في مقهى بأحد أطراف منطقة "القطامية" شرق القاهرة الكبرى دخل ضابط المباحث وبصحبته شخص آخر برتبة "أمين شرطة " بالملابس المدنية، جلسا داخل المقهى بهيئتهما المعروفة، وطلبا من النادل إحضار صاحب المقهى، جلس الثلاثة في مكان خاص يتهامسون بصوت خفيض.
وقال صاحب المقهى لـ "عربي بوست": كالعادة تأتينا تعليمات بين الحين والآخر شفهية وغير رسمية من الشرطة.
التعليمات هذه المرة كانت صارمة، ممنوع عرض مباريات كأس الأمم الإفريقية على قنوات "بي إن سبورت" الرياضية، وعلى رواد المقهى مشاهدتها عبر قناة "تايم سبورت" المصرية.
وتنطلق بطولة كأس الأمم الإفريقية الـ32، مساء الجمعة 21 يونيو/حزيران 2019 بلقاء المنتخب المصري مع منتخب زيمبابوي في لقاء الافتتاح ضمن المجموعة الأولى.
الاسم مجانية.. والحقيقة مدفوعة
الطريف في الأمر أن قناة تايم سبورت عندما أطلقتها مجموعة إعلام المصريين التي تعرف في الأوساط الإعلامية بأنها مملوكة للدولة وتدار من خلال جهاز المخابرات العامة المصرية، كان الهدف من إطلاقها تقديم خدمة بث مباريات أمم إفريقيا مجاناً لمحاربة ما ادَّعوا أنه احتكار "بي إن سبورت" المشفرة لحقوق المشاهدين في متابعة المباريات دون مقابل.
لكن الحقيقة التي تكشفت لاحقاً أن الأمر كله لم يعدُ كونه سوى وسيلة للمكسب على حساب المشاهدين.. كيف؟
مبدئياً هناك طريقتان لمشاهدة قناة تايم سبورت المصرية، الأولى اقتصادية السعر عن طريق شراء إريال داخلي أو خارجي، لكن هذه الطريقة ستوفر للمتابعين صورة ضعيفة الجودة؛ لأنها ستنقل المباريات بجودة SD.
أما مَن يريدون المشاهدة بجودة HD فعليهم شراء جهاز تبيعه الشركة المصرية للأقمار الصناعية CNE.
وتتراوح أسعار الإريال الداخلي في السوق المصرية بين 15 و30 جنيهاً، ويعرف باسم "البرجل"، ويتم توصيله بجهاز التليفزيون، أما الإريال الخارجي فتبدأ أسعاره من 90 وتصل حتى 260 جنيهاً في شارع عبدالعزيز بوسط القاهرة ومنطقة باب اللوق.
أجهزة التقاط البث الرقمي للقناة، يبلغ السعر المعلن للجهاز الواحد 475 جنيهاً، لكنه قد يتضاعف لأن الشركة تبلغ الراغبين في الشراء "الشرعي" بأن الأجهزة غير متوفرة حالياً بسبب نفاد الكمية، وبالتالي يكون عليهم التصرف بشرائها من أماكن أخرى بأسعار مرتفعة، علماً بأن جهاز التلفزيون سيحتاج في الغالب لإريال خارجي إلى جانب الجهاز الهولندي المصدر.
وشهد شارع عبدالعزيز وأماكن البيع المعتمدة إقبالاً كبيراً من المواطنين لشراء أجهزة استقبال البث الأرضي الرقمي لأجهزة التليفزيون غير المجهزة بوحدة التوليف الرقمي، والتي تتيح للمصريين متابعة مباريات كأس الأمم الإفريقية 2019″ عبر قناة "تايم سبورت" من خلال بثها الأرضي.
يذكر أن الاتحاد الدولي لكرة القدم الجهة المشرفة على النشاط الكروي في جميع دول العالم، كان قد أصدر قراراً قبل عقدين من الزمان مع انتشار فكرة تشفير المباريات والبطولات الكروية، يقضي بأن من حق كل دولة إذاعة المباريات والبطولات أرضياً فقط، وهو ما كان يحدث في مصر؛ حيث كانت القنوات الأرضية التابعة للتليفزيون المصري تذيع المباريات، لكن هذه المرة دخل إعلام المصريين على الخط، مثلما فعل مؤخراً حين استحوذ على أرشيف التليفزيون المصري كاملاً بدعوى ترميمه والحفاظ عليه.
