"إذا انهارت مصر، فإن ملايين من أعضاء تنظيم داعش سيجتاحون العالم"، جاء هذا التنبؤ على لسان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عام 2015.
تقول مجلة The Economist البريطانية، إن لدى الرئيس المصري أسباب وصفتها بأنها مثيرة للسخرية، ليتكلم بهذه الصورة الكابوسية. إذ تتكون خلطته للبقاء في السلطة من جزأين رئيسيين: القمع في الداخل، والتحذير المستمر للزعماء الأجانب من أنه ما لم يدعموه، فستقع مصر في الفوضى.
المدهش أنها نجحت بالفعل. فدول الخليج تموله خوفاً من أن يكون البديل نظاماً تقوده جماعة الإخوان المسلمين، وتدعم أمريكا السيسي لنفس السبب؛ نظراً إلى أن البعض في إدارة الرئيس دونالد ترامب يعتبرون جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية (والسيسي بارع في إغراء ترامب نفسه).
أما أوروبا فتغض الطرف عن الأشياء الفظيعة التي تحدث في سجون السيسي لأنها تخشى من ملايين اللاجئين الذين قد يتدفقون عبر البحر المتوسط، إذا سقطت مصر. لذا فإن تحذير السيسي يأتي خدمةً لمصالح ذاتية.
لكن هل انهيار مصر هو تحذير خاطئ؟
انهيار مصر لا يعتبر أمراً مستحيلاً، بحسب المجلة البريطانية، صحيح أن البلد ليس مثل لبنان أو العراق، وكليهما ممزق بخلافات طائفية، ولا مثل ليبيا أو اليمن، حيث تغذي الانقسامات الإقليمية والقبلية الحروب الأهلية.
لدى المصريين حسّ وطني كبير، لكنهم يتعرضون لضغوط كبيرة، إذ يحكمهم نظام عسكري يتسم بالوحشية والهشاشة في آنٍ واحدٍ، السخط متفشٍّ في كل مكان، والإسلاميون الذين فازوا في الانتخابات النزيهة الوحيدة على الإطلاق التي أجرتها مصر غاضبون بسبب إقصائهم من السلطة تحت تهديد السلاح.
على الرغم من ارتفاع النمو الاقتصادي، لا تزال بطالة الشباب مرتفعة ارتفاعاً يدعو للقلق. في أبريل/نيسان 2019، فاز السيسي في استفتاء غير نزيه بشكل صارخ، ليسمح لنفسه بالبقاء في السلطة حتى عام 2030.
وترى الصحيفة البريطانية أن "أي مستبد بخلطة دجل يسعى ليحكم إلى الأبد، لا يمثل وصفةً للاستقرار طويل الأجل".
خطر فقدان الماء مؤشر على الانهيار
فقدان الماء يعد السبب الأقوى للانهيار الاجتماعي، ففي مصر تشغل الصحراء غالبية مساحة. ويُحشر كل سكانها تقريباً في شريط خصب ضيق على جانبي النيل. إضافة إلى أن الحكومات المتعاقبة شجعتهم على هدر المياه بتقليل الرسوم عليها لتصير مجاناً تقريباً.
في الوقت نفسه، تخطط دول المنبع لسحب المزيد من مياه نهر النيل، حيث تبني إثيوبيا سداً ضخماً لتوليد الكهرباء ومساعدة سكانها على الخروج من براثن الفقر، أما السودان فيريد تحويل المياه إلى مشاريع الري، على أمل أن تصبح سلة الخبز الإقليمية. وكثير من المصريين، الذين اعتادوا أخذ حصة الفرعون من مياه النيل، ينظرون إلى كل هذا على أنه تهديد وجودي.
قد تزداد احتمالية نشوب الصراع مع تسبب التغير المناخي في جفاف المنطقة، وازدياد عدد سكان مصر: من 100 مليون اليوم، إلى ما يقدر بنحو 130 مليون بحلول عام 2030.
