ليس فقط الفلسطينيون هم الغاضبون من صفقة القرن بل الإسرائيليون أصبح لديهم ما يدعو للقلق منها أيضاً.
فقبل أيام فقط من افتتاح مؤتمر الشرق الأوسط الذي ترعاه الولايات المتحدة في البحرين، ودون الكثير من الصخب، كشفت إدارة ترامب أمس السبت 22 يونيو/حزيران عن العنصر الاقتصادي في خطتها لتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين على الموقع الإلكتروني للبيت الأبيض. وهي الخطة نفسها التي يعمل عليها جاريد كوشنر صهر الرئيس دونالد ترامب، وجيسون غرينبلات، مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط، منذ أكثر من عامين.
وخلاصة القول هي أن الخطة الاقتصادية الأمريكية التي ستُقدَّم هذا الأسبوع في اجتماع السلام من أجل الرخاء في البحرين، بعيداً عن التكلفة الإجمالية، 50 مليار دولار على وجه التحديد، تحمل بعض المفاجآت حول سياستها، وخلافاً للتوقعات، لن يلقى بعضها ترحيباً حاراً من حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حسبما ما ورد في تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
ما الذي أغضب الإسرائيليين من صفقة القرن؟
فوجئ عدد كبير من المسؤولين الإسرائيليين بخطط إدارة ترامب لربط الضفة الغربية وقطاع غزة جغرافياً عبر أراضٍ إسرائيلية بعد سنوات من ممارسة سياسة واضحة ومدروسة قائمة على مبدأ "فرق تسد".
ويرى مسؤولون إسرائيليون أيضاً أن بعض المقترحات الأخرى، في مجال التكنولوجيا والتعليم، على سبيل المثال، غير واقعية بالنظر إلى حقيقة أن الولايات المتحدة لا تمول في الوقت الحالي حتى المشاريع الإنسانية الأبسط والأكثر ضرورة، مثل محطة تحلية المياه في غزة، التي يمولها الجزء الأكبر منها الآن دافعو الضرائب الأوروبيون.
وقال البعض حول رد الفعل الأولي على المقترح الأمريكي المطبوع الملون إن ما يسمى بـ"صفقة القرن تقفز مائة خطوة للأمام"، ولكن في الواقع، كان هذا هو المقصد بالضبط. فلا جدوى من تحليلها من وجهة نظر براغماتية أكثر من اللازم.
إنها رؤية مستقبلية هدفها تقديم إغراءات للفلسطينيين فقط
إذ أن الفكرة برمتها، مثلما قال غرينبلات نفسه عدة مرات في الماضي، هو تقديم "رؤية" للفلسطينيين.
وقال إن الهدف هو إيصال رسالة إلى الشعب الفلسطيني وقيادته مفادها أنه إذا تم التوصل إلى اتفاق سياسي، فإليكم ما يمكن أن يحدث، وإليكم العديد من الأشياء العظيمة التي يمكن للفلسطينيين الاستفادة منها.
وقال إنه إذا لم يتم التوصل إلى أي اتفاق، فإن الهدف هو أن يفهموا الصراع فهماً أفضل، وأن يمكنوا الناس من الحلم، على حد تعبيره، بما يمكن تحقيقه لتغيير الوضع الحالي.
بمعنى آخر، ينبغي تحليل الخطة باعتبارها سيناريو مقترحاً لمستقبل أفضل وليس وصفاً للمستقبل القريب. لقد حرص المسؤولون الأمريكيون على الإشارة إلى أن الجانب الاقتصادي ليس سوى أحد جانبيّ الخطة، وأن الجانب السياسي سيُطرح بعد انتخابات 17 سبتمبر/أيلول في إسرائيل.
الجزرة لتمرير الجزء الأكثر إشكالية.. ولكن كوشنر يقول إنها ليست رشوة
والمقصد هو أن ضخ الأموال لن يكون مهماً إلا إذا قبل الجانبان أيضاً الجزء الثاني، الذي يتطلب على ما يبدو تنازلات أصعب. وإذا سارت الأمور على هذا النحو، فسيصبح الجزء الاقتصادي من الخطة هو الجزرة التي ستُقدَّم إلى الجانب المتعنت قبل العصا.
