قبل ساعة واحدة فقط من موعد التنفيذ، ألغى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراره بقصف إيران، متجنباً احتمال الدخول في حرب في منطقة الخليج، ولكن هل يستطيع ترامب الصمود أمام ضغوط مموليه الراغبين في الحرب مع إيران؟
فقد اقتربت الولايات المتحدة يوم الخميس الماضي 20 يونيو/حزيران على نحو خطير من مواجهة عسكرية مع إيران، بعد أن أسقطت طائرة أمريكية بدون طيار ربما تكون قد دخلت أو لم تدخل المجال الجوي لإيران.
ولكن ملابسات هذه الأزمة تعطى إنطباعاُ بأن ترامب يبدو كحمامة سلام وسط صقور أو رجل عاقل وسط مهووسين بالحرب.
إيلي كليفتون صحفي أمريكي يكتب عن تأثير المال في السياسة والسياسة الخارجية للولايات المتحدة ، كتب في مقال في موقع LobeLog الأمريكي عن النفوذ الهائل للمتبرعين المؤيدين لضرب إيران على ترامب والحزب الجمهوري، وكيف يمكن أن تؤثر تبرعاتهم على قرارات ترامب.
ترامب لم يستجب لمستشاري الحرب
ذكرت تقارير أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمر بشن ضربة عسكرية انتقامية على إيران، لكنه ألغاها بعد ذلك، وفقاً لتغريدات ترامب نفسه صباح يوم الجمعة 21 يونيو/حزيران الجاري، لأن جنرالاً أخبره أن "150 شخصاً" ربما يُقتلون إثر الضربة العسكرية.
وركزت تحليلات كثيرة لانزلاق ترامب نحو الحرب مع إيران على مستشاره للأمن القومي المتشدد جون بولتون، الذي أوردت تقارير أنه طلب من البنتاغون خيارات لنشر نحو 120 ألف جندي في الشرق الأوسط وقصف إيران بـ 500 صاروخ في اليوم.
ويعد بولتون هو أعلى صوت في البيت الأبيض يدفع باتجاه تصعيد عسكري على حساب استراتيجية "الضغط الأقصى" التي تنتهجها الإدارة.
ويؤيد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، من جهته، الوضع متعللاً بأن تفويض عام 2001 باستخدام القوة العسكرية يسمح للإدارة بشن عمل عسكري ضد إيران دون موافقة الكونغرس، وهو تفسير لرقابة الكونغرس غير عادي وانتُقد على نطاق واسع.
ولكن هل يستطيع ترامب الصمود أمام ضغوط مموليه الراغبين في الحرب مع إيران؟.. قصة المتبرع الأكبر
رغم ذلك، هناك تأثير أساسي آخر على ترامب: وهو مبلغ 259 مليون دولار الذي تبرع به عدد من كبار مؤيدي الحزب الجمهوري لدعم حملته الانتخابية عام 2016 ودعم حملات الجمهوريين في الكونغرس ومجلس الشيوخ في عامي 2016 و 2018.
وتبرع بهذه الأموال شيلدون أديلسون وزوجته ميريام، وبول سينغر وبرنارد ماركوس، الذين لم يخفوا، من خلال تصريحاتهم العلنية وتمويلهم مراكز الفكر التي تؤيد العمل العسكري ضد إيران، رغبتهم في أن تدمر الولايات المتحدة الجمهورية الإسلامية.
تبرع أديلسون، الذي يعد بالإضافة إلى زوجته ميريام أكبر المانحين لترامب والحزب الجمهوري، بمبلغ 205 ملايين دولار للجمهوريين في الدورتين السياسيتين الماضيتين وذكرت تقارير أنهما أرسلا مبلغ 35 مليون دولار إلى لجنة Future 45 Super PAC التي دعمت الحملة الرئاسية لترمب.
فدوره كأكبر ممول لحملات الجمهوريين في مجلس النواب ومجلس الشيوخ جعله حليفاً رئيسياً لترامب -الذي اعتمد على تبرعات أديلسون للحفاظ على الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ والحد من خسائر الجمهوريين في مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي لعام 2018- وأي جمهوري يسعى لتولي منصب قومي.
إنه يؤيد استخدام الأسلحة النووية، ويجعل من السياسيين دُمى في يديه
واقترح أديلسون علناً استخدام الأسلحة النووية ضد إيران وحث ترامب على استبدال مستشار الأمن القومي السابق هربرت رايموند مكماستر ببولتون، ويرجع ذلك جزئياً لعدم رغبة المستشار السابق في تبني موقف أكثر تشدداً مع إيران.
وفي عام 2017، قادت المنظمة الصهيونية الأمريكية، التي تتلقى الكثير من تمويلها من أديلسون، حملة عامة ضد مكماستر، متهمة إياه بأنه "يعارض مواقف الرئيس ترامب السياسية الأساسية تجاه إسرائيل وإيران والإرهاب الإسلامي".
وفي عام 2015، سخر ترامب من خصمه الأساسي، عضو مجلس الشيوخ ماركو روبيو (جمهوري عن ولاية فلوريدا) لسعيه للحصول على دعم مالي من أديلسون، وحذر من أن أديلسون ينتظر بعض السيطرة على المرشحين مقابل تبرعه للحملة الانتخابية. وغرَّد ترامب:
"يتطلع شيلدون أديلسون لمنح روبيو الكثير من الدولارات؛ لأنه يعتقد أن بإمكانه تشكيله إلى دميته الصغيرة. أنا موافق!".
