يتزايد طلب قادة الجيش السوداني للدعم الخارجي من جماعات الضغط ودول الخليج التي تتمتع بقدرٍ كبير من الثراء، بل وحتى من عضوٍ سابق في الكونغرس الأمريكي لدعم شرعيتهم وترسيخ قبضتهم على السلطة في أعقاب الانقلاب العسكري على الرئيس السابق عُمر البشير.
جماعات ضغط بمال خليجي
- تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية، إن الحاكم العسكري الفعلي للسودان الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، لجأ إلى عقد صفقاتٍ بمئات الملايين من الدولارات مع جماعات الضغط لتحسين صورته في الولايات المتحدة والسعودية وروسيا والمؤسسات متعددة الأطراف، ورحب بزيارة عضوٍ سابق في الكونغرس الأمريكي للخرطوم لعقد اجتماعاتٍ وسط تزايد الصراع على السلطة في السودان.
- عقد المجلس صفقةً بقيمة 6 ملايين دولار مع شركة ضغط كندية في مايو/أيار الماضي، للتزلف إلى الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والسعودية.
- هذا العقد، الذي وقعه حميدتي وفقاً للإفصاحات العامة المودعة الأسبوع الماضي لدى وزارة العدل الأمريكية يسلط الضوء على مساعي الجنرال المبهمة خلف الكواليس لتعزيز قبضته على السلطة بالتعاون مع جهاتٍ أجنبية، ويوضح كيف عملت العديد من الحكومات الأجنبية السعودية والإماراتية لإيجاد موطئ قدم لها في السودان.
- يأتي هذا التوجه الجديد قبيل عقد مسيرة حاشدة موالية للديمقراطية في الخرطوم يوم الأحد 30 يونيو/حزيران، وهي مسيرة يتخوف بعض الخبراء والمسؤولين الأمريكيين من تحولها إلى "العنف"، لا سيما بعد أن قتلت قوات حميدتي 100 متظاهر على الأقل وأصابت المئات في حملة دموية على المتظاهرين مع بداية شهر يونيو/حزيران.
اجتماعات مع ترامب والروس وحكومات في الشرق الأوسط
- وفقاً للعقد المبرم بين الطرفين، تسعى شركة الضغط الكندية، واسمها Dickens & Madson، إلى تأمين اجتماعٍ بين حميدتي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورؤساء حكومات الشرق الأوسط؛ وستعمل أيضاً على التأكد من أنَّ المجلس العسكري الانتقالي في السودان "حصل على اعترافٍ بشرعيته كقائد انتقالي لجمهورية السودان".
- يبين العقد أيضاً أولوياتٍ أخرى، من بينها عمل شركة الضغط على "تقديم تدريبٍ عسكري ومعدات أمنية"، وتوفير "الدعم المتعلق بالأمن الغذائي والبنى التحتية" من الحكومة الروسية، بل وحتى الحصول على أموال من الجنرال الليبي خليفة حفتر، الذي ينازع الحكومة المعترف بها دولياً على السلطة في ليبيا، مقابل تقديم المجلس العسكري السوداني مساعدة عسكرية له.
عميل استخبارات إسرائيلي سابق يقود شركة الضغط
- بحسب الفورين بوليسي، يتولى عميل الاستخبارات الإسرائيلية السابق آري بن مناشي قيادة شركة الضغط، وقد سبق للشركة أن عملت لصالح الحكومتين الزيمبابوية والليبية.
- أصبح حميدتي الحاكم الفعلي للبلاد بعد إطاحة البشير في أبريل/نيسان الماضي، بعد أشهر من الاحتجاجات المناهضة للحكومة. ولا يزال البشير رهن الاعتقال في السودان، وهو مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية لاتهامه بارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، غير أنَّ الطغمة العسكرية والقوات الأمنية ذات النفوذ التي ساعدت في توطيد حكمه لثلاثة عقود لا تزال تحكم البلاد.
- يحاول حميدتي أن يصور نفسه بأنَّه الشخص الوحيد الذي يمكنه إحلال الاستقرار بالسودان، علماً بأنه يتولى قيادة قوات الدعم السريع سيئة السمعة المتورطة في جرائم حرب في دارفور.
- تتحدى مجموعات المعارضة الرئيسية والمتظاهرون المؤيدون للديمقراطية سلطة المجلس العسكري، مصرين أنَّ عليه تسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة ديمقراطياً، وهي دعوات تؤيدها واشنطن. وسعى حميدتي إلى الحصول على دعم دول الخليج وغيرها من الدول لترسيخ شرعيته في النزاع الدائر على السلطة.
حملة علاقات أخرى لحميدتي من عضو كونغرس أمريكي سابق
- بالإضافة إلى الدعم الذي حصل عليه حميدتي من شركة ضغط غربية، حصل أيضاً على دفعة علاقات عامة من عضو سابق في الكونغرس الأمريكي، وهو الجنرال جيمس موران، الذي زار السودان الأسبوع الماضي والتقى حميدتي.
- يعمل موران حالياً مستشاراً تشريعياً أول ومختصاً في الضغط في شركة McDermott Will & Emery القانونية، وتحدث أمام ما بدا حشداً في الخرطوم بعد لقائه حميدتي، وأثنى على لقائه مع الجنرال وقال إنَّه "منبهر" بكل من التقى بهم، ومن بينهم حميدتي.
