منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ديسمبر/كانون الأول 2017، نيته نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بالمدينة المقدسة عاصمة لإسرائيل، بدأت الضغوط الأمريكية على السلطة الفلسطينية، وبدأت مضاعفاتها تتزايد، تاركة القيادة الفلسطينية في رام الله في الزاوية، في محاولة لدفعها للموافقة على صفقة القرن.
عوامل انفجار الأوضاع في الضفة كثيرة، آخرها التصريحات الخطيرة التي صدرت من رئيس سلطة النقد الفلسطينية، عزام الشوا، الثلاثاء 18 يونيو/حزيران 2019، التي تشير إلى أن الوضع المالي الفلسطيني على شفا الانهيار بعد تعليق مساعدات أمريكية بمئات الملايين من الدولارات.
فالسلطة الفلسطينية "تمر حالياً بنقطة حرجة" لا تعرف كيف ستدفع الرواتب الشهر القادم، ولا كيف ستستمر الحياة اليومية دون سيولة في أيدي الناس، بحسب ما قاله الشوا لوكالة رويترز.
وأضاف أثناء زيارة إلى الأردن: "لست أدري إلى أين نتجه، عدم التيقن يجعل من الصعب التخطيط للغد".
هذه التصريحات تلخص الوضع الكارثي الذي تمر به السلطة الفلسطينية في الضفة، إضافة إلى أن انقطاع الدعم المالي الذي كانت تقدمه واشنطن لها، جعل عشرات آلاف الموظفين الفلسطينيين لا يتسلمون رواتبهم كاملة منذ 3 أشهر، ما بدأ بخلق ضغط شعبي، ما قد يهيئ لخروج الأوضاع الأمنية عن السيطرة.
الأمر الآخر الذي قد يفجر الأوضاع في الضفة، هو قيام تل أبيب باستغلال الضوء الأخضر الأمريكي بأحقية إسرائيل بضم الضفة الغربية، ما يعني مواجهة مفتوحة بين الفلسطينيين والمستوطنين، وهو ما دفع بعض الجهات الإسرائيلية للتحذير من هذا الأمر.
الكارت الأخير الذي لم تستخدمه السلطة الفلسطينية بعد
هذه الحالة التي تعيشها السلطة الفلسطينية في الضفة، تتركها أمام القليل من الخيارات، وقد تجعل لصبرها حدوداً، لأن أسباب وجودها أصبحت مهددة، فهي الآن لا تستطيع توفير متطلبات الحياة الأساسية للشعب الفلسطيني.
في المقابل تقدم الأجهزة الأمنية الفلسطينية خدمة التنسيق الأمني لإسرائيل، وهو الذي من خلاله تنعم إسرائيل بالأمن، وكان له الفضل في إحباط عشرات العمليات المسلحة ضد إسرائيل، وذلك باعتراف قادة أمنيين في السلطة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي على حد سواء.
هل تنهي السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني مع إسرائيل؟ قد يصعب الإجابة على هذا السؤال بشكل قاطع، لكن الواضح الآن أن الجانبان يمارسان لعبة عض الأصابع، وقرار مثل هذا يعني قلب الطاولة على الجميع.
فالسلطة الفلسطينية لن تقدم على هذه الخطوة، إلا في حالة استنفاد كل الخيارات المتاحة للصمود في وجه الضغوط الإسرائيلية والأمريكية، لأنها إذا سلكت هذا المسار، فإن ذلك يعني انهيار الأوضاع الأمنية، وبالتالي العودة عقدين إلى الوراء إبان اندلاع انتفاضة الأقصى أوائل الألفية الثالثة.
لكن السلطة الفلسطينية قد تقوم بالضغط على إسرائيل، من خلال غض الطرف قليلاً، والسماح بتنفيذ بعض الهجمات المحدودة، لتذكير إسرائيل بالكارت الأخير الذي تملكه، وهو الأمن.
لكن في المقابل، قد لا تسمح إسرائيل بوصول الأمور إلى هذه المرحلة، فانهيار العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية لا يصب في مصلحة إسرائيل، لأن خطورة جبهة الضفة الغربية على إسرائيل تأتي لأنها تزدحم بآلاف نقاط الاحتكاك مع الفلسطينيين، وفي حال اندلاع موجة عمليات وهجمات فلسطينية جديدة، يعني أن المدن والمستوطنات الإسرائيلية في مرمى الأهداف.
هناك سيناريو آخر قد يكون وراء هذا التصعيد، والذي يتمثل في أن كلاً من إسرائيل وأمريكا تدفع الأوضاع عمداً إلى هذه الحافة، عبر خطة مدروسة يتم تنفيذها بعيداً عن السلطة، وتهدف إلى إقناع المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية بأن لقمة عيشه مهددة، ولن يستفيد من العناد وعدم قبول صفقة القرن، ما قد يمهد في النهاية إلى ضم أراضي الضفة إلى إسرائيل، وإغراقها بالأموال التي سيتم جمعها في مؤتمر البحرين وفي نفس يظهر محمود عباس بأنه قاوم حتى اللحظة الأخيرة لكن الأمر أكبر من قدرته على التحمل.
ماذا يعني الانفجار في الضفة الغربية؟
على الرغم من أن انهيار الأوضاع في الضفة لا يصب في مصلحة الطرفين، فإنه في ظل عدم وضوح تطورات المرحلة القادمة، وفي منطقة تأتي دائماً بالمفاجآت غير المتوقعة، والتبعات العنيفة، فإن جميع السيناريوهات مفتوحة، خاصة أن كل التطورات على الأرض توفر المزيد من الوقود لصبه على النار التي يمكن أن تشتعل في أي لحظة.
وتعد الضفة الغربية مهيأة لأي انفجار بشكل عنيف في أي لحظة، فقد تمكن الجيش الإسرائيلي، خلال عام 2018 فقط، من اعتقال 3 آلاف فلسطيني كانوا يستعدون لتنفيذ هجمات مسلحة، كما ألقى القبض على 400 قطعة سلاح، ومصادرة 2 مليون شيكل معدة لتمويل هذه الهجمات.
ويشير تقرير إسرائيل إلى أن هذه المعدلات آخذة بالازدياد مع بداية 2019، فمنذ يناير/كانون الثاني حتى نهاية أبريل/نيسان تم اعتقال أكثر من ألف فلسطيني، ومصادرة 270 قطعة سلاح.
كل ذلك، يتم بالرغم من القبضة الأمنية التي تفرضها كل من الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية بشكل مشترك، متمثلة بمراقبة الأشخاص الذين يمكن أن يقوموا بمثل هذه الأعمال، إضافة لمراقبة وإحكام السيطرة على القنوات التي يمكن من خلالها أن تصل الأموال إلى النشطاء الفلسطينيين.
الخلاصة: من الصعب تصور كيف سيكون مشهد الضفة الغربية في حال انهيار الأوضاع الأمنية، لكن بناء على ما سبق يمكن رسم الصورة كالآتي: غضب شعبي عارم، آلاف المسلحين المشاركين، وظهور الخلايا النائمة، مع تحريض كبير، وواقع ميداني متفجر، يفتح المواجهة على مصراعيها.