكينجي العسكرية في بلدة كهرمان كازان في محافظة أنقرة، على حد قول مصدر أمني لموقع Al-Monitor اشترط عدم الكشف عن هويته. والقاعدة مناسبة لهبوط طائرات الشحن الروسية التي ستُسلم منظومة الصواريخ.
ومع ذلك، قال المصدر أيضاً إن أنقرة لن تُسرع بتركيب منظومة صواريخ S-400 وتشغيلها.
وقال إسماعيل دمير، رئيس هيئة الصناعات الدفاعية بوزارة الدفاع التركية، لوسائل الإعلام يوم 4 يوليو/تموز: "نتوقع أن تكون صواريخ S-400 جاهزة للعمل هذا العام"، وبعبارة أخرى، تحاول أنقرة تجنب المزيد من التصعيد مع واشنطن حول هذه المسألة.
من سيشرف عليها؟

ومن الأمور الأخرى التي يجب الانتباه إليها: من سيتولى قيادة منظومات S-400، الجيش والقوات الجوية التركية، أم قيادة منفصلة مستقلة؟
تعتقد بعض الأوساط في أنقرة أن وكالة الاستخبارات التركية، وليس الجيش، هي من يجب أن تدير منظومات S-400. ويرجعون ذلك إلى محاولة الانقلاب التي وقعت في 15 يوليو/تموز عام 2016، ويقولون إن وكالة الاستخبارات جهة أكثر أماناً.
ومع ذلك، تشير الخطط الأولية إلى أن صواريخ S-400 ستكون تحت هيكل القيادة التقليدي للجيش التركي. وأدى شراء تركيا لصواريخ S-400، وخططها لنشر البطاريات في أنقرة، إلى إثارة تكهنات حول احتمالية أن يكون الرئيس أردوغان قد اشترى هذا العتاد "للدفاع عن قصره". لكن وضع البطاريات تحت سيطرة الجيش التركي يُدحض مثل هذه المخاوف.
ماذا بعد؟

والآن لم يعد السؤال يدور حول ما إذا كانت تركيا ستلغي صفقة S-400 أم لا، ولكن ما هي الخطوة التالية؟ هل ستفرض واشنطن عقوبات على تركيا لشرائها أسلحة متطورة من روسيا؟
بدأ هذا النقاش بعد أن التقى ترامب وأردوغان في مدينة أوساكا اليابانية، وانقسم الشعب التركي إلى معسكرين. يعتقد المعسكر الأول، الذي يضم دوائر مؤيدة للحكومة، أن كلمات ترامب اللطيفة في أوساكا تشير إلى عدم رغبة الإدارة الأمريكية في معاقبة تركيا. ومع ذلك، يعتقد المعسكر المضاد أن المجاملات جزء من استراتيجية أكبر لتقليل الأضرار لإنقاذ العلاقات الثنائية حال تنفيذ العقوبات.
وفي تصور تركيا الاستراتيجي، تكمن الحقيقة في منطقة وسط بين المعسكرين. فوفقاً للمعلومات التي حصل عليها موقع Al-Monitor، تتوقع تركيا فرض عقوبات وتستعد لآثارها. ومع ذلك، تتوقع أنقرة أن تقتصر هذه العقوبات، التي ستختارها إدارة ترامب من قائمة العقوبات، على استبعاد تركيا من برنامج F-35. بيد أن هذه العقوبات لن تؤثر على مشروعات التعاون الدفاعي الأخرى بين البلدين، بما في ذلك التحديثات الإلكترونية لطائرات F-16 والطائرات بدون طيار وشراء لوازمها.
تقليل حدة الأمر
ونظراً لأن أنقرة تخطط لتثبيت البطاريات نهاية العام الجاري، فقد يؤدي ذلك إلى تفاقم الأزمة بمرور الوقت. ومع ذلك، قد تكون أنقرة مخطئة في توقعاتها. إذ يبدي بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي قدراً من المرونة من حيث توقيت فرض العقوبات، لكنهم على يقين من فرضها. وحالما تُفرض العقوبات، قد يؤثر تدهور العلاقات الثنائية بين البلدين على مشاريع التعاون الجارية الأخرى.
ما على المرء إذن سوى أن يراقب عن كثب طائرات الشحن الروسية من طراز AN-124 التي ستصل إلى أنقرة، وخاصة في قاعدة أكينجي. إذ من المرجح أن هاتين الطائرتين الروسيتين ستنقلان شحنة تاريخية مؤلفة من مركبات ومعدات ولوازم أول بطارية صواريخ S-400، وهي خطوة ستؤثر على العلاقات بين تركيا والكتلة الأمنية الغربية لسنوات قادمة.