في الوقت الذي باتت فيه الانتخابات الأمريكية على الأبواب تتعالى الأصوات داخل القطاع العريض المنتقد للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تقييم علاقة واشنطن بالمملكة العربية السعودية، خاصة أن ترامب قصد الرياض كأول عاصمة يزورها بعدما تولَّى السلطة بشكل رسمي عام 2017. فما هي هذه الاستراتيجية الجديدة وكيف سيكون شكلها؟
استراتيجية جديدة للتعامل مع الرياض
بحسب تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي يبدو من المنطقي أن يبدأ نقاد ترامب الآن في تطوير استراتيجية أمريكية جديدة تجاه المملكة، مختلفة كلياً عن تلك التي كان يتبناها ترامب مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عنوان الحكم في المملكة الآن.
وعلى الرغم من القلق المتزايد بشأن السلوك المتهور والخطير لمحمد بن سلمان، فقد قرَّبه ترامب الأسبوع الماضي في أوساكا خلال قمة مجموعة العشرين، كما دعمه في كل لقاء عُقد بينهما منذ مطلع عام 2017.
وكان هذا بالرغم من صدور تقرير جديد عن المقرر الخاص للأمم المتحدة، وجد أن ولي العهد مسؤول شخصياً عن القتل المتعمد للصحفي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول العام الماضي.
وستعقد قمة مجموعة العشرين المقبلة في الرياض في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أي بعد أسبوعين فقط من الانتخابات الأمريكية. وسيكون ترامب "بطة عرجاء" جداً، وإذا خسر، لن ترغب الكثير من الدول في تلقِّي نوبات غضبه الأخيرة على تويتر، بحسب الموقع الأمريكي.
وبقدر ما كانت جريمة خاشقجي شنيعة، فإنها تبدو هينة مقارنة بالمبادرة التي ميزت سياسة ولي العهد السعودي، وهي الحرب الدموية في اليمن. دفعت الأمير "حماقته الواثقة بإمكانية تحقيق نصر سريع وحاسم، إلى الشروع في غزو اليمن بدون استراتيجية ولا حل نهائي قابل للتحقق"، كما يقول الموقع الأمريكي.
المأزق الدموي للحرب السعودية في اليمن
وبعد أكثر من أربع سنوات، أصبحت الحرب مأزقاً دموياً لولي العهد. شن السعوديون وحلفاؤهم أكثر من 20,000 غارة جوية على اليمن، بينما يطلق المتمردون الحوثيون قذائف وصواريخ وطائرات بدون طيار على المملكة. لم يزُر ولي العهد قط مدينة عدن، "عاصمة" حلفائه اليمنيين، وهجر معظم حلفائه الآخرين الحرب بهدوء، فحتى الإمارات العربية المتحدة بدأت تسحب قواتها من هناك.
أدت عواقب الحرب الوخيمة للحرب على اليمنيين لأسوأ كارثة إنسانية في العالم. كتب الصحفي الراحل خاشقجي، وكان على حق، في مقالته الأخيرة أن بن سلمان هو المسؤول عن المذبحة ويجب أن يحاسب.
يقول الموقع الأمريكي: "إن هناك أوجه تشابه مذهلة بين العلاقة الأمريكية مع المملكة السعودية اليوم وعلاقة واشنطن بإمبراطورية الشاه الإيرانية قبل نصف قرن. فقد بعنا في كلتا الحالتين كمّاً هائلاً من الأسلحة لدكتاتوريين لا يرحمون دون إيلاء اهتمام كافٍ لاستخدامها النهائي. وفي كلتا الحالتين، شخَّصنا علاقة ثنائية معقدة لتصير تأييداً غير مشروط لملك موهوم بتوقعات مستقبلية منفصلة عن الواقع".
ما بين سعودية بن سلمان وإيران الشاه
يقول موقع المونيتور: إن السعودية لم تطمح قط بكل وضوح إلى أن تكون ديمقراطية، لكنَّ الحكام السابقين سعوا إلى تحقيق توافق في الآراء. أما بن سلمان، فقد أطاح بنخبة البلاد فيما أُطلق عليه "حملة مكافحة الفساد" . ربما بينهم فاسدون، ولكنه يعيب غيره بعيب فيه. ربما ليس من قبيل المصادفة أن وسائل الإعلام السعودية التي يسيطر عليها بن سلمان عرضت مقال رأي كتبته حفيدة الشاه.
