«العفو عند المقدرة النووية».. الرسالة الخطيرة التي يمكن استخلاصها من تناقضات ترامب مع كوريا وإيران 

عربي بوست
تم النشر: 2019/07/02 الساعة 23:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/02 الساعة 23:23 بتوقيت غرينتش
لقاء دونالد ترامب وكيم جونغ أون على الحدود بين الكوريتين/ رويترز

"مَن تخطَّى العتبة النووية فقد نجا".. يبدو أن هذه هي الرسالة التي يمكن استخلاصها من تناقض مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يفكر في الاعتراف بالبرنامج النووي العسكري لكوريا الشمالية، بينما يتوعَّد إيران لتوسعها في تخصيب اليورانيوم.

إذ كشفت صحيفة New York Times  الأمريكية، أنَّ بعضَ كبار المسؤولين في إدارة ترامب ناقشوا فكرة طرح مبادرة تقوم على تجميد كوريا الشمالية لبرنامجها النووي، عبر غلق منشآتها النووية، لمنعها من صنع مواد انشطارية جديدة، ولكن مع ترك ترسانتها الحالية قائمة.

 في المقابل، سيُقدم الأمريكيون بعضَ التنازلات التي من شأنها أن تساعد في تحسين الظروف المعيشية في كوريا الشمالية، التي تخضع لعقوبات شديدة، أو تقوية العلاقات بين واشنطن وبيونغ يانغ. 

 يفكر بعض المسؤولين في التجميد كخطوة أولى نحو اتفاق أكثر شمولية مع كوريا الشمالية، للتخلي عن برنامجها النووي بأكمله.

وحسب الصحيفة فإن فكرة حقيقية بهذا المحتوى تتشكل داخل إدارة ترامب، التي يأمل المسؤولون أن تخلق الأساس لجولة جديدة من المفاوضات.

الخطوة ستؤيد إلى الاعتراف بالبرنامج النووي العسكري لكوريا الشمالية ضمنياً

 سيكون هذا المفهوم بمثابة تجميد نووي، وهو مبدأ يُكرِّس الوضعَ الراهنَ بشكل أساسي، ويقبل ضمنياً كوريا الشمالية كقوة نووية، وهو أمر قال مسؤولو الإدارة في كثير من الأحيان إنَّهم لن يؤيدوه أبداً. 

وفي حين أنَّ هذا النهجَ يُمكنُ أن يوقف الترسانة النووية الكورية عن النمو، إلا أنه لن يؤدي على الأقل في المستقبل القريب، إلى تفكيك أي أسلحة موجودة لدى كوريا الشمالية، التي تقدر حجمها بين 20 إلى 60 رأساً، كما أنها لن تحدّ من قدرة الصواريخ بيونغ يانغ. 

وقد يمنح ترامب بهذه الفكرة فرصةً لمعارضيه لانتقاده في موسم الحملات الانتخابية، إذ سيقولون إن الديكتاتور الكوري الشمالي كيم جونغ أون تلاعب بالرئيس الأمريكي ببراعة، من خلال إعطائه الصور التي يتوق إليها. 

زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، خلال لقائه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المنطقة منزوعة السلاح/ رويترز

ولا تزال الإدارة الأمريكية تصرُّ على أن أهدافها هي إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، لكن مع إدراك أن مطلبها المطلق للتنازل على المدى القريب عن برنامج السيد كيم النووي المحبب لن يسفر عن شيء.

ولذا تبدو فكرة تجميد البرنامج أكثر واقعية.

 وسيسعى المفاوضون الأمريكيون للتوسع في العرض الذي قدَّمه الرئيس الكوري الشمالي في هانوي في فبراير/شباط الماضي، للتخلي عن الموقع الرئيسي لإنتاج الوقود النووي في يونغبيون، في مقابل إزالة أشد العقوبات على البلاد.

ورفض ترامب  هذا الاقتراح، تحت ضغط من وزير خارجيته، مايك بومبو، ومستشاره للأمن القومي، جون بولتون، لأن الكثير من قدرات كوريا الشمالية تقع الآن خارج مجمع يونغبيون الشاسع.