خلاصة 1: وقد رأى بعض الضباط العسكريين المصريين أن بلادهم ستخوض حرباً لحماية حقوقها في مياه النيل. وفي الوقت نفسه، لدى مصر أيضاً تهديدٌ كبير في منطقة سيناء، حيث يذبح فرع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المسيحيين والصوفيين (وهم أقلية مسلمة).
أضف إلى ذلك، أن جيرانها غير مستقرين أيضاً: ليبيا التي مزقتها الحرب من الغرب، والسودان الثائر من الجنوب.
عواقب كارثية محتملة في حال انهارت مصر
ترى الصحيفة البريطانية أنه ومع وجود العديد من المصادر المحتملة لعدم الاستقرار، سيكون من الحماقة ألا نفكر في العواقب المحتملة إذا سقطت مصر في نوع الفوضى الذي شاهدناها في سوريا أو ليبيا.
يكمن أحد الأسباب وراء العواقب المحتملة، هو أن أي تدفق من اللاجئين في مصر سيجعل تدفقات اللاجئين من سوريا التي هزت العالم تبدو ضئيلة للغاية (كان عدد سكان سوريا قبل الحرب يبلغ خُمس عدد سكان مصر فقط).
قد يتوجه عدد قليل من النازحين إلى المساحات المفتوحة غير المحمية في ليبيا، لكن معظمهم سيُحشرون في قوارب ويعبرون البحر المتوسط، أو يجربون حظهم في الخليج. ستحاول السفن الإيطالية واليونانية إعادتهم وسيغرق كثيرون.
ستكون تركيا والأردن إلى حد ما أكثر ترحيباً. ورغم أن نسبة صغيرة فقط من اللاجئين قد تصل إلى أوروبا، سوف تضخم الأحزاب المناهضة للمهاجرين بشكل هستيري "الغزو المصري". سيفوز الشعبويون في الانتخابات، ابتداءً من فرنسا. وسوف تغلق الرئيسة ماريون ماريشال لوبان الحدود مع إيطاليا، ثم تحظر جزاري اللحم الحلال.
العالم كله سيهتز
إذا فقدت الحكومة المصرية السيطرة، فستتدخل القوى الأجنبية للحفاظ على فتح قناة السويس أمام عمليات الشحن العالمية. أما الولايات المتحدة، التي تستخدم القناة لنقل قواتها البحرية من البحر المتوسط إلى الخليج والشرق الأقصى، فسوف تتولى المسؤولية بسرعة، مع تحالف رمزي من السعوديين والإماراتيين إلى جانبها.
ولكن بالنظر إلى الإهانة التي عانوا منها في أزمة السويس عام 1956، ستُحجم بريطانيا وفرنسا عن المشاركة لأسباب مفهومة.
سوف توفر بعض الأراضي الشاسعة غير المحكومة في مصر ملاذاً آمناً للمسلحين. وسيستخدم متمردو ليبيا الأراضي الحدودية باعتبارها قاعدة خلفية. وربما ينشئ الجهاديون خلافة جديدة على الأراضي المصرية.
ستجد إسرائيل أن هذا لا يمكن السكوت عليه؛ فمصر ستتحول من شريك سلام إلى تهديد قاتل. ستقصف الطائرات الإسرائيلية أهداف داعش في مصر بشراسة مثلما قصفت وحدات الصواريخ الإيرانية في سوريا. ولكن حتى مع ذلك، فستكون إسرائيل أكثر عرضة للخطر، بعد أن فقدت وسيطها الرئيسي مع حماس في غزة.
الخلاصة 2: سيكون من الصعب للغاية إعادة توحيد مصر كما هو حاصل في سوريا وليبيا، وفي حال إمكانية حدوث ذلك، فإنه سيستغرق عقوداً، لذا ترى الصحيفة البريطانية أنه من الأفضل إيقاف هذا الانهيار قبل حدوثه، إضافة إلى أنه من غير الواضح أن السيسي هو الرجل المناسب لهذه المهمة.