وهناك متبرع آخر يدعم بولتون تحديداً
وأديلسون ليس وحده، فالمؤسس المشارك لشركة Home Depot، الملياردير برنارد ماركوس، يعد ثاني أكبر ممول لحملة ترامب، إذ تبرع بمبلغ 7 ملايين دولار. وهو يؤيد أيضاً جون بولتون، فقد تبرع بمبلغ 530 ألف دولار للجنة Super PAC التي أسسها بولتون منذ نشأتها.
وهو أيضاً ممول رئيسي لحملات الحزب الجمهوري، إذ تبرع بأكثر من 13 مليون دولار في حملة ترامب الرئاسية وحملات الجمهوريين في الكونغرس عام 2016 ونحو 8 ملايين دولار لجهود الحزب الجمهوري خلال انتخابات التجديد النصفي عام 2018.
ولا يوجد لدى ماركوس، مثل أديلسون، أي نية للعدول عن آرائه بشأن إيران، التي وصفها بأنها "الشيطان" في حوار على قناة Fox Business عام 2015.
أما ملياردير صناديق سينغر فكان معارضاً لترامب ولكنه الآن يروج لعقوباته
وعلى عكس أديلسون وماركوس، كان ملياردير صندوق التحوط بول سينغر "معارضاً لترامب" حتى فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية. فتبرع بمليون دولار لحفل تنصيب ترامب. ويعد سينغر أكثر حذراً لكلماته من ماركوس وأديلسون، لكن أمواله تدعم بعضاً من أكثر الخبراء والسياسيين تشدداً في مراكز الفكر في واشنطن.
وتبرع سينغر، إلى جانب ماركوس وأديلسون، بسخاء إلى "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" المتشددة، التي قضى خبراؤها العقد الماضي في الترويج لسياسات الضغط على إيران اقتصادياً وعسكرياً، بما في ذلك استراتيجية ترامب "الضغط الأقصى".
ووفقاً لقوائم أكبر الجهات المانحة لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بنهاية عام 2011، وهو العام الذي شهد تصاعداً حاداً في التوترات والشائعات عن حرب تشنها إسرائيل ضد إيران، فقد تبرع أديلسون بمبلغ 1.5 مليون دولار، وتبرع بول سينغر بمبلغ 3.6 مليون دولار، وتبرع برنارد ماركوس، مدير مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، بمبلغ 10.7 مليون دولار.
(أعلنت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات أن أديلسون لم يعد متبرعاً، ولكن ماركوس لا يزال يدعمها بسخاء، إذ تبرع بمبلغ 3.63 مليون دولار عام 2017، أي أكثر من ربع التبرعات التي تلقتها المؤسسة ذلك العام).
كان موظفو شركة سينغر، Elliott Management، ثاني أكبر مصدر تمويل لترشح توم كوتن (جمهوري عن ولاية آركنساس) لعضوية مجلس الشيوخ عام 2014، المعروف بتشدده تجاه إيران، الذي حث ترامب على شن "ضربة انتقامية" ضد إيران بسبب تعمدها الهجوم على ناقلتي نفط تجاريتين الأسبوع الماضي.
وتبرع سينغر بمبلغ 26 مليون دولار للجمهوريين في انتخابات عام 2016 و6.4 مليون دولار لحملات التجديد النصفي الانتخابية للحزب الجمهوري.
والمليارديرات الثلاثة المحرضون على الحرب هم أكبر المتبرعين في وقت تقترب فيه الانتخابات
تبرع المليارديرات المحرضون ضد إيران -أديلسون وسينغر وماركوس- بمبلغ إجمالي بلغ أكثر من 259 مليون دولار لسياسيي الحزب الجمهوري خلال الدورتين الماضيتين، ما جعلهم من أهم الممولين للحزب الجمهوري.
ولا يشمل هذا المبلغ الذي تجاوز الربع مليار دولار التبرع لمجموعات الأموال المظلمة والمنظمات غير الربحية مثل مراكز الفكر ومنها مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات.
يقول الكاتب: تحصر التغطية الإخبارية لانزلاق ترامب نحو الحرب النقاشات في إطار منافسة بين أفضل غرائزه ومستشاره للأمن القومي ووزير خارجيته، اللذين يؤيدان العمل العسكري بدرجات متفاوتة.
لكن مبلغ الـ 259 مليون دولار الذي ساعد في انتخاب ترامب وأصدقائه من الجمهوريين لابد أنه سيلوح في الأفق أمام الرئيس.
وفي الوقت الذي يقيِّم فيه ترامب خياراته مع إيران ويحول انتباهه إلى انتخابات عام 2020، فإنه يعلم أنه سيحتاج إلى الاعتماد على أديلسون وسينغر وماركوس لدعم حملته والحفاظ على أغلبية ضئيلة في مجلس الشيوخ مع محاولة استعادة مجلس النواب.
وأظهر هؤلاء الممولون آراءهم السياسية تجاه إيران بشكل واضح. ولكن من المؤكد أنهم ينتظرون مقابلاً لاستثماراتهم في حزب ترامب الجمهوري.