تُعتبر زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الجارية الآن في إيران هي الأولى لرئيس وزراء ياباني منذ أكثر من 40 عاماً، الأحدث في سلسلة من الجهود الرفيعة الطموحة لزيادة تأثير اليابان على الساحة العالمية.
القصة: آبي سافر إلى طهران، الأربعاء 12 يونيو/حزيران، واضعاً نفسه في قلب مواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، تثير المخاوف من تحوّلها إلى حرب.
تصاعدت التوترات، التي بدأت بقرار الرئيس الأمريكي ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي لعام 2015 وفرض عقوبات قاسية على طهران، مؤخراً عندما أرسلت إدارة ترامب قوات إضافية إلى الخليج، بعد اتهامها إيران بالتخطيط لمهاجمة أهداف أمريكية، بحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
آبي يسعى لنزع فتيل الأزمة
وقد انعكست جهود آبي لتجنُّب الصدامات في تصريحاته للصحفيين بعد أن قابل الرئيس الإيراني حسن روحاني، ونقلت وكالة France-Presse عنه قوله إنَّه "من الضروري أن تلعب إيران دوراً بنَّاءً في إرساء سلام واستقرار راسخين في الشرق الأوسط".
أما روحاني، فبدا أقل دبلوماسية في التصريحات التي نقلتها وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية الرسمية من مؤتمره الصحفي المشترك مع آبي. ونُقل عن الرئيس الإيراني قوله: "لم نبدأ حرباً على أي بلد، لكننا سنرد بحزم على أي معتدٍ"، في إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة.
يمثل الصراع صداعاً لقادة الأعمال اليابانيين. وبفعل الضغط الأمريكي، أوقفت اليابان واردات النفط من إيران، وهي الدولة التي تربطها بها علاقات ودية منذ فترة طويلة. أعادت الشركات اليابانية أيضاً تقييم علاقاتها مع البلاد خوفاً من إثارة الاستياء الأمريكي.
لكن بالنسبة لآبي فإنَّ الأزمة تُمثل فرصةً. فسيصبح في نوفمبر/تشرين الثاني أطول رئيس وزراء تولى هذا المنصب في تاريخ اليابان. ويكافح آبي من أجل ترسيخ إرث سياسي دائم، وقد حاول أن يترك بصمة من خلال مبادراته الدبلوماسية مع دول مثل كوريا الشمالية وروسيا.
لماذا آبي بالتحديد؟
وبحسب الصحيفة البريطانية، عمل رئيس الوزراء أيضاً بجدٍ لبناء علاقة شخصية مع الرئيس الأمريكي ترامب، الذي أعرب عن دعمه لتواصُل آبي مع إيران، وقال إنَّه هو نفسه منفتح على فعل الشيء ذاته.
وخلال الانطلاقة الدبلوماسية لآبي التي استمرت 24 ساعة، التقى أيضاً بالمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
لكن احتمالات حدوث أي انفراجة تبدو بعيدة، وقد خفض المسؤولون اليابانيون التوقعات، وقالوا للصحفيين يوم الثلاثاء 11 يونيو/حزيران، إنَّ آبي لا يحمل رسالة من الرئيس الأمريكي، ولا يسعى إلى لتأدية دور الوسيط بين البلدين.
وقال كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني يوشيهيد سوجا، إن آبي سيستغل الزيارة لتكون فرصة لتشجيع القادة الإيرانيين على "تخفيف التوترات الإقليمية". وقال آبي، متحدثاً من مطار هانيدا في طوكيو قبل مغادرته إلى إيران، إنَّه يريد أن "تضطلع [اليابان] بأي دور بمقدورها (تأديته) لتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة".
وبدت الصيغة كأنها تراجع عن التصور الأكبر الذي وصفه آبي خلال اجتماعات أواخر الشهر الماضي مع ترامب في طوكيو، حيث دعا رئيس الوزراء إلى "تعاون وثيق" بين الولايات المتحدة واليابان لمنع تحوُّل التوترات مع إيران إلى صراع مسلح.
هل سينجح؟
وبحسب الصحيفة البريطانية، لكن حتى الهدف المتواضع المتمثل في خفض التوترات قد يكون مبالغاً فيه. فبحسب توبياس هاريس، الخبير في السياسة اليابانية لدى Teneo Intelligence، وهي شركة استشارات في واشنطن، فرغم تمتع اليابان بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة وإيران، لا تزال قدرتها على التأثير في نتائج النزاع بينهما ضئيلة.
وقال هاريس إنَّ اليابان لم تحدد بوضوح ما تأمل في تحقيقه من خلال زيارة آبي، وحتى لو فعلت ذلك "فليس لدى اليابان قوة عسكرية في المنطقة"، مضيفة: "إنها مستهلك مهم، لكنها ليست سوقاً رئيسية للبضائع الإيرانية، فأي امتياز تملكه؟".
