الربيع العربي وإسرائيل والهند.. لماذا تبدو قطر أقرب لباكستان من السعودية؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/06/24 الساعة 12:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/24 الساعة 12:45 بتوقيت غرينتش
نتائج مهمة لزيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى باكستان/ رويترز

اكتسبت زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى باكستان التي اختتمت، الأحد 23 يونيو/ حزيران 2019، أهمية خاصة جراء تزايد التحديات السياسية والعوامل الأيديولوجية التي تدفع البلدين للتقارب في ظل تغيرات واسعة للتحالفات في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا، تجعل التقارب الباكستاني القطري ضرورياً للطرفين.

وعقب انتهاء الزيارة مباشرة، أعلنت الحكومة القطرية، اليوم الإثنين 24 يونيو/حزيران 2019، عن تعهدات باستثمارات جديدة على شكل ودائع واستثمارات مباشرة لباكستان، تبلغ 3 مليارات دولار.

وقال وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إن الاستثمارات جاءت بتوجيه من الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، عقب زيارته لباكستان.

وأضاف آل ثاني، في تصريحات لوكالة الأنباء القطرية (قنا)، أن "الدعم القطري يأتي بعد زيارة الأمير إلى باكستان، ليؤكد على عُمق العلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين".

ولفت إلى "أنه بهذا الإعلان عن حزمة الاستثمارات الجديدة اليوم، فإن حجم الشراكة الاقتصادية القطرية-الباكستانية سيبلغ 9 مليارات دولار".

اللجوء السياسي في قطر
العلاقات بين قطر وباكستان قديمة ووثيقة

وخلال الزيارة التي استمرت اليومين، شهد الشيخ تميم ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، توقيع عدد من مذكرات التفاهم في المجالين الاقتصادي والمالي.

ويرتبط البلدان بعلاقات قوية، حيث وقَّعا على اتفاقيات عدة لتعزيز التعاون العسكري، تشمل انتداب جنود باكستانيين إلى قطر في العام 1985، والتعاون الدفاعي عام 2010، ومذكرة تفاهم لأنشطة البحث والتعاون الأكاديمية في العام 2016.

وقدمت باكستان المساعدة للقوات الجوية القطرية في تدريب عناصرها في قطر، كما خضع عدد من الطيارين القطريين لدورات أساسية ومتقدمة في مختلف مؤسسات سلاح الجو الباكستاني.

كسر للبروتوكول وتبادل للهدايا

وفي إشارة للحفاوة والترحاب اللذين خصَّ بهما رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان ضيفه القطري، تجاوز خان إجراءات البروتوكول المعمول بها باصطحاب الشيخ تميم بن حمد في سيارته وقيادتها بنفسه، وذلك بعد استكمال مراسم الاستقبال لدى وصول الوفد القطري.

في المقابل، أهدى أمير قطر، رئيس وزراء باكستان عمران خان، قميص فريق قطر"العنابي" للكريكيت، على هامش زيارة الأمير للعاصمة إسلام آباد.

وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو، يظهر خلاله أمير قطر، وهو يهدي رئيس الحكومة الباكستانية قميص "العنابي" للكريكيت وعليه اسم "عمران خان".

ووقَّع رئيس الوزراء الباكستاني على مضرب لعبة الكريكيت الخاص بالاتحاد القطري للرغبي والهوكي والكريكيت كتذكار.

كما منح الرئيس الباكستاني عارف علوي أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وسام "نيشان باكستان"، وهو أعلى وسام مدني في باكستان، تعبيراً عن عمق العلاقات التاريخية بين قطر وباكستان.

لماذا يبدو التقارب الباكستاني القطري ضرورياً للطرفين؟

تعاني باكستان من أوضاع مالية صعبة وعجزاً في موازنة العام الجاري، دفعها للتقدم للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي.

ورغم أن رئيس الوزراء الباكستاني حاول تعزيز علاقته مع المملكة العربية السعودية، وحصلت بلاده على وعود بالمليارات من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، فإنه ظل حريصاً على حياد بلاده تجاه الخلاف القطري السعودي الإماراتي.

معضلة في العلاقات التاريخية بين باكستان والسعودية

والواقع أن العلاقة التاريخية بين باكستان والسعودية تواجه عراقيل كبيرة ومستجدة ترتبط بالتوجهات السياسية التي استحدثها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

فمنذ خروج الدولتين باكستان والسعودية للنور وكانت نشأتهما متشابهة في أنها تقوم على الدين أكثر من أي دولة أخرى في العالم الإسلامي (على الأقل قبل اندلاع الثورة الإسلامية في إيران).

ظهرت باكستان باعتبارها دولة مسلمي شبه القارة الهندية، وقدمت السعودية نفسها باعتبارها دولة الإسلام الصحيح في الجزيرة العربية والعالم كله أحياناً.