تهديد مستتر.. لكنه متأخر
صاحب مقهى آخر بمنطقة وسط القاهرة قال أيضاً لـ "عربي بوست": "بالفعل حاول ضباط القسم تهديدنا بشكل مستتر لكي نذيع البطولة على "تايم سبورت" المصرية، ولكن جاءت تعليماتهم متأخرة ولا يستطيع أحد أن يمنع الجمهور من مشاهدة البطولة على القناة التي يراها مناسبة".
وأضاف صاحب مقهى آخر في شارع "معروف" بوسط البلد، رفض أيضاً ذكر اسمه، أن "زوار المقهى ليسوا مصريين فقط، فهناك جنسيات إفريقية وعربية لا تفضل مشاهدة مباريات البطولة إلا على قنوات "بي إن سبورت"، فلا يمكن إجبارهم على مشاهدة القنوات التي نريدها".
وتابع: "بعض المقاهي ستعمل على تشغيل قناة "تايم سبورت" المصرية وهي مقاهٍ لم تدفع اشتراك الباقة المخصصة لمشاهدة البطولة على "بي إن سبورت"، فالمسألة اقتصادية بالنسبة لمقهى وآخر".
تحريض إعلامي لمنع مشاهدة بي إن سبورت
وقال إنه "سيذهب بكاميرات برنامجه إلى جميع أنحاء مصر، ليبلغ بنفسه الجهات الأمنية عن تلك المقاهي التي تنقل البطولة عبر شاشات "بي إن سبورت"، التي وصفها بالقنوات المعادية، وفي نفس الوقت طالب موسى الجماهير المصرية بمشاهدة قناة "تايم سبورت".
وأضاف "موسى"، خلال برنامجه "على مسئوليتي"، المُذاع عبر فضائية "صدى البلد": "قطر عدوتنا وبتحاربنا.. شغلوا تايم سبورت، وأنا هبعت كاميرات وألفّ مصر، واللي هيشغل بي إن سبورت هبلّغ عنه، وهتكلم عليه على الهواء".
وتابع: "بحذّر من اللي هيشغّلوا بي إن سبورت، لأنهم بيشغلوا قناة إسرائيلية.. وبطلب من المسئولين يقفلوا أي قهوة بتشغل بي إن سبورت، طالما فيه بديل مصري نشغله".
هل ستنجح حملة التهديد؟
مصادر أمنية قلَّلت في تصريحات لـ "عربي بوست" من أثر التهديد الأمني والتحريض الإعلامي لعدم مشاهدة بي إن سبورت، وأرجعت السبب في ذلك إلى "أن الوقت الذي صدرت فيه هذه التعليمات كان ضيقاً، فالبطولة ستبدأ الجمعة، لذلك جاء تحذير الإعلامي أحمد موسى عبر الفضائيات لأصحاب المقاهي كنوع من الترهيب، لكن لا يوجد أي سند قانوني لاتخاذ أي إجراءات ضد المقاهي التي تشاهد "بي إن سبورت".
ما قصة قناة "تايم سبورت" ولماذا أنشأتها الحكومة المصرية؟
مصدر مسؤول بوزارة الشباب والرياضة قال لـ "عربي بوست" إن قناة تايم سبورت لن تخالف القانون بنقل فعاليات بطولة كأس الأمم الإفريقية، لأنها ستبث عبر شارة البث الأرضي.
وبحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" فإن تأسيس قناة رياضية مصرية جديدة كان بتوجيه من جهاز المخابرات الحربية، لمنافسة قنوات بي إن سبورت الرياضية القطرية، إضافة إلى أن هناك قناعة بأن الاستثمار الرياضي هو الأفضل.
وكانت زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للمنتخب في استاد الدفاع الجوي دليلاً على اهتمام القيادة السياسية بالرياضة لتحفيز المنتخب، وتشجيعاً منه على الاستثمار في هذا المجال.
قيادات الإعلام لا يعرفون الهدف
الغريب في الأمر بحسب مصادر إعلامية مصرية مرموقة، أنه لا أحد يملك الصورة كاملة بخصوص الهدف من محاربة بث بي إن سبورت لمباريات أمم إفريقيا، وهل هي مساع أمنية لحصار القناة، وفرض البديل المصري الموجَّه، أم هناك أهداف ربحية من وراء الأمر.