وما يقف في صالح اليابان هو تاريخها الطويل من العلاقات الودية مع إيران، الذي هو إلى حدٍّ كبير انعكاس لرغبة طوكيو في استقرار الشرق الأوسط، وهو مورِّد حبوب للطاقة إلى اليابان. التقى آبي بروحاني ست مرات على الأقل منذ توليه منصبه، وتحتفل البلدان بعلاقات دبلوماسية عمرها 90 عاماً، بحسب الصحيفة البريطانية.
وحاولت اليابان دفع السلام مع إيران من قبل. ففي عام 1984، رافق آبي والده، الذي كان آنذاك وزير خارجية اليابان، في مهمة فاشلة للتوسط في الحرب بين إيران والعراق.
حاول المسؤولون اليابانيون التضخيم من ثِقَل العلاقة بين البلدين قبل الزيارة، مقدمين آبي بوصفه محاوراً موثوقاً به يمكنه سماع إيران بتعاطف ونقل مخاوفها إلى بقية العالم.
وقال كوني مياكي، الدبلوماسي الياباني السابق الذي خدم في الشرق الأوسط: "لا يمكننا أن نكون صَلْدين في مسعانا"، مضيفاً: "لا نريد ذلك. لكن كقوة ناعمة، يمكننا أن نفعل شيئاً مختلفاً. آبي يدرك ذلك كلياً".
قلق إيراني من علاقة اليابان بأمريكا!
وقال كوشيرو تاناكا، الخبير في الشأن الإيراني بجامعة كيو، إنَّه رغم تقدير إيران للصداقة اليابانية، فهي تشعر بالقلق من علاقة طوكيو الوثيقة مع واشنطن، مضيفاً أنَّ طهران قد تطلب عرضاً للتوصل لسلام من آبي من خلال إظهار استعداده التصدي للعقوبات الأمريكية.
واليابان أيضاً حديثة العهد باللعبة، فعلى الرغم من المخاوف الدولية المتزايدة على مدى العقد الماضي حيال سلوك إيران، اختار المسؤولون اليابانيون عدم المشاركة في المفاوضات التي أدت إلى اتفاق 2015 للحد من الطموحات النووية للبلاد.
وقد أفسح هذا القرار مساحة لطوكيو لانتهاج سياسة مستقلة تجاه طهران، لكنه حدَّ أيضاً من قدرة آبي على لعب دور في حل النزاعات المتعلقة بالاتفاق.
وقال الدبلوماسي الياباني السابق والمستشار السياسي لرؤساء وزراء اليابان السابقين يوكيو أوكاموتو، إنَّ القوى العالمية التي فاوضت إيران طوال تلك السنوات قد تميل إلى "السخرية" من جهود آبي، متسائلين: "لماذا قد يتدخل، كوافد جديد، في أمرٍ لطالما بذلنا فيه جهوداً مضنية؟".
كيف سيستفيد؟
لكن رغم ذلك، فآبي ليس لديه ما يخسره على الأقل فإن الرحلة يمكن أن تحسن وضعه في الداخل بينما تتجه البلاد إلى انتخابات مجلس المستشارين (الغرفة الأخرى في البرلمان) الشهر المقبل. وقال أوكاموتو إنَّه يريد أن يؤسس إرثه "من خلال النهوض بالأجندة الخارجية والداخلية لليابان"، وزيارة طهران تشكل فرصة.
لكن على الرغم من أنَّ آبي كان محامياً نشطاً لليابان في الخارج، ينبغي عليه "بعد أن يقدم للشعب حلولاً ملموسة للعديد من القضايا المهمة، خاصة مع روسيا وكوريا الشمالية" بحسب أوكاموتو.
فقد سعى الزعيم الياباني إلى التدخل في النزاع حول البرنامج النووي لكوريا الشمالية، وعرض أن يجتمع مع زعيم البلاد دون شروط مسبقة. وتودد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشدة، في محاولة لإنهاء نزاع إقليمي دام عقوداً على جزر قبالة المقاطعة الشمالية من اليابان.
لم تسفر تلك الجهود عن نجاح كبير. تجاهلت كوريا الشمالية مناشداته، ولم تَحدث نقلة نوعية في المناقشات مع روسيا. وأدت مغازلات آبي للرئيس ترامب أيضاً إلى منافع محدودة. فقد أجَّلت خطر الضرائب الأمريكية على الصادرات اليابانية الرئيسية، دون أن توقفه كلياً.
حقق رئيس الوزراء نجاحاً أكبر مع الصين. في العام الماضي أصبح أول زعيم ياباني يزور البلاد منذ خلاف عام 2012 حيال الجزر المتنازع عليها، والتي عرقلت العلاقات مع بكين.
الخلاصة: قال دانييل شنايدر، الخبير في الدبلوماسية اليابانية بجامعة ستانفورد، إنَّه حتى لو كان النجاح بعيد المنال، فليس هناك جانب سلبي حقيقي للمحاولة.
وتابع: "لا أرى الرئيس الفرنسي ذاهباً إلى إيران"، مضيفاً: "إذا ذهب آبي، فقد يتبعه آخرون، وهذا يجعل من الصعب إثارة صراع".