منحت السعودية النساء حق القيادة قبل عام، في خطوة وُصفت بالتاريخية، إذ فتحت الأبواب على مصراعيها أمام مزيد من الحريات لنساء السعودية، اللاتي عشن في ظل قوانين قمعية زمناً طويلاً. سُنَّ هذا القانون على يد الحاكم الفعلي للمملكة، ولي العهد محمد بن سلمان، الذي رفع أيضاً قيوداً أخرى كانت مفروضة على النساء؛ وهو ما أدى إلى حصوله على الثناء، لكونه مصلحاً نسوياً.
ولكن خلف حالة الاحتفاء بولي العهد تكمن إشكالات أكبر. فرغم إطلاق سراحهن للقيادة في الطرقات، لا تزال السعوديات بعد عام من رفع الحظر يخضعن لقوانين الولاية الصارمة التي تحظر عليهن اتخاذ أي قرار جوهري في حياتهن دون إذن من وليٍّ رجل.
بل إن بعض النساء اللاتي يعود لهن الفضل في النضال من أجل حقوق المرأة بالسعودية قد زُجَّ بهن خلف القضبان. وسنستعرض في هذا المقال المترجم من صحيفة New York Times الأمريكية، ملخصاً للمشهد بالسعودية منذ رفع حظر السفر عن النساء.
الرياض: عشرات الآلاف من النساء يقدن السيارات
يقول المسؤولون إن الحكومة السعودية أصدرت عشرات الآلاف من رخص القيادة للنساء السعوديات منذ العام الماضي. كما ظهرت بعض المدارس لتعليم النساء القيادة، وشاركت عشرات النسوة صوراً احتفالية لهن وهن يمسكن برخص القيادة.
وكذلك فإن شركات تصنيع السيارات قد بدأت حملات إعلانية تستهدف نساء السعودية، وصرح بعض الخبراء، بأن رفع الحظر عن قيادة السيارات يمكن أن يُحدث نقلة نوعية في قطاع السيارات بالبلاد.
وفي شهر مارس/آذار 2019، قال الجنرال محمد الباسمي، أحد كبار المسؤولين في وزارة النقل السعودية، إن 70 ألف امرأة على الأقل أصدرن رخص للقيادة، كما نقلت عنه صحيفة Saudi Gazette الناطقة باللغة الإنجليزية. وأضاف تقرير الصحيفة أن سبع مدارس لتعليم القيادة قد افتُتحت في المملكة.
رُفع حظر القيادة عن السيدات وحظِي بثناء كبير وحملة علاقات عامة ضخمة، غير أن السعودية لم تفصح إلا عن قدر يسير من الأرقام حول النمو الذي حققته قيادة النساء للسيارات في المملكة. ولم تردَّ الحكومة السعودية على طلبات الحصول على أرقام محدَّثة عن عدد النساء اللاتي يقدن السيارات، وعدد مدارس القيادة المخصصة لهن، ولم تلقَ مكالمات للإدارة العامة للمرور في المملكة أي ردٍّ.
ناشطات حقوق الإنسان ما زلن خلف القضبان
قبل أسابيع قليلة من رفع الحظر عن السفر، اعتُقلت 11 امرأة من ناشطات حقوق الإنسان، في حملة قمع واسعة. وفي الأسابيع التالية، اعتُقل مزيد من النساء، ووُجِّهت تُهم إلى عديد منهن بشأن جرائم تتعلق بنشاطهن في مجال حقوق المرأة.
أُفرج عن بعضهن بكفالة، في حين ظل البعض الآخر خلف القضبان أكثر من عام، ويتعرضن للتعذيب، كما ذكرت مجموعات حقوقية. ولا تزال عديد منهن في انتظار محاكمات محاطة بالسرية التامة.
وتقول جماعات حقوق الإنسان إنه في حين يعد من المهم الاحتفال بالإنجاز الكبير الذي حققته النساء بقيادة السيارات، فإن هؤلاء الناشطات ينبغي ألا يذهبن طي النسيان.
وقال يحيى العسيري، مدير مركز القسط لحقوق الإنسان، في بيان صادر عنه، إنه بدلاً من أن تكون الذكرى السنوية لقرار رفع الحظر سبباً في الاحتفال، فقد "أصبحت، بكل أسف، رسالة تذكير حزينة بأن عديداً من النساء اللاتي قاتلن ببسالة دفاعاً عن حقوق المرأة، وضمن ذلك حقها في قيادة السيارات، ما زلن يعاقَبن على نشاطهن".
