كوريا الشمالية التي تمتلك أسلحة نووية، وتهدد أمريكا يفاوضها ترامب.. لماذا لا يفعل ذلك مع إيران؟

في الوقت الذي اجتمع فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون، تتواصل الأزمة الأمريكية مع إيران، والتي تحمل في طياتها توقعات مخيفة باندلاع مواجهة عسكرية محتملة مع طهران، لكن يلوح تساؤلٌ واحدٌ في الأفق.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/06/30 الساعة 12:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/30 الساعة 12:45 بتوقيت غرينتش
U.S. President Donald Trump meets with North Korean leader Kim Jong Un at the demilitarized zone separating the two Koreas, in Panmunjom, South Korea, June 30, 2019. REUTERS/Kevin Lamarque

في الوقت الذي اجتمع فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون، تتواصل الأزمة الأمريكية مع إيران، والتي تحمل في طياتها توقعات مخيفة باندلاع مواجهة عسكرية محتملة مع طهران، لكن يلوح تساؤلٌ واحدٌ في الأفق.

لماذا لا يستطيع ترامب إذاً الجلوس مع المسؤولين الإيرانيين رفيعي المستوى أيضاً للبحث عن طريق ما للخروج من الأزمة؟ 

الدافع من هذا السؤال هو أن ترامب عقد قمة مع كيم جونغ أون، رئيس كوريا الشمالية وأحد الحكام المستبدين الحقيقيين في العالم، وأطلق جولات من المفاوضات معه، وقدم له رسائل الحب، على الرغم من أنه مدرج على قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب، مثله مثل إيران، وهو الذي يمتلك ما يصل إلى 60 سلاحاً نووياً، وهو الذي أطلق صواريخ على اليابان وهدد كوريا الجنوبية، وهو أيضاً الذي يضعه سجله في مجال حقوق الإنسان والانتهاكات التي يرتكبها بحق شعبه، في قائمة الشر.

من المؤكد أن الإجابة السريعة على هذا التساؤل، في ظل الأزمة الحالية، من وجهة نظر شبكة CNN الأمريكية، هي أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015 وإعادة فرض العقوبات، التي استهدفت أحدث حزمة فيها المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، جعلا طهران غير مهتمة بالتفاوض.

وفي المقابل، فإن الإدارة الأمريكية، التي واصلت حملة ضغوطها على طهران إلى حدها الأقصى، ليست مهتمة أيضاً بالتفاوض حالياً مع طهران، رغم أن ترامب عرض مراراً الجلوس مع الرئيس الإيراني حسن روحاني دون شروطٍ مسبقة.

لكن تبقى هناك أسئلة أكثر إلحاحاً وهي: لماذا استطاع ترامب الانخراط بسهولةٍ في محادثات مع حاكم مستبد دون الآخر؟ ولماذا تعد كوريا الشمالية شريكاً مقبولاً أكثر من طهران؟ وما الذي يجعل كوريا الشمالية مختلفةً إلى هذا الحد؟ وما الذي يخبرنا به كل هذا عن احتمالية وجود أي محادثات جادة مع إيران؟

تذكرة ترامب للعبور إلى كتب التاريخ

يبدو أن ترامب يريد تذكيرنا بأنه قبل الانخراط في محادثات مباشرة مع كيم، كانت الولايات المتحدة على شفا الحرب مع كوريا الشمالية، وأنه خلال فترة المحادثات، لم يطلق كيم أية صواريخ بعيدة المدى، أو يجري أية اختبارات نووية.

فقد منح ترامب كيم مظلة حماية من الانتقادات تماماً مثلما فعل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فهو يمتدحه على الدوام ويتحدث عن الخطابات الجميلة التي يتلقاها منه، على الرغم من أنه هو الذي أمر بإعدام عديد من تابعيه، بحسب التقارير الإخبارية، فضلاً عن المزاعم التي تفيد بأنه سمم أخاه في مطار ماليزي.

الخلاصة 1: على الرغم من فشل قمتين سابقتين بين ترامب وكيم، يعتقد الرئيس الأمريكي أن كوريا الشمالية -على النقيض من إيران- يمكن أن يحقق من خلال المفاوضات معها نجاحاً غير مسبوق، لتكون تذكرةً لعبوره إلى كتب التاريخ، والحصول على جائزة نوبل للسلام. 

إضافة لذلك، سيمثل هذا الأمر نجاحاً شخصياً له، خلافاً لكل الرؤساء الأمريكيين السابقين له، لأنه جازف بالانخراط في مفاوضات مع كيم بشكلٍ شخصي.

إيران قصةٌ قديمةٌ ومعقدة

على النقيض من كوريا الشمالية، التي استخدم ترامب معها منهجه الدبلوماسي الفريد، تشكل إيران قصةً قديمة محفوفة بالمخاطر، ومعقدةً حسب تفكيره، بسبب الجهود غير المتقنة لأشخاصٍ آخرين. 

فقد قضى ترامب وقتاً طويلاً في أثناء حملته الانتخابية وهو ينتقد الاتفاق النووي لعام 2015، واصفاً إياه بأسوأ اتفاق في التاريخ البشري، ومستخدماً إياه لمهاجمة الرئيس السابق باراك أوباما. وتعهد بتمزيق هذا الاتفاق، أو على أقل تقديرٍ إعادة التفاوض بشأنه. 