 والفكرة الآن هي جعل كوريا توافق على توسيع تعريف موقع يونغبيون إلى ما وراء حدوده المادية. 

وتعترض هذه الفكرة الكثير من العقبات، بما في ذلك مدى قبول كوريا الشمالية لعمليات التفتيش المفاجئة، ولكن إذا نجحت فسيكون ذلك بمثابة تجميد نووي يمنع كوريا الشمالية من صنع مواد نووية جديدة.

 لكن مسؤولاً أمريكياً بارزاً مشاركاً في السياسة الكورية الشمالية قال إنه لا توجد طريقة لمعرفة ما إذا كانت كوريا الشمالية ستوافق على ذلك. وقال إن مفاوضيها أصرّوا في الماضي على أنَّ السيد كيم وحدَه هو الذي يستطيع تحديد معنى تفكيك يونغبيون. 

لإنجاح أي صفقة، يتعيَّن على كوريا الشمالية أن توافق على تضمين العديد من المنشآت في جميع أنحاء البلاد، من بينها موقع سري يدعى Kangson، وهو يقع خارج Yongbyon، حيث تعتقد وكالات الاستخبارات الأمريكية والكورية الجنوبية أن البلاد لا تزال تنتج وقود اليورانيوم.

والهدف جعل ترامب صانعاً للسلام 

ترامب الذي يبدأ حملة إعادة انتخابه اشتكى مراراً وتكراراً من أنه لا يتلقى أي تقدير من وسائل الإعلام لقيامه بتهدئة التوترات مع كوريا الشمالية، ولتجميد التجارب النووية السرية، وإطلاق الصواريخ البالستية العابرة للقارات.

وعلى الأرجح سيَعتبر ترامب مثل هذا الاتفاق انتصاراً، باعتبار أنه قام بعملية كبح أخرى للزعيم الكوري، وسيُساعد السيد ترامب على إثبات أنه يحرز تقدماً، وإن كان ببطء، في واحدة من أكثر الأزمات صعوبة في العالم.

 مساء الأحد الماضي، قال مبعوث وزارة الخارجية الأمريكية لكوريا الشمالية، ستيفن إي. بيغون، إن الوصف لهذه الأفكار بأنها "تخمينات بحتة"، وأن فريقه "لا يعد أي اقتراح جديد حالياً".

كلينتون توصل لاتفاق مشابه، ولكن كوريا الشمالية خدعته

في الواقع، تمت محاولة تجربة هذا النهج من قبل.

إذ تحمل هذه الفكرة أوجه تشابه قوية مع التجميد النووي الذي تفاوض عليه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، مع والد كيم في عام 1994. لكن ذلك كان قبل اثنتي عشرة سنة، قبل أول تجربة نووية لكوريا الشمالية، وقبل امتلاكها لأي من الأسلحة النووية، أو القدرة على إيصالها.

واستمرَّ الاتفاق حتى أصبح من الواضح أن كوريا الشمالية تخالفه بالسعي إلى نهج جديد لصنع القنبلة عبر تخصيب اليورانيوم. واندلعت أزمة جديدة في عام 2003، ثم تفاوض جورج دبليو بوش على تجميد جزئي في يونغبيون في عام 2007، إلا أنه انهار.

ويطرح هذا النهج السؤال الأكبر حول ما إذا كان السيد ترامب يهتم حقاً بالتوصل إلى صفقة صعبة لنزع السلاح النووي، أو ما إذا كان مهتماً بشكل أساسي بوهم التقدم، لتقديم نفسه للناخبين باعتباره صانع سلام. 

ومع ذلك، فإن توقعات السيد ترامب المحدودة بالنسبة لبرنامج كوريا الشمالية قد تتوافق تماماً مع خطط كيم. 

إذ يعتقد بعض المحللين في كوريا الشمالية أن كيم سيتقبَّل بسعادة فكرة تخفيف جزئي للعقوبات، إذا تزامن مع خفض التوقعات بأنه قد يتخلَّى عن ترسانته.