الدليل على ذلك أن الشركة المصرية للأقمار الصناعية التي تسوق جهاز البث الرقمي لقناة تايم سبورت، هي نفسها المسوق الحصري في مصر لمبيعات قنوات بي إن سبورت، ما يعني وفقاً لمصدر في الشركة، رفض ذكر اسمه، أن أي مكسب يمكن للشركة أن تحققه من بيع أجهزة استقبال تايم سبورت، ستقابله خسارة مساوية أو أكبر حجماً في الجهة الأخرى، نتيجة تقلص مبيعات بي إن سبورت، وبالتالي فإن الأرباح التي ستحققها الدولة ممثلة في شركة إعلام المصريين ستقابلها خسائر تتحملها الدولة أيضاً، ممثلة في شركة الأقمار الصناعية.
كذلك إذا كان الهدف هو حصار انتشار "بي إن سبورت" فقد كان يمكن تنشيط أو تشجيع بيع أجهزة استقبال قنوات BeOut Sport Q التي بدأت في السعودية ثم انتشرت في مصر وهي تقرصن كل المباريات التي تملك "بي إن سبورت" حقوقها وتعيد بثها دون وجه حق.
السيطرة والربح.. أو الإقالة والمحاكمة
مصدر في شركة إعلام المصريين كشف أن قيادات الشركة يعيشون حالة من الهوس في الفترة الأخيرة سعياً لتحقيق أرباح بأي وسيلة لتغطية الخسائر المستمرة في ميزانية الشركة، التي أنشئت منذ البداية وأُسندت إدارتها لجهاز المخابرات العامة بهدف السيطرة على السوق الإعلامية المصرية، والحصول على النصيب الأكبر من كعكة العوائد الإعلانية الضخمة التي كانت تُقدر في عام 2015 (وقت ظهور الشركة) بحوالي 3 مليارات جنيه، لكن ما حدث في الواقع كان العكس حيث تراكمت الخسائر بفعل الإدارة غير المهنية للشركة، ما أدى لإبعاد رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة المالك الصوري ورئيس مجلس إدارة الشركة عن منصبه؛ ليتولى الإعلامي أسامة الشيخ المهمة لفترة قصيرة، قبل أن يستقر تامر مرسي أحد أبناء جهاز المخابرات العامة في المنصب لمدة زادت على عامين.
لكن لم ينجح أي منهم في إبعاد شبح الخسائر التي تزعج –بحسب تعبير المصدر- القيادة السياسية، وبالتالي باتت بطولة أمم إفريقيا الفرصة الأخيرة لمرسي لإثبات قدرة الشركة على السيطرة على المشاهدين المصريين وتحقيق أرباح، وفي حالة الإخفاق ستكون الإقالة –وربما المحاكمة- هي المصير الذي ينتظره.
الدعاية للقناة المنافسة لـ "تايم سبورت" بدأت مبكراً
منذ أكثر من شهرين يتم الإعلان عن قناة "تايم سبورت" في جميع القنوات المصرية الخاصة والحكومية والتي ستبث مباريات بطولة كأس الأمم الإفريقية التي تقام بمصر في الفترة ما بين 21 يونيو/حزيران حتى 19 يوليو/تموز على البث الأرضي الرقمي.
وبدأت القناة بثها فعلياً يوم الرابع والعشرين من شهر مايو/أيار 2019 وتنقل كل فعاليات ومباريات البطولة التي تستضيفها مصر، وتستعين بنخبة من مقدمي البرامج الرياضية في مصر والمحللين وتقدم برامج رياضية متميزة واستوديو تحليلياً تستضيف فيه خبراء ونجوم كرة القدم لتقديم التحليل للمباريات ووصف تفصيلي لجميع مباريات البطولة.
وبحسب المعلن في مصر، أطلقت الهيئة الوطنية للإعلام قناة "تايم سبورت" بالتزامن مع منافسات كأس أمم إفريقيا 2019 وهي ثمرة تعاون بين الهيئة وشركة "إعلام المصريين" التي تتبع "المخابرات العامة المصرية" والتي احتكرت معظم القنوات الخاصة والمواقع والصحف المصرية المستقلة.