كانت حقيقة أن اتفاق إيران النووي يمثل جهداً وإنجازاً شخصياً لأوباما، كفيلةً بجعل ترامب يبتعد عن هذا الاتفاق، في محاولةٍ منه لجعل الجميع يعي أن البلاد باتت لها قيادةٌ جديدة. 

ومثل كل الملفات الأخرى، بدءاً من الشراكة العابرة للمحيط الهادئ، ووصولاً إلى المناخ وقضية الهجرة، ابتعد ترامب عن كل ملفٍ تطرق إليه أوباما.

وباختصار، تعتبر إيران شأناً قديماً -من شؤون أوباما- فانسحب ترامب من الاتفاق معها، وشرع في فرض حملة جديدة من الضغوط القصوى عليها. 

كان ترامب يتعامل مع كوريا الشمالية على مبدأ العصا والجزرة، فقد أبقى على العقوبات عليها، وفي الوقت نفسه كان يتملق كيم، مانحاً إياه أملاً في إبرام اتفاق بينهما.

لكن منهجه في التعامل مع إيران قائم على استخدام العصا دائماً دون الجزر. إذ إن سلوك إيران خارج الاتفاق النووي -خاصةً جهودها لبسط نفوذها في المنطقة- منح ترامب ومستشاريه الصقور مسوغاً لتبرير الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض ضغوط على إيران أينما استطاعوا فعل هذا.

عوامل أخرى تضغط على ترامب بشأن إيران

ولَّدت سياسات ترامب تجاه كوريا الشمالية قدراً كبيراً من الانتقادات المحلية من قِبل هؤلاء الذين يعارضون تملقه لنظامٍ مستبدٍ ووحشي، وأيضاً من عديد من الأشخاص الذين يرون منهجه مفتقراً إلى أي استراتيجية، ويرون أن كيم الحذِر قد خدعه.

خفت حدة الانتقادات الموجهة إلى سياسة ترامب تجاه كوريا الشمالية إلى حدٍ ما، بسبب أن المنتقدين رأوا أن كوريا الشمالية، عكس إيران، تمثل تهديداً خطيراً على الولايات المتحدة، بسبب أسلحتها النووية وصواريخها طويلة المدى. 

وإذا كان ملف كوريا الشمالية حساساً في السياسة المحلية الأمريكية، فإن ملف إيران حرج بعشرة أضعاف، من وجهة نظر CNN، وذلك لعدة أسباب: 

السياسة المحلية الأمريكية: وتتمثل في المعارضة بين الجمهوريين، والمحافظين، وبعض الديمقراطيين، والداعمين لإسرائيل، حيث يشكلون قيداً جدياً لأي إدارة تريد الاضطلاع بدورٍ في عقد اتفاق مع إيران.

العامل الإسرائيلي: وبما أن لدى حلفاء أمريكا شرق آسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية تخوفات حقيقية من كوريا الشمالية، ومسألة تقديم التنازلات لها، هناك العامل الإسرائيلي موجود في الموقف الإيراني، والذي يحتاج ترامب التعامل معه ومع رئيس الوزراء اﻹسرائيلي (بنيامين نتنياهو)، فقد قرر فعل أقصى ما في وسعه -مثلما أوضح لإدارة أوباما في نهاية مدتها الرئاسية بينما كان يخاطب الكونغرس- للقضاء على هذا الاتفاق. وقد فشلت هذه الجهود. 

السعودية: لكن مع وصول ترامب إلى السلطة -وهو المتحمس لاستعادة علاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل والسعودية- بات هناك رئيسٌ يؤدي دوراً معادياً للاتفاق النووي مع إيران.

وبالفعل، تولدت معارضة ترامب للاتفاق النووي الإيراني من رحم رغبته في لعب سياسة محلية، ويستمر هذا الدافع حتى يومنا هذا.

ماذا لو كان رئيس آخر مكان ترامب؟

وترى الشبكة الأمريكية أنه في ظل إدارة أكثر اعتيادية غير إدارة ترامب، سيتم التعامل مع إيران وكوريا الشمالية -مع الأخذ في الاعتبار اختلاف وضعيهما- باعتباره جزءاً من استراتيجية أشمل لمنع انتشار الأسلحة النووية.

ورغم ما يشوب اتفاق إيران النووي من عيوب، كان يمكن استخدام أجزاء منه كأدوات عملية للتعامل مع تحدي برنامج كوريا الشمالية النووي، الذي لا تمتلك الولايات المتحدة أية حلول شاملة بشأنه.

تكمن سخرية الوضع الراهن في أنه رغم القيود المفروضة على التعامل مع إيران -عديد منها فرضها ترامب بنفسه- يبدو أن الرئيس الأمريكي ما زال منفتحاً بشأن الانخراط في محادثات مع إيران، ولدى المرء انطباع بأنه إذا طلب الإيرانيون التواصل مع الإدارة الأمريكية -برغم ضعف هذا الاحتمال- ربما يستجيب ترامب رغم آراء مستشاريه المتشددين.

الخلاصة 2: لا يملك أي شخص سوى التعلق بأمل أن تسود غريزة ترامب، لأنه لا توجد حالياً ثقة بين واشنطن وطهران، ولا توجد قنوات اتصال بين الطرفين، وتدفعنا كل الأسباب إلى اعتقاد أن الصراع بينهما يزاحم المساحة الضيقة المتبقية لممارسة أي نوع من الدبلوماسية. 

يبدو أن الأداة الوحيدة التي يمكن تخيُّل قدرتها على منع أي صدامٍ أحمق بين الجانبين، تتوقف على نية الطرفين.

تحميل المزيد