محمد بن سلمان بحاجة إلى الدعم الأمريكي الآن وفي المستقبل.. فما سرُّ التمرد عليها والانفتاح على الصين وروسيا؟

منذ تولِّي العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز، ونجله محمد، مقاليد الحكم في البلاد مطلع عام 2015، شهدت العلاقات بين المملكة وكل من الصين وروسيا تطوراً متسارعاً، وصولاً إلى كشف تقارير أمريكية مؤخراً، عن تعاون عسكري غير مسبوق بين الرياض وبكين.

عربي بوست
تم النشر: 2019/06/20 الساعة 12:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/20 الساعة 16:13 بتوقيت غرينتش

منذ تولِّي العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز، ونجله محمد، مقاليد الحكم في البلاد مطلع عام 2015، شهدت العلاقات بين المملكة وكل من الصين وروسيا تطوراً متسارعاً، وصولاً إلى كشف تقارير أمريكية مؤخراً، عن تعاون عسكري غير مسبوق بين الرياض وبكين.

حصل البيت الأبيض على معلومات استخبارية، مفادها أن الرياض بدأت تسريع خطوات إنشاء برنامج للصواريخ الباليستية بدعم من بكين، "بما يصطدم مع مساعي واشنطن خلال العقود الماضية للحد من الانتشار الصاروخي في المنطقة"، بحسب ما كشفته شبكة "سي إن إن" الأمريكية.

صفقات كبيرة مع الصين.. والحديث عن قنبلة نووية

وأوضحت الشبكة في تقرير نشرته بتاريخ 5 يونيو/حزيران الجاري، أن المملكة وسّعت البِنى التحتية وطورت القدرات التكنولوجية المتعلقة بالصواريخ البالستية، من خلال صفقات كبيرة مع الصين، وأن المصادر الاستخبارية ربطت ذلك بمسار محاولة الرياض الحصول على قنبلة نووية.

ويعد تقديم بكين الدعم في البِنى التحتية والقدرات التكنولوجية تطوراً كبيراً في العلاقات الثنائية، إذ إن السعودية تعد زبوناً للصواريخ الباليستية الصينية، لا سيما منذ 2007، إلا أن الخطوة الحديثة تعكس توجهاً نحو نوع من "الشراكة"، بمدى يتجاوز بكثير عقود البيع والشراء.

ملامح التمرُّد السعودي على أمريكا

يشار إلى أن الولايات المتحدة سبق أن فرضت عقوبات على مساعي الصين، تصدير قدرات إنتاج تلك الصواريخ إلى باكستان خلال التسعينيات، إذ إن انتشارها يشكل حساسية ويحتل قدراً كبيراً من الاهتمام في السياسة الخارجية الأمريكية، وهو ما يعني أن الرياض تتجاوز بخطوتها هذه أحد "خطوط واشنطن الحمراء".

في الواقع، لم يكن ذلك الأخطر بالنسبة إلى الولايات المتحدة في سياق التقارب السعودي الصيني، إذ إن البلدين بدآ خلال السنوات الأخيرة الحديث بشكل جاد عن استخدام "اليوان" و"الريال" بدل "الدولار" في التعاملات التجارية بينهما (47.4 مليار دولار في 2017)، وهو ما يهدد مكانة العملة الأمريكية على الساحة الدولية.

إضافة لذلك، كان التحرك السعودي على أعلى مستوى، فكان الملك سلمان أول عاهل سعودي يجري زيارة رسمية إلى الصين، وذلك في مارس/آذار 2017، حيث وقّع الجانبان اتفاقيات بأكثر من 65 مليار دولار، بينها إنشاء مصنع صيني للطائرات العسكرية من دون طيار في المملكة، وهو ما جاء بعد رفض واشنطن تقديم هذه التكنولوجيا للرياض، بحسب ما أشارت "واشنطن بوست" مطلع العام الجاري.

وبعد بكين، أجرى الملك سلمان زيارة "تاريخية" أخرى، هذه المرة إلى موسكو، في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، رغم المواجهة غير المباشرة بين البلدين في سوريا، والصراع على أسواق النفط، فضلاً عن العداء إبان الحرب الباردة، لا سيما في مرحلة حرب أفغانستان (1979ـ 1989)، التي دعمت فيها المملكة "المجاهدين" ضد الاتحاد السوفييتي.

وفي موسكو، وقّع البلدان عدة اتفاقيات، كان للتسليح نصيب الأسد منها، بأكثر من 3 مليارات دولار، وبدا فيها بوضوح تركيز السعودية على توطين التكنولوجيا الدفاعية الروسية، والحصول على منظومة "إس 400" الدفاعية، وهي ذاتها التي ترفض واشنطن "بعنف" حصول تركيا عليها.

كما بدأ البلدان أيضاً التنسيق عن قرب لضبط أسعار النفط في الأسواق العالمية عند مستويات مرتفعة، وهو لا يزال مستمراً رغم مطالبات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخفض الأسعار، ومهاجمته المستمرة لدور منظمة "أوبك"، التي تحظى الرياض بنفوذ كبير فيها.

توالت بعد ذلك مؤشرات التقارب بين المملكة وروسيا، وليس آخرها موقف الرئيس فلاديمير بوتين الداعم لمحمد بن سلمان، في قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، داخل قنصلية الرياض في إسطنبول مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2018.