ولكن اليوم تناصب السعودية الإسلامَ السياسي ولاسيما الإسلام السياسي المعتدل العداء، ووصل الأمر إلى أن الرياض وأبوظبي تتحالفان مع قوى معروف عنها تطرفها ضد الإسلام بصفة عامة، بدءاً من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مروراً بتمويلهما للأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، وصولاً إلى تعزيز العلاقة مع رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي الذي يُنتقد في بلاده وعالمياً بسبب مواقفه من المسلمين في الهند.

الهند تنشد استثمارات سعودية لتعزيز احتياطاتها من النفط.. الخليج يساعد نيودلهي بعد باكستان رغم التوترات بين الجارتين
استقبال حافل لولي العهد السعودي في الهند من رئيس وزراء يوصف بأنه معاد للمسلمين

وبالنسبة لباكستان، فإن الحفاوة المبالغ بها التي أظهرها مودي الذي خرج عن البروتوكول الحكومي المعتاد، ليستقبل شخصياً الأمير محمد بن سلمان في نيودلهي، في 19 فبراير/شباط 2019 هي أمر مثير للقلق وأحياناً للاستفزاز.

والأهم أن الرياض ومعها حليفتها الأصغر أبوظبي تبدو أنها توزع تأييدها للحكم العسكري في كل مكان من مصر إلى ليبيا والسودان، وعمران خان هو رئيس وزراء منتخب في بلد جأر بالشكوى من انقلابات الجنرالات.

كما أن باكستان وحتى قبل تولي عمران خان السلطة نأت بنفسها  عن حرب اليمن رغم علاقتها العسكرية الوثيقة مع السعودية، وحرص الأخيرة على الزج بها في أتون هذه الحرب منذ البداية عبر الإعلان أن باكستان جزء من التحالف الإسلامي الذي يحارب في اليمن وهو ما نفته إسلام أباد.

كل هذه النقاط الخلافية تعزز الفوارق بين المملكة وباكستان، وتقرب الأخيرة من قطر.

في المقابل، فإن رؤية رئيس الوزراء عمران خان لباكستان والعالم الإسلامي الأوسع -وخاصة إشارته الحثيثة إلى إنشاء دولة الرفاه الإسلامية- تنسجم كلية مع موقف قطر، وتتنافر تماماً مع السعودية والإمارات.

وكل من قطر وباكستان تتشاركان في الالتزام العميق بقضايا العدالة الاجتماعية التي تدفع في اتجاه التعددية السياسية والحرية التي طالبت بها ثورات الربيع العربي.

حلفاء السعودية يقلقون باكستان

كما أن باكستان من الطبيعي أن تقلق لعلاقة كل من الإمارات والسعودية مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وكلتاهما حقيقة تريان باكستان بين أخطر التهديدات لهيمنتهما. ولهذا السبب؛ فإن هذه الشراكة مقلقة جداً لباكستان.. حتى إنها خطيرة.

ففي المخيلة الإسرائيلية تمثل باكستان دوماً خطراً خاصاً، لأنها الدولة الإسلامية الوحيدة النووية، كما أن الطابع الإسلامي جزء من تكوين الدولة.

وباعتبارها القوة النووية الوحيدة في العالم الإسلامي؛ تتعرض باكستان لتهديدات مستمرة وحقيقية تستهدف هذه القوة، لا سيما أن الولايات المتحدة قد طورت -بشكل أحمق وغير قابل للتنفيذ عملياً- في حالات الطوارئ قدرتها على تخريب قدرات باكستان النووية/العسكرية، حسبما يقول فرحان مجاهد شاك أستاذ مشارك في العلوم السياسية بجامعة قطر.

العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز خلال استقباله وزير خارجية أمريكا، مايك بومبيو / رويترز

فبالنسبة لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل والهند، تُعد القدرات العسكرية الباكستانية تهديداً استراتيجياً كبيراً، وليس مرجحاً تغيُّر هذه السياسة في الأمد القريب.

لذا لم يكن غريباً أنه خلال الستينات كانت الأنظمة العربية الاشتراكية مثل نظام الرئيس جمال  عبدالناصر في مصر تحتفي بالهند المناهضة للإمبريالية.

ولكن في الوقت الحرج للعرب، فإن باكستان التي كانت تُتهم بالولاء للاستعمار هي التي أرسلت طياريها للمشاركة في القتال إلى جانب نظرائهم العرب ضد إسرائيل بعد هزيمة 1967.

واليوم مع رفض باكستان الانخراط في أنشطة المحور الإماراتي السعودي الذي يغازل إسرائيل، والاندفاعة في العلاقات السعودية الهندية، وتشابه النظرة السياسية الباكستانية القطرية، يبدو التقارب القطري الباكستاني حتمياً.

علامات:
تحميل المزيد