3 ساعات يحتاجها المسافر من القاهرة ليصل إلى أوروبا بالطائرة، ولكن هذا المسافر نفسه يحتاج 15 ساعة للوصول من غزة إلى القاهرة، والمخاوف الأمنية هي المبرر لهذه المعاناة، ولكن مع إطلاق خدمة السفر الـVIP لغزة مؤخراً، قد تختفي هذه المعاناة ومعها المخاوف الأمنية بالنسبة لبعض الغزاويين.
فالآن من يستطيع دفع تكلفة هذه الخدمة الباهظة التي أُعلن عنها حديثاً بشكل أثار الجدل في القطاع المحاصر، يستطيع السفر من غزة إلى القاهرة والعكس خلال خمس ساعات، ودون الخضوع للتفتيش الأمني المتكرر.
فقد دشنت شركة مصرية خاصة، خدمة جديدة "مدفوعة الثمن"، لسفر سكان قطاع غزة عبر معبر رفح البري (جنوب)، وذلك من خلال إنشاء صالة لكبار الزوار (VIP) داخل الجانب المصري من المعبر.
وستعمل شركة "هلا للاستشارات والخدمات السياحية"، المصريةُ، بفرعيها، في القاهرة، ومدينة رفح الفلسطينية جنوب قطاع غزة، على استقبال طلبات الراغبين في الاستفادة من الخدمة، وتقديم خدمة متكاملة لنقل المسافرين من القاهرة وغزة والعكس بسيارات خاصة توفرها الشركة؟ ودون الخضوع للإجراءات الأمنية المعقدة التي يتعرض لها أبناء القطاع في مصر.
خدمة السفر الـVIP لغزة .. تكلفة باهظة مع إعفاء الأطفال الصغار
تبلغ تكلفة الخدمة للشخص الواحد خلال سفره من قطاع غزة إلى الخارج، نحو 1200 دولار أمريكي، وفي حين سيتم احتساب تكلفة الأطفال فوق سن الثامنة وحتى 16 عاماً، بنصف المبلغ (600 دولار)، يتم إعفاء الأطفال دون سنة الثامنة.
أما تكلفة الخدمة للمسافرين الراغبين في العودة إلى قطاع غزة، فتصل إلى 600 دولار أمريكي.
وبحسب وكالة الأناضول فإن "المسافر الفلسطيني الراغب في الانتفاع من هذه الخدمة، بإمكانه التسجيل عبر فرع الشركة بغزة، فإجراءات التسجيل للسفر عبر الشركة هي نفس إجراءات وزارة الداخلية الفلسطينية؛ لكن مع الأخذ بالاعتبار السرعة والراحة".
وقال مصدر لوكالة الأناضول إن "الشركة المشرفة على هذه الخدمة خاصة وتجارية، ولا تتبع لأي طرف حكومي في غزة، أو بمصر".
ولم يصدر تعقيب من السلطات المصرية، ووزارة الداخلية بقطاع غزة (تديرها حركة حماس) حول تدشين هذه الخدمة.
ولكنها ستقلل معاناة الرحلة التي يخوضها أهل غزة
بالنسبة لكثير من أهل غزة، تمثل هذه الخدمة نقلة كبيرة في حياتهم، فهي ستقلل المعاناة الكبيرة التي يواجهونها بالرحلة التقليدية.
وبينما لا تتجاوز مدة الوصول من مدينة رفح الحدودية جنوب قطاع غزة إلى القاهرة 5 ساعات في سيارة عبر الطريق البري، فإن المسافر الفلسطيني يضطر إلى قضاء 20 ساعة في طريق السفر إلى القاهرة، يتعرض خلالها للتفتيش على عدة حواجز تفتيش تابعة للجيش المصري على طول الطريق الذي لا يزيد طوله على 384 كيلومتراً.
كما تؤدي عمليات التفتيش المتكررة إلى شكاوى من قبل بعض المسافرين من طرق التفتيش والتي يتعرضون أحياناً خلالها لعمليات ابتزاز مالية.
ولكن هناك مصاعب أكبر من الابتزاز يواجهها المسافر الغزاوي، تجعل قرار سفره ليس سهلاً على الإطلاق.