ومع ذلك، يصر مسؤولو الإدارة الأمريكية -في مواجهة الانتقادات الأولية ضدهم- على أنهم لا يحاولون رشوة الفلسطينيين.
فعلى خلفية الانتقادات بأن هناك تركيز كبير أكبر من اللازم على الجوانب الاقتصادية على حساب التطلعات الوطنية للفلسطينيين، تبدأ الخطة بالعبارة التالية، ضمن عبارات أخرى: "ومع ذلك فإن القصة الفلسطينية لن تنتهي هنا. إذ سيواصل الشعب الفلسطيني مساعيه التاريخية لتحقيق تطلعاته وبناء مستقبل أفضل لأطفاله".
والفكرة الأساسية هي تجاهل القيادة الفلسطينية وإغراء الأفراد وفقاً للنموذج الأمريكي
من المنظور العام، يبدو أن الخطة المطبوعة والمعلومات المنشورة على موقع البيت الأبيض تعكس رغبة في توجيه نداء مباشر إلى قلوب الفلسطينيين أنفسهم فيما تتجاهل القيادة وتطرح رؤية لمستقبل أكثر إشراقاً يعتمد اعتماداً رئيسياً على استعدادهم للتعاون. وهي الممارسة التي تعد ضمن أفضل ما النموذج الرأسمالي الأمريكي، والتي تربط رخاء الأفراد في المقام الأول بتصرفاتهم.
وتحوي هذه الوثيقة أيضاً تفاصيل عن مجموعة المقترحات نفسها. فبالإضافة إلى الربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة، فهي تصف الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية بما في ذلك مرافق المياه والكهرباء، من النوع الذي لا تموله الولايات المتحدة حالياً وهناك مخاوف من انهيار المنشآت القائمة.
وتجاهلوا فكرة إنشاء مطار غزة رغم أنها في صلب المفاوضات الحالية
وتطرح الخطة أيضاً تفاصيل حول الاستثمار في التعليم العالي، وإنشاء مناطق صناعية وحوافز لقطاع الأعمال الخاص. ويقترح الأمريكيون أيضاً تطوير المعابر الحدودية مع مصر والأردن. من ناحية أخرى، لم يأتوا على ذكر بناء مطار في قطاع غزة، رغم أن مثل هذا المقترح يظهر في الخطط الحالية للهدنة طويلة الأجل بين إسرائيل وحماس بقيادة الوساطة المصرية.
وفي ردود فعلهما الأولية على المقترح الأمريكي، استجابت القيادة الإسرائيلية والفلسطينية كما هو متوقع ( أي بالرفض).
إذ لم يكن لدى نتنياهو أي سبب للرد، بعد أن اتخذ موقفاً مؤداه أن الفلسطينيين قد عطلوا بالفعل جهوداً في الماضي، في حين امتدح ودعم صديقه الحميم في واشنطن، الرئيس، الذي أكد له نتنياهو أن إسرائيل مستعدة للاستماع إليه.
والفلسطينيون يعلمون مصير الخطة
ومن وجهة النظر الفلسطينية، لا يوجد ما يمكن الحديث عنه عندما يتعلق الأمر بالقضايا الاقتصادية حتى ينتهي الاحتلال الإسرائيلي ويُمنح الفلسطينيون دولة مستقلة ذات سيادة.
وفي ظل هذه الظروف، من المنطقي أن نفترض أن هذه الرؤية ستبقى مجرد رؤية وأن الخطة المطبوعة ستنضم إلى سابقاتها في ركن مُهمَل.
فالخطة سيكون مصيرها الفشل كسابقاتها.
وقال كوشنر إن بعض المسؤولين التنفيذيين من قطاع الأعمال الفلسطيني أكدوا مشاركتهم في المؤتمر ولكنه امتنع عن كشف النقاب عنهم.
وقال رجال أعمال في مدينة رام الله بالضفة الغربية لرويترز إن الغالبية العظمى من أوساط قطاع الأعمال الفلسطيني لن تحضر المؤتمر.