ولكن أليس ما توصَّل إليه أوباما مع إيران كان أفضل كثيراً

من المفترض أن يكون تجميد البرنامج النووي الذي يقترحه ترامب دائماً. ولكن حتى لو كان كذلك فإنه سيكون أقل مما حصل عليه أوباما من الإيرانيين، في صفقة وصفها ترامب بأنها "كارثية".

إذ إن أوباما اتفق مع الإيرانيين على ضبط مستوى تخصيب اليورانيوم لديهم قبل أن يصلوا لصنع أسلحة نووية.

أما بالنسبة لاقتراح ترامب، فحتى لو كان التجميد الناجح سيشكل تراجعاً كبيراً عن هدف "نزع السلاح النووي السريع لكوريا الشمالية".

فإنه يعني الاعتراف الضمني بكوريا الشمالية النووية.

والآن يبدو أن حرب ترامب مع إيران قد تقترب

والمفارقة أن هذا الاعتراف التاريخي المحتمل بكوريا الشمالية النووية، يتزامن مع تصعيد للتوتر مع إيران، التي لم تتخط العتبة النووية، بل التي التزمت بالاتفاق النووي وفقاً للوكالة الدولية للطاقة النووية.

وفي هذا الإطار كان لافتاً قول وزير الخارجية الإسرائيلي إسرائيل كاتس، اليوم الثلاثاء 2 يوليو/تموز 2019، إنَّ إسرائيل تستعد لتدخل عسكري محتمل في حالة حدوث أيّ تصعيد في المواجهة بين إيران والولايات المتحدة في منطقة الخليج.

وجاء ذلك بعد قول الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الإثنين 1 يوليو/تموز 2019، إن إيران "تلعب بالنار" بعد إعلانها تخطّي سقف مخزون اليورانيوم منخفض التخصيب المتفق عليه بموجب الاتفاق النووي.

 تصريح ترامب جاء كأول تعليق له عقب تأكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية من تخطي طهران، للحدِّ المسموح به من تخصيب اليورانيوم.

 وفي السياق نفسه، قال البيت الأبيض إنَّ ترامب بحث هاتفياً مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون تجاوز إيران مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب، بحسب ما ذكرته وكالة الأناضول.

وطهران تقول إنها تمارس حقها

ويمثل إعلان طهران أول تحرك كبير لانتهاك شروط الاتفاق، منذ انسحبت منه الولايات المتحدة قبل أكثر من عام، لكن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قال إن التحرك ليس انتهاكاً للاتفاق، مجادلاً بأن إيران تمارس حقها في الردِّ على الانسحاب الأمريكي.

 وقد يكون لهذه الخطوة عواقب بعيدة المدى على المستوى الدبلوماسي، في وقت تحاول فيه الدول الأوروبية تجنُّب نشوب حرب بين الولايات المتحدة وإيران، وذلك بعد أقل من أسبوعين من تراجع واشنطن عن توجيه ضربات جوية لطهران في اللحظة الأخيرة، بعد إسقاط إيران طائرة مسيّرة أمريكية، وفقاً لوكالة رويترز.

 وقال البيت الأبيض في وقت سابق، إنه سيواصل تطبيق سياسة "الضغوط القصوى على النظام الإيراني إلى أن يغير زعماؤه نهجهم". وأضاف أنه يجب إلزام إيران بمبدأ عدم تخصيب اليورانيوم.

فهل تخالف القواعد الدولية بما تفعله حالياً؟ 

لكن داريل كيمبال، المدير التنفيذي لرابطة الحدّ من التسلح في واشنطن، قال إنه لا توجد معايير دولية تمنع إيران من تخصيب اليورانيوم. وقال أيضاً: "ليس هذا هو الحال. هذا موقف أمريكي".

وفي وقت سابق من أمس الإثنين، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إنَّ مفتشيها تأكدوا من تخطِّي طهران سقف مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 3.67%، والمحدد بـ300 كغم.

 وقال المتحدث باسم منظمة الطاقة النووية الإيرانية، بهروز كمالوندي، منتصف يونيو/حزيران الماضي، إنّ بلاده ستزيد مخزونها من اليورانيوم المخصب، في حال لم تتخذ الدول الأوروبية خطوات ملموسة للحفاظ على الاتفاق. 