احتُجزت لُجين الهذلول، الناشطة البارزة بمجال الدفاع عن حق المرأة في قيادة السيارة، في شهر مايو/أيار 2018، ولا تزال خلف القضبان. وقالت شقيقتها لينا الهذلول، التي تعيش في بلجيكا، إن محاكمة لُجين بدأت أخيراً بالرياض في شهر مارس/آذار 2019، رُغم أن آخر جلسة للمحاكمة جرى تأجيلها فجأة دون أسباب.
ومن بين التهم الموجهة إلى لُجين الهذلول أنها سعت إلى تقويض أمن المملكة، وهي تهمة تقول شقيقتها لينا إنها تستند إلى اتصال لُجين بصحفيين أجانب، كما أن من بين التهم الموجهة إليها أنها تقدمت لشغل وظيفة في الأمم المتحدة.
وفي هذا السياق، قالت لينا الهذلول: "أودُّ أن يتذكر الجميع أن تلك الإصلاحات لم تكن لتحدث لو لم تكن لُجين وأخريات قد عرَّضن حياتهن للخطر في سبيلها".
وأضافت: "قيادة السيارة أمرٌ رائعٌ حقاً. ولكن على الجانب الآخر، إذا تم إيقاف المناديات بالإصلاح والزج بهن في السجن وتعذيبهن، فهذا يدفعنا إلى التشكيك في جدوى تلك الإصلاحات".
السعوديات ما زلن يخضعن لقوانين ولاية صارمة
بعض الناشطات اللاتي اعتُقلن العام الماضي كنَّ يحشدن أيضاً لإنهاء قوانين الولاية في المملكة، وهي القوانين التي أبعدت النساء زمناً طويلاً عن الحياة العامة.
وقوانين الولاية هي قوانين تستند إلى التفسير السعودي المتشدد للإسلام. وبدءاً من عام 2017، صدرت سلسلة من القرارات الملكية بهدف تخفيف بعض القيود، مثل القيود المفروضة على امتلاك الشركات واستئجار العقارات، وسمحت بالاختلاط بين النساء والرجال في الأماكن العامة، مثل دُور السينما وصالات الرياضة. غير أن بعض القيود لا تزال مفروضة.
وفي ظل نظام الولاية، يكون والد الفتاة وليها الشرعي، وبمجرد أن تتزوج المرأة يصبح زوجها وليها. وإذا مات زوجها تنتقل الولاية إلى ابنها أو غيره من أقاربها الذكور. وإذا خرجت المرأة عن طوع وليها، يمكن إلقاء القبض عليها بتهمة العصيان.
لا تحتاج النساء في السعودية موافقة الولي للحصول على رخصة قيادة، غير أنهن يحتجن إذناً للزواج ودخول الجامعة والمدرسة، والتقدم بطلب للحصول على جواز سفر.
إساءات كبيرة أخرى غطت على الإصلاحات
وحتى في ظل تعهدات ولي العهد، محمد بن سلمان، "بإعادة السعودية إلى جادة الصواب وإلى الإسلام المعتدل" كما يقول، فإن المراقبين الدوليين يرون أن انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد قد أبطأت من وتيرة هذه الإصلاحات، وذلك في ظل وقوع حالات اختفاء قسري، وإنزال عقوبات مبالَغ فيها بحق نشطاء ومعتقلي رأي.
وتشير أصابع الاتهام إلى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، فيما يتعلق بمقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي بالقنصلية السعودية في إسطنبول، على يد عملاء سعوديين، وهو ما سلَّط الضوء بدوره على أسلوبه في قيادة البلاد. وقد انتهى تقرير صدر حديثاً عن الأمم المتحدة، إلى أن تدمير الأدلة بعد قتل خاشقجي "لم يكن ليحدث دون علم ولي العهد السعودي".
وقد أدانت جماعات حقوق الإنسان استمرار الحرب الدائرة في اليمن بقيادة السعودية، والتي تركت اليمن في أزمة إنسانية. وقد طالبت النيابة العامة في السعودية بإصدار حكم بالإعدام على رجل الدين الإصلاحي حسن فرحان المالكي، وهو ما أثار موجة من الإدانة. وقال مايكل بيج نائب مديرة قسم الشرق الأوسط بمنظمة هيومان رايتس ووتش، إنه لتحقيق إصلاح حقيقي، تحتاج الأسرة الملكية في السعودية السماح بِحُرية التعبير.
وقال بيج: "كثيراً ما تعهَّد محمد بن سلمان بدعم إسلام أكثر (اعتدالاً) بالسعودية، في الوقت الذي لا تزال فيه النيابة العامة تسعى لإعدام المصلحين الدينيين لمجرد تعبيرهم عن آرائهم بشكل سلمي".