لا صوت يعلو الآن بين السياسيين في العالم فوق الأزمة الحالية بين إيران وأمريكا عقب إسقاط طهران لطائرة تجسس أمريكية دون طيار قيمتها تتجاوز 200 مليون دولار، فيما لم تحسم وأشنطن موقفها في كيف سترد على هذا الموقف.
لكن ما حدث من إسقاط طائرة تجسس كان هو الخيار الأسهل بالنسبة لإيران وقد يكون الأكثر أماناً أيضاً بعدما كشف الحرس الثوري الإيراني أن طائرة عسكرية من طراز بي 8 كانت تقل على متنها 35 شخصاً كانت ترافق طائرة التجسس التي سقطت.
إيران لا تريد قتل الجنود
قائد بالحرس الثوري الإيراني قال الجمعة 21 يونيو/حزيران 2019 إن طهران امتنعت عن إسقاط طائرة أمريكية على متنها 35 شخصاً كانت ترافق الطائرة المسيرة التي تم إسقاطها في الخليج.
ونقلت وكالة تسنيم للأنباء عن أمير علي حاجي زادة قائد القوة الجوية بالحرس الثوري قوله "كانت هناك طائرة أمريكية من طراز بي-8 على متنها 35 شخصاً مع الطائرة المسيرة في المنطقة. هذه الطائرة دخلت أيضاً مجالنا الجوي وكان من الممكن أن نسقطها لكننا لم نفعل".
لو صح هذا الموقف الذي أعلنته إيران فإن طهران لا تريد التصعيد الكبير الذي قد ينذر بحرب شاملة مع واشنطن، فيما تحاول أيضاً الولايات المتحدة الرد لكن مع عدم التصعيد، فقد كشفت إدارة ترامب أنها أرسلت رسالة إلى إيران عبر سلطنة عمان حول اعتزام ترامب قصف مواقع في إيران لكن الأمر لن يصل إلى الخسائر البشرية.
ترامب تراجع عن الضربة مؤقتاً
الإدارة الأمريكية تراجعت عن توجيه ضربة ترد فيها على إيران، بحسب ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز فإن ترامب وافق على توجيه ضربات عسكرية لإيران الجمعة لكنه تراجع عن التنفيذ في اللحظات الأخيرة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين كبار بالإدارة شاركوا في المناقشات أو اطلعوا عليها قولهم إن ترامب وافق في البداية على ضرب بضعة أهداف كأجهزة رادار وبطاريات صواريخ.
وأضافت أنه كان من المقرر تنفيذ الضربات قبيل فجر اليوم الجمعة لتقليل الخطر على العسكريين أو على المدنيين.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول كبير بالإدارة قوله إن الطائرات كانت محلقة والسفن كانت في مواقعها، لكن لم تنطلق أية صواريخ عندما صدر لها أمر بالمغادرة.
يبدو أن كلا الطرفين لا يريد الدخول في حرب شاملة رغم وجود أطراف داخل إدارة ترامب أمثال جون بولتون مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية مايك بومبيو اللذين يدفعان إلى توجيه ضربة عسكرية لإيران، لكن البنتاغون لم يشاطرها الرأي على ما يبدو حتى الآن.
أيضاً في نفس السياق يبدو أن الإدارة الأمريكية باتت في موقف حرج الآن فالضربة التي وجهت لطائرتها التي تعد واحدة من 4 طائرات فقط تعد إهانة لابد أن تمحيها واشنطن في نفس الوقت عدم قدرتها على فهم السلوك الإيراني ورد الفعل المتوقع من قبل الحرس الثوري إذا ما أقدم البنتاغون على قصف مواقع إيرانية، فلذلك حاولت أن تمهد لضربة محدودة تستهدف نقاطاً عسكرية خالية من العسكريين حتى لا تتصاعد الأمور، لكن طهران لم توافق على هذا الطرح وأبلغت السفير السويسري في طهران بردها.
رجل الأعمال له حساباته
ثمة أمر آخر له علاقة بالرئيس الأمريكي، فترامب لا يريد الحرب مع إيران لأسباب تتعلق بالشق الاقتصادي من ناحية وبانتخابات الرئاسة الأمريكية العامَ القادم من ناحية أخرى. فالمواجهة العسكرية، بغض النظر عن محدوديتها أو كونها حرباً مفتوحة، ستكون لها عواقب اقتصادية خطيرة؛ حيث إنه على الأرجح فإن الملاحة في مضيق هرمز ستتأثر إن لم تتوقف بالكلية، وهو ما يعني ارتفاع أسعار النفط بصورة كبيرة ستؤثر قطعاً على الاقتصاد العالمي بشكل عام.
بما أن ازدهار الاقتصاد الأمريكي هو الورقة الرابحة التي يلعب بها ترامب، وكان ذلك واضحاً في إعلانه الترشح لولاية ثانية الثلاثاء الماضي، الدخول إذاً في مواجهة عسكرية مع إيران وانعكاسات ذلك على الاقتصاد ربما يحرق تلك الورقة ويجعل فرص إعادة انتخابه محل شك كبير.
انعكاسات تلك الحرب على حلفاء واشنطن في الخليج ليست أيضاً بعيدة عن الحسابات، فإيران سوف تستهدف بشكل أكبر مصالح السعودية والإمارات سواء بشكل مباشر أو من خلال وكلائها في اليمن والعراق وسوريا، إضافة للحليف الأبرز إسرائيل الذي ذكرت وسائل إعلامية هناك اليوم أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ربما يكون اتصل بترامب ليثنيه عن الضربة العسكرية المحدودة بسبب مشاكله (نتنياهو) الداخلية.
كل هذه العوامل والاعتبارات تجعل من الصعب بل المستحيل توقُّع ماذا قد يكون قرار ترامب في النهاية للتعامل مع هذا الصراع المعقد، فعقوباته الاقتصادية حشرت إيران في الزاوية وجعلتها تسعى للتصعيد العسكري الذي لا يريده ترامب، الذي يحمل عقلية رجل الأعمال الذي يحسب الخسائر والأرباح قبل أي قرار، وهو محاط بصقور وحلفاء يدفعونه دفعاً للمواجهة العسكرية.
إيران ترفض التفاوض تحت الضغط، أو على الأقل هذا ما تعلنه، وترامب لن يخفف الضغط قبل أن ترضخ طهران لشروطه.