اعتبر المحلل السياسي البريطاني روبرت فيسك أن وفاة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي تمثل وفاة للديمقراطية أيضاً في نفس القفص مع الرئيس الراحل.
وقال فيسك، في مقال بصحيفة The Independent البريطانية، كان موت محمد مرسي متوقعاً بالتأكيد وشائناً للغاية، وفي رأيي، يمكن القول إنه كان جريمة قتل.
في كل الأحوال قُتل مرسي
وأضاف فيسك: فبالنسبة لي، حين يموت شخصٌ في أحد سجون حاكمٍ ديكتاتوري، حتى لو كان شخصاً آخر غير الرئيس المنتخب الوحيد في مصر، فقد تعرَّض للقتل بطريقةٍ ما. وبغض النظر عمَّا إذا كان محجوزاً في الحبس الانفرادي أو محروماً من العلاج الطبي أو معزولاً تماماً عن العالم الخارجي، أو كان يخضع لمحاكمةٍ جائرة وتهمٍ ملفَّقة ويواجه أحكاماً مُحبِطة، فالسجين القابع في مثل هذه الظروف ينتظر الموت كل يوم، ما دامت أبواب السجن مُغلقة، وهي الأبواب التي ما كانوا سيفتحونها أبداً أمام الرئيس المصري محمد مرسي.
أستخدمُ لقبه الرسمي؛ لأنَّ الرئيس الذي يُنتزع منه الحُكم في انقلابٍ عسكري يظل رئيساً منتخباً، تماماً كما يجب الآن تسمية الرجل الذي قاد الانقلاب بالرئيس عبدالفتاح السيسي. لكن شتان بينهما، فاللقب الأول يُمثِّل شرفاً، في حين أنَّ اللقب الثاني يمثل واقعاً.
إذ فاز مرسي في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في عام 2012 بأكثر من 51% من الأصوات بقليل. فيما حصل السيسي في انتخابات العام الماضي على أكثر من 97% من الأصوات. الأرقام تتحدث عن نفسها، أليس كذلك؟ الأول يمثل الديمقراطية، بينما يُمثِّل الثاني ما يمكنني وصفه بأنه طفولية مصر.
الديمقراطية ماتت في القفص!
أي أنَّ الديمقراطية المصرية ماتت أخيراً في القفص؛ لذا لا عجب في أنَّ دفن مرسي كان سريعاً وسرياً إلى حد كبير.
وبحسب فيسك، تكمن رمزية مرسي في أنَّه آخر رئيس منتخب لإحدى الدول مات أمام قضاته في قفصٍ مُخصَّص للمجرمين، وحُرِم حتى من إقامة جنازةٍ عامة، حسب ما ذكر ابنه.
ويمكننا أن نتخيل رد فعل السلطات على طلب الأسرة بإقامة جنازةٍ عامة، وهو أنَّ مرسي كان يواجه الإعدام في محاكمته بتهمة التجسس؛ لأنه كان على اتصال مع حماس. وكأنَّ حقيقة أنَّ مهامه الرئاسية كانت تتضمَّن تنظيم وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل في غزة، وهي وظيفة أدَّاها السيسي نفسه كذلك كما هو متوقع منه، ليست مهمة. لكنَّ الرئيس المشير السيسي (كي أمنحه لقبَيه القانونيين) لن يُحاكَم بتهمة التجسس؛ لأنَّ سياساته العسكرية تشمل ضمان سلامة الحدود الجنوبية لإسرائيل.
ولا يمكن للمرء إلَّا أن يتخيل رد فعل القضاة في محاكمة مرسي الأخيرة حين سقط الرئيس المنتخب في عام 2012 على الأرض فجأة. فحين تكون مستعداً للحكم على الرجل بالإعدام، ثم تشاهده يذهب إلى خالقه في وقتٍ أقرب ممَّا كان مخططاً له، يجب أن يثير ذلك دهشتك.
ولكن هل كان من الممكن أن يكونوا قد فوجئوا حقاً؟ فلطالما احتجت عائلة مرسي، ومنظمات حقوق الإنسان، على عدم تلقيه العلاج الطبي المناسب. وكان يعاني الحبس الانفرادي 23 ساعة في اليوم.
بيد أنَّ وسائل الإعلام العالمية وزعماء دول العالم تجاهلوا هذه الإدانات تجاهلاً كبيراً. وفقد مرسي الاهتمام الذي كان يحظى به، وأصبحت جلسات محاكمته تكراراً مملاً غير جديرٍ بالاهتمام. ويُمكن القول إنَّ الشيء الوحيد المُفاجئ هو أنَّه تمكن من التحدث -أو حاول التحدث- إلى قضاته خمس دقائق قبل أن يرحل عن سُلطتهم القضائية إلى الأبد، بحسب فيسك.
3 زيارات في 6 سنوات!
وتشير الأدلة -التي تتضمَّن عدم السماح له إلَّا بثلاث زيارات عائلية فقط طوال ست سنوات تقريباً من الحبس الانفرادي، وحرمانه من الاتصال بمحاميه أو حتى الطبيب- إلى أن موته كان مطمحاً بالتأكيد لسجانيه وقضاته والرجل الوحيد في مصر الذي لا يمكن معارضته.
ولطالما حاول السيسي أن يُقنع غيره بأنَّ الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ومهاجمي الكنائس وقتلة المسيحيين كلهم يندرجون تحت كيانٍ واحد. ومن ثَمَّ، فإذا كان تنظيم داعش وحماس وجماعة الإخوان المسلمين هم السبب في الانتفاضة الإسلامية المندلعة في سيناء والفظائع التي وقعت في القاهرة، فهل نظن حقاً أنَّ أيَّاً من رفاق السيسي قد أعرب عن أسفه حين صدر الخبر الذي يُفيد بأنَّ مريض السكر صاحب الـ67 عاماً قد وفَّر على الحكومة نفقات الإعدام؟
وختم فيسك: بالطبع لم يكن هناك جنازة عامة. ولكن هناك فرق بين استخدام كلمة "إرهابي" لوصف أي شيء متعلق بالإخوان المسلمين، ووصف كل رجل وامرأة حُرِموا من إقامة جنازةٍ كانوا يريدونها بأنَّهم إرهابيون.
فحتى في مصر، هناك حدود.. أم أنَّها غير موجودة؟