وتعلق الصحيفة الإسرائيلية على طريقة الإعلان عن الخطة قائلة "كان من الممكن أن يكون مفيداً لو أن شخصاً في البيت الأبيض اهتم بإصدار نسخة باللغة العربية، إلى جانب المنشورة باللغة الإنكليزية. لكنهم يعدون أن ذلك سيحدث قريباً، لكن في الوقت نفسه تستعد واشنطن لمناقشة تفاصيل الخطة في البحرين الأسبوع المقبل. ومعظم أولئك الذين تلقوا دعوة لحضور المؤتمر، مثلما يمكن للمرء أن يفهم الآن، يملكون الكثير من الأموال.
فلسطين ليست للبيع
ورفض مسؤولون فلسطينيون المقترحات التي كشف النقاب عنها جاريد كوشنر صهر الرئيس دونالد ترامب بإقامة مشروعات بتكلفة ضخمة لتمثل الشق الاقتصادي لخطة إدارة ترامب للسلام في الشرق الأوسط والتي طال انتظارها.
وقالت حنان عشراوي المسؤولة البارزة بمنظمة التحرير الفلسطينية إن خطط كوشنر كلها مجرد "وعود نظرية" مشيرة إلى أن الحل السياسي فقط هو الذي يحل الصراع.
وكانت حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة أكثر وضوحاً بالقول "فلسطين ليست للبيع".
وقال مسؤولون أمريكيون ووثائق راجعتها رويترز إن خطة إدارة الرئيس دونالد ترامب الاقتصادية للسلام في الشرق الأوسط التي يبلغ حجمها 50 مليار دولار تدعو لإقامة صندوق استثمار عالمي لدعم اقتصاديات الفلسطينيين والدول العربية المجاورة وبناء ممر بتكلفة خمسة مليارات دولار يربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويعرض كوشنر خطة "السلام من أجل الازدهار" في مؤتمر دولي بالبحرين خلال أيام.
وقال كوشنر لرويترز إنه ينبغي للزعماء الفلسطينيين دراسة الخطة.
وأضاف "تلك ستكون 'فرصة القرن' إذا كانت لديهم الشجاعة للالتزام بها"
إذا كان يهتمون بالاقتصاد فليرفعوا الحصار عن غزة
لكن عشراوي وهي مفاوضة فلسطينية مخضرمة وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية قالت إن الحل السياسي الذي ينهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية هو فقط الذي سيحل الصراع.
وفي تصريحات لرويترز عبر الهاتف من رام الله بالضفة الغربية قالت عشراوي "إن كانوا يهتمون حقاً بالاقتصاد الفلسطيني فعليهم أن يبدأوا برفع الحصار عن غزة، ومنع إسرائيل من سرقة أموالنا ومواردنا وأراضينا وفتح مياهنا الإقليمية ومجالنا الجوي وحدودنا حتى نتمكن من الاستيراد والتصدير بحرية".
وقالت إن موقف إدارة ترامب "نهج خاطئ بالمرة" مضيفة "بوسعهم إنهاء الاحتلال وهو أهم شرط للازدهار. لا يمكن تحقيق الازدهار تحت الاحتلال".
إنها أرض مقدسة
لكن وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز قال إن الخطة تبدو واعدة.
وقال الوزير في تصريحات تلفزيونية "ما نشر حتى الآن يبدو جيداً أو حتى جيداً جداً. نحن دوماً نؤيد تطوير الاقتصاد الفلسطيني، وإنهاء الأزمة الإنسانية في غزة، وتوفير الازدهار الاقتصادي في المناطق الفلسطينية".
لن يحضر المؤتمر أي مسؤول فلسطيني من منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية التي يرأسها الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وذكر البيت الأبيض أنه قرر عدم توجيه دعوة للحكومة الإسرائيلية نظراً لعدم مشاركة السلطة الفلسطينية.
وستشارك عدة دول خليجية، ومنها السعودية، في المؤتمر الذي يقام يومي 25 و26 يونيو/حزيران 2019.
وفي غزة، رفض إسماعيل رضوان المسؤول في حماس مقترحات كوشنر.
وقال رضوان لرويترز "نحن نرفض صفقة القرن بكل أبعادها الاقتصادية والسياسية والأمنية".
وأضاف "قضية شعبنا الفلسطيني هي قضية وطنية، هي قضية شعب يريد أن يتحرر من الاحتلال، فلسطين ليست للبيع وهي ليست قابلة للمساومة، فلسطين أرض مقدسة وليس أمام الاحتلال إلا الرحيل".