فقد يتم إرجاع المسافرين من الصالة المصرية في معبر رفح بقرار أمني، حيث تُجري مقابلات مع المسافرين وتسألهم الاستخبارات عن أسباب سفرهم وماذا سيفعلون في الخارج، فضلاً عن إرجاع المئات منهم، طالبين منهم إجراء ما يُعرف بـ "التنسيق".
المسافرون كانوا يدفعون مبالغ باهظة حتى قبل هذه الخدمة
ووفقاً لشهادات المسافرين، فإن "عملية التنسيق هذه" يتم تنفيذها بدفع مبلغ من المال يتراوح بين 800 و1500 دولار، إلى مكاتب تنسيق في قطاع غزة، وهي مكاتب غير مرخصة من وزارة الداخلية التابعة لـ "حماس".
وهذه المكاتب يُعتقد أنها على اتصال مع شخصيات أمنية مصرية تعمل في معبر رفح، يتم من خلالها تسلُّم صورة عن جواز السفر للمسافر ودفع المبلغ المالي، ليسافر المواطن بعد أيام معدودة دون انتظار اسمه في كشوفات وزارة الداخلية التابعة لـ "حماس" والتي تمتد فترات الانتظار الخاصة بها لأشهر.
كما تُجنب مكاتب التنسيق هذه المسافرين عملية العرض على مسؤولي المخابرات في الصالة المصرية.
الأولوية لمن ينسق المخابرات المصرية
وبدأت هذه العملية التي تتم من خلال مكاتب التنسيق، منذ عامين، رغم محاولات منعها من وزارة الداخلية بغزة، لكن الوزارة تصطدم دائماً برفض السلطات المصرية إدخال المسافرين المسجلين لديها قبل إدخال المسافرين المسجلين بكشوفات التنسيقات المرتبطة بالمخابرات المصرية.
ويقول أحد العاملين في معبر رفح البري، إن السلطات المصرية تُغلق معبر رفح بحجة تعطُّل الحواسيب في حال رفض الجانب الفلسطيني إدخال المسافرين المسجلين بالتنسيقات، وهو الأمر الذي يجبر الفلسطينيين على عملية التنسيق، على حد قوله.
والآن بعد الإعلان عن شركة هلا، فإن المواطن الغزاوي لن يكون في حاجة للتعامل مع مكاتب التنسيق المشار إليها.
إذ إن الشركة تقدم خدمة "السفر المريح" للفلسطينيين والتي أطلقت عليها خدمة (VIP)، لتصبح بديلاً عن التنسيقيات.
الشركة ستستخدم طرقاً خاصة لتوصيل عملائها بعيداً عن نقاط التفتيش
الطرف الفلسطيني للشركة يتمثل في أسامة أبو نقيرة، مسؤول شركة هلا، الذي يعمل موظفاً ببلدية رفح هو وابنته، أما الطرف المصري فيمثله مسؤولون بالاستخبارات المصرية بحسب مصادر مقربة من أبو نقيرة.
ولم يتسنَّ لـ "عربي بوست" التأكد من مدى علاقة الاستخبارات المصرية بشركة هلا.
وقال المصدر المقرب من أبو نقيرة والذي رفض الكشف عن هويته إن "الشركة ستقدم تسهيلات، بنقل المسافر بسيارات خاصة من منزله إلى الصالة الفلسطينية ثم المصرية وتنفيذ إجراءات السفر بسهولة ويسر، ثم نقله لصالة كبار الزوار وتقديم الطعام والشراب له، قبل نقله بسيارات خاصة وحديثة إلى القاهرة عبر طريق خاص"، حسب تعبيرها.
وذكرت المصدر أن "المسافر عبر هذه الخدمة سيصل إلى وجهته خلال عدد الساعات الطبيعية للطريق، وسيتفادى جميع إجراءات الوقوف على الحواجز أو التعرض للتفتيش أو الإرجاع". أما العائد من القاهرة الى قطاع غزة، فإن تكلفة عودته عبر الخدمة ذاتها وفي غضون ساعات معدودة تبلغ (600 دولار).