ميزان العلاقات مع واشنطن

تثير تلك التطورات العديد من التساؤلات حول الخلفيات والمآلات، لا سيما في ضوء "الشراكة الاستراتيجية" التي تجمع السعودية والولايات المتحدة، ومساعي المملكة الحثيثة في السنوات الأخير لتوطيدها.

ورغم أن الولايات المتحدة ليست أكبر مستوردي النفط السعودي، مصدر الثروة الأساسي للبلاد، فإنها تعد الضامن لوصوله الأسواق العالمية، فضلاً عن موقع واشنطن الأساسي في معادلة الأمن القومي للمملكة، الذي ظهر في العديد من الأحداث الساخنة خلال العقود الماضية.

بل إن تلك الشراكة اتخذت شكل التحالف الاستراتيجي إبان الحرب الباردة، حيث عملت الرياض بشكل مباشر مع واشنطن ضد نفوذ موسكو في المنطقة، ويعود الحديث اليوم إلى إعادة إنتاج ذلك التحالف في سياق مواجهة نفوذ إيران.

الخلاصة 1: أكثر من ذلك، فقد أشارت عدة تقارير، تحديداً بعد تسمية محمد بن سلمان ولياً للعهد منتصف 2017، أن تولي الأخير العرش خلفاً لأبيه، يواجه اعتراضات واسعة في أروقة الأسرة الحاكمة، وأنه يسعى إلى ضمان الدعم الأمريكي في مواجهة منافسيه، بما في ذلك -ربما- تقديم تنازلات غير مسبوقة في ملفات عربية حساسة، لا سيما القضية الفلسطينية، كما أشار تقرير نشرته "فورين بوليسي" في مارس/آذار الماضي.

بموجب تلك الحسابات، فإن العلاقات بين الجانبين يفترض أن تكون حالياً في أوجها، فضلاً عن عدم استعداد الرياض للتفريط بها بحال من الأحوال، وهو ما يضع جميع خطوات تقارب الأخيرة مع بكين وموسكو في خانة "التكتيك"، أكثر من كونها توجهاً استراتيجياً، على أهمية تلك "الخطوات".

ثقة غير كاملة؟

رغم العلاقات القوية التي تجمع حكومات دول الخليج والولايات المتحدة، لا سيما مع إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب، إلا أن واشنطن تلوّح بالعديد من أوراق ابتزاز المملكة.

فقد ظهر عام 2009 أول مؤشرات تهديد الولايات المتحدة بالربط بين السعودية والإرهاب، وصولاً إلى تمرير قانون "جاستا" (العدالة ضد الإرهاب)، الذي يتيح لضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 مقاضاة المملكة، والذي دعمه جميع أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس.

وعام 2015، توصلت واشنطن إلى اتفاق نووي مع طهران، أنهت بموجبه عقوبات اقتصادية قاسية على إيران، في أوج مساعي الأخيرة لتوسيع نفوذها في المنطقة، بما يهدد مصالح الرياض.

وفي السياق ذاته، تمنح قضية اغتيال "خاشقجي"، الولايات المتحدة ورقة أخرى ضد السعودية، قد يأتي يوم تحركها فيه، فضلاً عن التحقيق في "جرائم محتملة" في اليمن، ومجمل الوضع الحقوقي في المملكة.

وبالفعل، برر ترامب تجاهله تلك القضايا بالقول: إن واشنطن غير معنية بإفساد علاقاتها مع الرياض، في ظل التوترات المتجددة مع طهران، والخشية من خسارة استثمارات المملكة وصفقاتها لمصلحة الغريمتين: روسيا والصين.

بكلمات أخرى، فإن الرياض تلوح بالتوجه شرقاً للحفاظ على اهتمام الغرب بالتحالف معها، إلا أنها عملية دقيقة قد تأتي بنتائج غير متوقعة جراء أي خطأ في الحسابات، لا سيما أن الولايات المتحدة غير مهتمة كثيراً بالنفط السعودي، بعكس ما كان عليه الحال في سبعينيات القرن الماضي، وقد يأتي يوم تعيد فيه واشنطن وطهران التوصل إلى "اتفاق نووي" جديد.

وكما هو الحال مع "تبرير" ترامب، فإن التلويح السعودي موجّه للكونغرس الأمريكي والحزب الديمقراطي بالدرجة الأولى، أكثر من كونه موجهاً لإدارة البيت الأبيض الحالية.

ومع استمرار المملكة في رفض اتخاذ أي خطوة لاحتواء إيران، فضلاً عن أي طرف يخالف أياً من توجهاتها أو سياساتها في المنطقة، فإنها تواصل التعويل على دور الولايات المتحدة، وهو ما ينعكس في المقابل بتعميق تحكم الأخيرة بمصير دول المنطقة، بمن فيها السعودية نفسها.

خلاصة 2: ورغم تلك "الثقة غير الكاملة"، لا تزال السياسات السعودية مرتبطة "مصيرياً" بالتوجهات الأمريكية، فيما تتطلب حماية مصالح البلاد على المدى البعيد تنويع الخيارات والشراكات بشكل حقيقي، يتجاوز "التكتيك" إلى "الاستراتيجية"، ومن المنطقي أن يكون أبرز ملامحها البدء بدول الإقليم، فضلاً عن جميع القوى الفاعلة على الساحة الدولية.

تحميل المزيد