- هذه الزيارة منحت حميدتي دفعةً فيما يتعلق بالعلاقات العامة، وعززت من صورته، في وسائل الإعلام الحكومية على الأقل، باعتباره مدعوماً من المجتمع الدولي. وقد أخطأ من قدموا موران للحشد في الخرطوم وقالوا إنَّه سيناتور أمريكي.
- ويُذكر أن حميدتي والطغمة العسكرية قد أغلقوا قنوات الاتصال بالإنترنت في السودان، وقد أُذيعت زيارة موران في التلفزيون الحكومي، بما يجعل خطابه هو المعلومة الوحيدة التي يمتلكها العديد من السودانيين عن موقف المجتمع الدولي من الجنرال.
- ولم يرد موران ولا مكتبه على طلبات مجلة Foreign Policy الأمريكية للتعليق، بما في ذلك أسئلة حول الهدف من زيارة حميدتي ومصدر تمويل رحلته.
- ووفقاً لرموز المعارضة السودانية ومسؤولين أمريكين سابقين على اطلاعٍ بالمداولات الداخلية، التقى موران أيضاً اتحاد المهنيين السودانيين المعارض؛ وستيفن كوتسيس، القائم بأعمال السفارة الأمريكية في السودان. ولم ترد السفارة الأمريكية على الأسئلة فيما يخص اجتماع موران بكوتسيس، إلا بالقول إنَّ موران مواطن عادي لا يمثل الحكومة الأمريكية.
نواب أمريكيون يدقون أجراس الخطر بعد صعود حميدتي
- وقد أُلغيت زيارة رسمية كانت مقررة لأعضاءٍ حاليين في الكونغرس الأمريكي، بينهم النائبة الديمقراطية كارين باس، عضوة لجنة الشؤون الخارجية، بسبب الوضع السياسي غير المستقر في السودان.
- غير أنَّ نواباً أمريكيين نافذين في واشنطن بدأوا بدق جرس الإنذار حول صعود حميدتي إلى السلطة. ففي يوم الجمعة 28 يونيو/حزيران دعا النائب الديمقراطي إليوت إنجل، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس الأمريكي، إدارة ترامب إلى فرض عقوباتٍ على حميدتي وقوات الدعم السريع لدورهم في العنف ضد المتظاهرين.
- وتأتي زيارة موران، والعقد الجديد المبرم بين حميدتي وشركة الضغط، قبيل نقطة اشتعال محتملة في الثورة السودانية. فالاتحاد الإفريقي منح حميدتي والمجلس العسكري مهلةً تنتهي في 30 يونيو/حزيران لتسليم السلطة للمدنيين.
الجيش لن يسير في المبادرة الإثيوبية
- وقد قبل اتحاد المهنيين السودانيين وغيره من الجماعات المدنية، (قوى الحرية والتغيير) في نهاية المطاف اقتراحاً من الحكومة الإثيوبية لتقاسم السلطة مع الجيش، وقد حصلت مجلة Foreign Policy الأمريكية على نسخة من الاقتراح.
- وفقاً للاتفاقية، تتولى الطغمة العسكرية رئاسة مجلس مكون من سبعة مدنيين، وسبعة مسؤولين عسكريين، ومدني واحد يتفق عليه الجانبان خلال الأشهر الثمانية عشرة الأولى من الفترة الانتقالية التي تمر بها البلاد. أما في الأشهر الثمانية عشر التالية، فيتولى شخصٌ مدني إدارة المجلس، وتُعقد بعد ذلك انتخاباتٌ وطنية. ولم يرد الجيش السوداني بعد على هذا المقترح.
- وقد صرح اثنان من المفاوضين المدنيين لمجلة Foreign Policy بأنَّهما لا يتوقعان أن يوافق الجيش السوداني على اتفاقية تقاسم السلطة، وقالا إنَّه حتى إذا وقَّعت الطغمة العسكرية على الاتفاق، فإنها لن تلتزم به. وتخطط جماعات المعارضة المدنية لمسيرةٍ مليونية في موعد الثلاثين من يونيو/حزيران الذي حدده الاتحاد الإفريقي.
- يقول كاميرون هدسون، المسؤول السابق في البيت الأبيض في إدارة جورج بوش والزميل غير المقيم في المجلس الأطلسي: "ثمة إشارات تحذيرية تُظهر أنَّ العنف يلوح في الأفق في تظاهرات الأحد. الأمور تسير في اتجاهٍ سيئ؛ والمجلس العسكري يهدد ويزداد جرأةً بسبب غياب ردٍ فعل قوي من المجتمع الدولي على تصرفاته. المجلس يرغب في منع اندلاع موجة ثانية من التظاهرات يمكنها أن تعيد الحياة إلى حركة الاحتجاج برمتها".
- ويعد دور حميدتي أمراً جوهرياً في المفاوضات الدائرة بين المدنيين والطغمة العسكرية. لكن تقول بعض القيادات في اتحاد المهنيين إنَّهم لن يقبلوا بحكومة تضم حميدتي. ويطالب الاتحاد بإجراء تحقيق في الجرائم المرتكبة في دارفور ومحاسبة المسؤولين عن المجزرة المرتكبة ضد المتظاهرين في الثالث من يونيو/حزيران. وقد أنكر الجنرال مسؤوليته عن المجزرة وقال إنَّه بدأ تحقيقاً لتحديد الجناة.