في حالة إيران، كانت الولايات المتحدة عمياء عن نقاط ضعف شريكنا الإمبراطوري. لقد تجاهلنا بجاحته ولم نصغِ للانتقادات التي يواجهها من مواطنيه. وتظاهرنا بأن إصلاحاته كانت حقيقية.
يضيف الموقع الأمريكي: "ولكي نكون منصفين في حكمنا على الرؤساء بدءاً من أيزنهاور ووصولاً إلى كارتر، كنا بحاجة لإيران أكثر مما نحتاج إلى السعودية اليوم. كانت إيران عقبة حاسمة أمام الهيمنة السوفيتية على الخليج. وكانت أمريكا وحلفاؤنا في الناتو بحاجة ماسة إلى نفط الخليج بأسعار معقولة.
صارت أمريكا اليوم أكبر مُصدِّر للطاقة في العالم. ويحاول السعوديون يائسين الحفاظ على ارتفاع أسعار النفط في مواجهة وفرة النفط في السوق (وكذلك روسيا). فالصفقة التي أبرمها فرانكلين روزفلت عام 1945 مع الملك عبدالعزيز آل سعود -الحماية الأمريكية مقابل النفط الرخيص- عفا عليها الزمن" .
ما بعد ترامب لن يكون كما قبله
يرى الموقع الأمريكي أنه ما زالت لواشنطن مصالح يخدمها بشكل أفضل وجود "شريك متعاون في السعودية وحوار مثمر مع الرياض" . لكن الوقت سيحين في عام 2021 لإعادة تشكيل العلاقة، إذا كان بن سلمان لا يزال ولي العهد الأول، فلا مزيد من "الترحيب المحرج والسخيف"، ولتكن العلاقة في الشكل التالي:
لنعامل ولي العهد كما هو: قاتل الآلاف من الأبرياء، والأمير الأكثر استبداداً في تاريخ البلاد الحديث، الذي يسجن الجميع: من ولي العهد السابق إلى النساء اللائي يطالبن بالحق في قيادة السيارة، لا تمنحوا ولي العهد وحاشيته تأشيرات لزيارة أمريكا. واشنطن يجب أن تجعل وجهات نظرها في السعودية معروفة بوضوح. سيكون من الأفضل الابتعاد عن ولي العهد إلى أجل غير مسمى بدلاً من احتضان "هاوٍ خطرٍ" يسعى لبناء إمبراطورية.
ثم يجب تغيير علاقة التسليح: لا مزيد من الأسلحة أو الذخائر أو قطع الغيار أو التطويرات أو المساعدة التقنية حتى تتوقف الحرب في اليمن. سيُجبَر السعوديون على الالتزام؛ فعلى عكس ما يعتقده ترامب، لا يمكنك تسيير جيش ذي سلاح أمريكي بدعم روسي أو صيني. وإذا انضم البريطانيون، فإن آلة الحرب السعودية، التي لم تكن فعالة للغاية في الأساس، سوف تتعرض لخلل خطير. لقد اتخذ الكونغرس بالفعل بعض خطوات تتعلق بالتسليح، والتأثير في المملكة واضح. لا ترغب العائلة المالكة في الانفصال عن أمريكا مهما اشتكوا منا.
جزء من خطة أوسع: يجب أن يكون تغير التوجهات مع السعوديين جزءاً من تغيير أوسع في السياسات تجاه المنطقة، وخاصة فيما يتعلق بإيران. كان اتفاق باراك أوباما النووي يعمل على وقف طموحات طهران النووية. والقرار الأحمق بانتهاك الاتفاق يدفع التوترات إلى حافة خطيرة: وهي حرب أخرى مفتوحة في الشرق الأوسط ستكلف ثروة من الدم والكنوز.
حوار مع إيران: ينبغي أيضاً أن تشجع واشنطن السعوديين على فتح حوار ثنائي مع إيران؛ إذ إن العداوة الشديدة بين الطرفين خطرة وليست في صالح المملكة. السعودية لديها الكثير لتخسره في الحرب مع إيران أكثر من الولايات المتحدة.