على مرِّ التاريخ الطويل الذي يُرثى له لخطط السلام بين إسرائيل وفلسطين، لم تكن التوقعات متشائمة للغاية كما هي اليوم، فحين ظهر صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر على المنصة في مؤتمر البحرين ليُدمِّر عقوداً من عقيدة كيفية حل النزاع، بدا الحل أبعد من أي وقت مضى.
إذ وُضِع اقتراح كوشنر بأيدي متشددين تجاهلوا حتى القواعد التقليدية، وكتبوا صيغةً من تأليفهم الخاص، تخدم مصالح اليمين الإسرائيلي فقط.
"حدِّدوا ثمنَ استسلامكم"
تقول صحيفة The Guardian البريطانية، إن مؤتمر ما يعرف بـ "السلام من أجل الازدهار" الذي عُقِد أمس الثلاثاء 25 يونيو/حزيران، كان هو اللحظة التي فُرِض فيها هذا الشعار الجديد، مُطالباً الفلسطينيين بتحديد ثمنٍ لاستسلامهم وإلَّا التعرُّض لخطر فقدان المزيد من الأراضي تحت إشراف الإدارة الأمريكية الأكثر خدمةً لمصالح إسرائيل على الإطلاق.
وصحيحٌ أنَّ كوشنر اعترف بأنَّ الازدهار الذي يحاول الترويج له ليس ممكناً دون "حلٍّ سياسي عادل"، لكنَّ البعد السياسي لا يبدو موجوداً على رادار الإدارة الأمريكية.
ونظراً إلى سجل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يظل من الصعب رؤية كيفية الاهتمام بذلك البُعد في الفترة المتبقية من ولايته. ففي أقل من 18 شهراً، أعلن القدس عاصمةً لإسرائيل، وقطع المساعدات الإنسانية الأمريكية لفلسطين، ودعم بناء المستوطنات، وأنهى عمل بعثاتٍ دبلوماسية في واشنطن والضفة الغربية وغزة.
وفضلاً عن ذلك، اعترف ترامب بضمِّ إسرائيل لهضبة الجولان، التي استولت عليها من سوريا قبل 52 عاماً، ويبدو الأمل في إجراء مناقشات جادة ضئيلاً.
خطط السلام هُدمت من أساساتها
وكذلك فخطط السلام القائمة منذ أمدٍ بعيد التي تعهدت الولايات المتحدة برعاية تنفيذها قد هُدِمَت، وأصبح النموذج البديل غير معروف الآن. وأصبح جلوس الفلسطينيين -الذين حيَّرهم التخلِّي عن الخطط القديمة- على طاولة المفاوضات قد يكون حلماً بعيد المنال؛ لأنَّهم لو فعلوا ذلك فسيفعلونه حينئذٍ تحت رحمة إدارة تنحاز إلى أحد الجانبين بلا خجل.
وفي السياق نفسه، فشل مسؤولو ترامب باستمرار في الالتزام بنموذج حل الدولتين، الذي دفعت مبادئه الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين إلى الاجتماع في حديقة البيت الأبيض في عام 1993، ودفعت عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك إلى الاجتماع في منتجع كامب ديفيد بعد ذلك بسبع سنوات.
وقد كانت كلتا المرتين "لحظةً حميمة" بالرغم من فشلهما، لكنَّهما قدمتا لمحةً عن التصور المحتمل للحلِّ. ومنذ ذلك الحين، لم تأتِ أي لحظةٍ مشابهة لهما أو حتى قريبة منهما، وجعلت الأبعاد السياسية والقانونية والأخلاقية الأشد تعقيداً للنزاع المستمر منذ 71 عاماً التوصُّل إلى حلٍّ أمراً مستبعداً حتى قبل فلسفة ترامب في التعامل مع العالم، التي يحاول الرئيس الأمريكي فرضها.
إذ يتبنَّى ترامب فكرة أنَّه المُجدِّد الأعلى، والزعيم الذي حرَّك نظاماً عالمياً متحجراً، وتخلَّى عن القواعد التقليدية، وتجاهل توجيهات مسؤوليه، ويتخذ قراراتٍ وفقاً لغريزته وقناعاته الشخصية نتيجةً لذلك.
كوشنر.. رجل الأعمال الذي يريد شراء حقوق الفلسطينيين
أمَّا كوشنر، فقد خلط بين دوره كمبعوث إلى الشرق الأوسط ونهجه كرجل أعمال؛ إذ يُعد مبدأ "يجب على المستهلك أن يدفع" أساسياً للطريقة التي يحاول بها تسيير أعماله في المنطقة، وغالباً ما يُسقِط من اعتباراته الحقائق الثقافية أو السياسية. فعلى سبيل المثال، يُعد الاحتلال الإسرائيلي أحد العوامل الرئيسية في بطء نمو الاقتصاد الفلسطيني، لكنَّ خطة كوشنر "لتحقيق الازدهار" لا يبدو أنَّها تدرك ذلك.
وفي ظل ضعف موقف الفلسطينين رغماً عنهم وعدم وجود الكثير في جعبتهم، يواجهون ضغوطاً هائلة كي لا يرفضوا الصفقة رفضاً قاطعاً. لكنَّهم حتى الآن لم يظهروا أي استحسانٍ لأي شيء عرضه كوشنر. وليس هناك مجالٌ كبير لتغيير رأيهم، في ظل غليان الشعب الفلسطيني، الذي انتقد مؤتمر البحرين، أمس، ووصفه بأنَّه "خيانة واستسلام".
وقد قال مسؤول بارز في منظمة التحرير الفلسطينية، في العاصمة اللبنانية بيروت: "ليس هذا ما نريده على الإطلاق، وفِعل ذلك سيكون عاراً على جبين أصحابه طوال العمر".