أُسدل الستار على فصل هام في تاريخ الحياة السياسة بمصر بوفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي، الذي وصل إلى سدة الحكم بانتخابات أشاد بنزاهتها الجميع، ووصفت بأنها أول انتخابات ديمقراطية في تاريخ البلاد، ثم أطيح به في انقلاب عسكري بعد عام واحد على تسلمه منصب الرئيس في يوليو/تموز 2013.
مرسي صاحب الـ68 عاماً فارق الحياة أثناء جلسة في محكمة شرق العاصمة المصرية القاهرة، الإثنين 17 يونيو/حزيران 2019، وهو يدافع عن نفسه في قضية أقل ما توصف به أنها هزلية، بحسب ما يرى مؤيدوه، بينما هي تمس الأمن القومي للبلاد، كما يقول معارضوه.
هل القادم انفراجة سياسية؟
ومنذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، والذي قاده وزير الدفاع آنذاك عبدالفتاح السيسي دخلت مصر في حالة انسداد سياسي لم تشهد من قبل، فمنذ ذلك التاريخ اعتقل الآلاف من مؤيدي مرسي والرافضين للانقلاب العسكري، حتى وصل عددهم إلى نحو 60 ألف معتقل بحسب منظمات حقوقية، وحل عدد من الأحزاب، من بينها حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للإخوان المسلمين، كما وقعت عملية فض الاعتصام الذي كانت تقيمه الجماعة شرق القاهرة وقتل أكثر من ألف شخص.
تمسكت جماعة الإخوان المسلمين بشرعية الرئيس الراحل الذي طالب في خطابه الأخير المصريين بالمتسك بها، معتبراً أن ثمن هذه الشرعية حياته، ومنذ هذا الحين كانت الجماعة ترفض أي حديث عن مصالحة سياسية أو الدخول في أي مفاوضات مع السلطات المصرية القائمة منذ 2013، قبل عودة مرسي لمنصبه حتى لو ليوم واحد حتى يفوض الرجل صلاحياته، ومن ثم يتم الحديث عن الحل السياسي، الأمر الذي كانت ترفضه السلطات المصرية والوسطاء حينها على اعتبار أن هناك أمراً واقعاً وهو وصول السيسي لسدة الحكم بعد الانقلاب بانتخابات وصفت بالصورية.
لكن بعد وفاة الرئيس الأسبق ربما تتغير الأمور فلم يعد للحديث عن شرعية مرسي وجود بعد وفاة الرجل، ومن ثم قد لا يكون هناك جدوى من الإصرار على هذا الموقف، ولابد من البحث عن حل للأزمة القائمة منذ 6 سنوات، خاصة في الوقت الذي يرى الكثيرون أن النظام السياسي المصري الآن بات يُحكم سيطرته بالكامل ويلقى قبولاً دولياً كبيراً.
هل يُقدم السيسي على تسوية سياسية؟
إذا ما نظرنا للطرف الآخر، فوفاة مرسي لن تضيف جديداً للسيسي غير أنه لم يعد هناك ما يهدد شرعيته التي حصل عليها بالانقلاب، وبعد ذلك بالانتخابات لدورتين، بعد وفاة مرسي، وقد لا يكون هو في حاجة بالأساس لهذه الانفراجة، بسبب التحالفات الإقليمية التي يقيمها مع الإمارات والسعودية والعلاقة المتقدمة مع إسرائيل، وكل هؤلاء يضعون على قائمة أعدائهم جماعة الإخوان المسلمين.
فربما لن يكون من المقبول أن يلجأ السيسي الآن إلى إيجاد حل للأزمة التي لا يعترف هو وأجهزته السيادية بها، رغم شعور عدد كبير من المصريين بها، حتى لا يخسر حلفاءه الخارجيين وتظل ورقة التصالح مع الإخوان ورقة مساومة بيد السيسي إذا ما تضاربت مصالحه مع الدول الداعمة له.
لكن رغم ذلك، يعد ملف الإخوان المسلمين من الأمور الحساسة والهامة في البلاد، فالجماعة تعرضت لضربة كبيرة لم تشهدها من قبل حقاً، لكنها لازلت تعمل ولو بالحد الأدنى لها، كما أن مؤيديها بالآلاف داخل البلاد حتى ولو كانوا لا يعلنون ذلك صراحة خوفاً من الاعتقالات التي تتم بشكل شبه يومي.
هذه الأمور قد تدفع الوسطاء الآن للتحرك من أجل حسم هذا الملف بالكامل، وأن يريح السيسي نفسه من التساؤلات الداخلية والخارجية عن ضرورة الحل السياسي وعن المعتقلين السياسيين في السجون المصرية، خاصة أنه تمكن من تعديل الدستور حتى يضمن بقاءه في الحكم لعام 2030 دون أن منغصات، والمعارضة السياسية لا تحرك ساكناً، ومن ثم قد يكون اللجوء إلى التصالح هو الضربة الأخيرة للإخوان الكتلة الأكبر في المعارضة السياسية وبقائهم في الحد المسموح به دون أي قدرة على إزعاج النظام الحالي.
هل يقبل الإخوان الآن بأي حل سياسي؟
واقعياً لا تملك جماعة الإخوان المسلمين أي أوراق سياسية بعد وفاة مرسي الورقة الأقوى التي كانت بأيديهم بعد حالة التشتت الكبير التي تعيشها الجماعة والانقسامات الداخلية والخلافات في الرؤى لمستقبل الحل في مصر، ومن ثم لا يوجد أمام الجماعة خيارات إلا الاستمرار في الوضع الحالي إلى أن يحدث تغير في الظروف الإقليمية والسياسية الحالية، أو أن يقدم السيسي على أي تسوية تضمن الحد الأدنى من المطالب التي كانت تضعها الجماعة، وعلى رأسها الإفراج عن المعتقلين السياسيين وعودة العمل السياسي للجماعة حتى لو في إطار محدود، ومن ثم قد يكون اللجوء لأي تسوية سياسية قبلة الحياة للجماعة الآن.
تدرك الجماعة أنها رقم هام في المعادلة السياسية المصرية، والسيسي نفسه يعي ذلك، لكن البحث عن التوقيت المناسب للوصول إلى حل سياسي في البلاد هو كل ما كان يخطط له أي طرف من الطرفين، فربما هذا التوقيت هو الأنسب للسيسي، وأن يكرر ما فعله الرؤساء السابقون ومنهم محمد أنور السادات وخلفه حسني مبارك، اللذان تعاملا سياسياً مع الإخوان وسمحا للجماعة بهامش حركة بسيط يضمن بقاء الأوضاع تحت السيطرة.
وقد يرى السيسي أن هذا هو الحل، فرغم كل حالات الكبت السياسي والسيطرة التي يفرضها على الأوضاع في مصر، إلا أن القلق من تكرار ما حدث في 25 يناير/كانون الثاني 2011 يظهر بقوة فلا يسمح الرئيس المصري بوجود أي تجمعات سياسية، حتى مباريات كرة القدم باتت دون جمهور خوفاً من وجود بؤرة تشتعل منها ثورة أخرى قد تكون هذه المرة بعيدة عن سلمية ثورة يناير، وتحقق ما فشلت فيه الجولة الأولي من الثورة، وهو القضاء تماماً على النظام السياسي القديم الذي أعيد إنتاجه على يد السيسي.