ولقد أصبحت في وضع سيئ بسبب الحرب الاقتصادية

وكانت إيران قد أعلنت في مايو/أيار الماضي، أنها ستسرع وتيرة إنتاج اليورانيوم المخصّب، رداً على تشديد إدارة ترامب العقوبات عليها في ذلك الشهر، بعدما طلبت من جميع الدول وقف شراء النفط الإيراني، وإلا واجهت عقوبات، وهو ما تصفه طهران بأنه "حرب اقتصادية" تستهدف تجويع شعبها.

 واتَّخذت المواجهة بعداً عسكرياً في الشهرين اللذين أعقبا تشديد الولايات المتحدة العقوبات، بعد تحميل واشنطن طهران مسؤولية هجمات على سفن وإسقاط إيران طائرة أمريكية مسيّرة، وأمر ترامب بضربات جوية انتقاماً قبل أن يتراجع عنها. 

ويفرض الاتفاق النووي قيوداً على كل من حجم اليورانيوم الذي يمكن لإيران امتلاكه ودرجة نقاء تلك المخزونات، وهي قيود تستهدف إطالة المدة التي تحتاجها إيران لصنع قنبلة نووية إذا سعت لذلك.

هل اقتربت إيران من صنع قنبلة نووية بهذه الخطوة؟

وتخصيب اليورانيوم إلى مستوى منخفض نسبته 3.6% هو أول خطوة في عملية ربما تستخدم لإنتاج يورانيوم أعلى تخصيباً يمكن استخدامه لإنتاج سلاح نووي.

 وقالت ويندي شيرمان، كبيرة مفاوضي أوباما بشأن الاتفاق، والتي تعمل حالياً مديرة مركز القيادة العامة بكلية كينيدي بجامعة هارفارد: "هذه خطوة اتخذها الإيرانيون ويمكن العدول عنها. يمكن لإيران مع الشركاء المتبقين تحديد كيف سيُمضون قدماً".

 وأضافت أنَّ هذا في حدِّ ذاته لا يمكن أن يخفض الفترة اللازمة لصنع سلاح نووي وهو أمر جوهري.

الاعتراف بالبرنامج النووي العسكري لكوريا الشمالية
وزراء خارجية الدول الموقعة على الاتفاق النووي الإيراني في 2015 بفيينا/ رويترز

 وعقد المسؤولون الأوروبيون محادثات في اللحظة الأخيرة مع مبعوثين إيرانيين، الأسبوع الماضي، على أمل إقناعهم بألا يتجاوزوا تلك الحدود. وفشلت تلك المحادثات، إذ قالت إيران إن الجهود الأوروبية لحمايتها من أثر العقوبات الأمريكية غير كافية.

 ويقول الأوروبيون إنهم يستهدفون مساعدة إيران على دعم اقتصادها، لكن تلك الجهود فشلت حتى الآن في ظلِّ تجنُّب مشتري النفط إيران، وإلغاء جميع الشركات الأجنبية الكبرى خططاً للاستثمار فيها خشية مخالفة القواعد الأمريكية.

 وتقول واشنطن إنَّ العقوبات تستهدف إعادة طهران إلى مائدة التفاوض. أما إيران فتقول إنها لا يمكنها الدخول في محادثات ما دامت واشنطن تتجاهل الاتفاق الذي وقَّعته بالفعل.

ولكن بعد تزايُد احتمال قبول أمريكا لكوريا الشمالية النووية، هل تشجع هذه الخطوة المحتملة إيران على المضي قدماً في ذات السبيل علها تظفر يوماً باعتراف مماثل، أم أنَّ الولايات المتحدة تعلَّمت الدرس من تجربة كوريا، ولن تسمح لطهران بتخطي العتبة النووية والوصول لمرحلة اللاعودة، خاصة وأن لديها حلفاء يحرِّضونها على ضرب إيران سواء التزمت بالاتفاق أم لم تلتزم. 

تحميل المزيد