ويعاني العائدون من القاهرة إلى قطاع غزة معاناة مضاعفة عن المسافرين من القطاع، حيث يضطرون إلى المبيت ليلة أو اثنتين على الطريق البري، ويتم تفتيشهم بشكل دقيق عند كل حاجز، فضلاً عن احتمال تعرُّضهم لمضايقات أو الابتزاز على الحواجز الأمنية، وفق حديث المواطن الغزاوي (أحمد أبو حسنة) الذي عاد قبل أسبوعين للقطاع.
حماس تغلق مكتب الشركة
وقد أعلنت الشركة عن فتح مقرين لها: الأول وسط القاهرة، والثاني وسط مدينة رفح جنوب قطاع غزة، ولكن سرعان ما أُغلق الأخير بقرار من وزارة الداخلية في قطاع غزة، وفق حديث أسامة أبو نقيرة مسؤول الشركة، والذي رفض الإفصاح عن الأسباب أو إدلاء أية تفاصيل أخرى خلال اتصال هاتفي مع "عربي بوست".
وبحسب مصدر في معبر رفح الفلسطيني فإن "150 مسافراً من التنسيقات المصرية يغادرون عبر معبر رفح يومياً، في زيادة تقدر بالضعفين مقارنة بالأشهر الماضية، بعد دفع كل مسافر ما بين 800 و1500 دولار".
وتفادياً لتداعيات قرار إغلاق مكتبها في غزة، أعلنت شركة "هلا" المصرية على صفحتها بموقع فيسبوك، للراغبين في الحصول على هذه الخدمة، إمكانية التواصل إلكترونياً معها عبر الهاتف وتطبيق الواتساب.
كما نشرت الشركة، صباح الأحد 16 يونيو/حزيران 2019، صوراً لطاقم موظفي الشركة داخل صالة كبار الشخصيات بمعبر رفح في اليوم الأول لتفعيل خدماتها.
وفي السياق ذاته، أكد الموظف في المعبر مغادرة 50 مسافراً في اليوم الأول عبر خدمة السفر الـVIP، قطاع غزة بعد وصولهم إلى معبر رفح بأنفسهم، لأنهم لم يستفيدوا من خدمة السيارات الخاصة داخل القطاع، ولم يتم تضمين أسمائهم في كشوفات التنسيقات المصرية، بسبب حظر عمل الشركة رسمياً بغزة من قبل حماس.
الحركة ما زالت تعول على الوعود المصرية بشأن ملف السفر
حركة حماس رفضت التعليق على موضوع التنسيقات المصرية والشركة الجديدة.
لكن مصادر في الحركة قالت لـ "عربي بوست"، إن "الحركة لم تعطِ قرار موافقة لعمل الشركة في غزة، فهي بمثابة استنزاف مالي للمواطنين".
وقالت المصادر التي رفضت الإفصاح عن هويتها، إن ملف السفر عبر معبر رفح ومعاناة الفلسطينيين عليه هو محل نقاش دائم بين قيادة الحركة مع المخابرات المصرية في جميع اللقاءات الثنائية بالقاهرة وغزة.
وقالت حماس، في فبراير/شباط 2019، إن اللواء عباس كامل، رئيس المخابرات العامة المصرية، أكد لوفد الحركة برئاسة إسماعيل هنية في لقاء ثنائي بالقاهرة، استمرار فتح معبر رفح البري في كلا الاتجاهين بعد سنوات من إغلاقه المتواصل وفتحه لأيام محدودة على فترات متباعدة.
وتفتح السلطات المصرية معبر رفح بشكل دائم منذ يوليو/تموز 2018، بالتزامن مع ترميم وتوسعة الصالة المصرية في المعبر، نتيجة تفاهمات مشتركة بين حماس والمخابرات المصرية، حيث يجري إعداد صالتين إحداهما للمسافرين، والأخرى للبضائع المستوردة لقطاع غزة، وسمحت مصر قبل عدة أشهر بإدخال شاحنات محملة بالبضائع إلى قطاع غزة ضمن تفاهمات الفصائل الفلسطينية مع إسرائيل للتهدئة في غزة.