دفع نجاح العصيان المدني في السودان في يومه الأول المجلس العسكري لمحاولة التفاوض مع القوى الثورية، كما بدأ يغير من روايته عن مذبحة فض الاعتصام.
في المقابل، أدت الاستجابة واسعة النطاق للعصيان المدني إلى تصليب موقف قوى الحراك، إذ كشف تجمع المهنيين، الذي يقود قوى الحرية والتغيير في السودان، عن خطة تحركه في الأيام القادمة، لضمان استمرار العصيان المدني الشامل حتى تسليم السلطة لحكومة مدنية.
خطة الحراك للأيام القادمة.. تتريس بلا مواجهة مع "الجنجويد"
وأعلن التجمع في تغريدات له على حسابه بموقع تويتر استمرار العصيان المدني اليوم الإثنين وغداً، وحتى تتسلم سلطة مدنية الحكم في البلاد، مؤكداً أنه لا تصالح ولا تنازل أو مهادنة ولا مصافحة مع من وصفهم بالمجرمين.
وقال تجمع المهنيين، في إحدى تغريداته، إن الحراك سيستمر في "تتريس" كل الشوارع الرئيسية والفرعية والكباري دون حراستها، ولكن مع الإصرار على إعادتها مرة ثانية إذا قامت من وصفوها "بالجنجويد وميليشيات المجلس العسكري الانقلابي" برفعها وإزالتها.
وأكد التجمع ضرورة تجنب أي مواجهة مع قوات الدعم السريع والأجهزة الأمنية، والحفاظ على الطابع السلمي للاحتجاجات عموماً، والعصيان المدني خصوصاً.
وتحولت المتاريس إلى رمز "للعصيان المدني" الذي بدأته الحركة الاحتجاجية، أمس الأحد، ضد المجلس العسكري الانتقالي الذي يتولى السلطة منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير في 11 أبريل/نيسان الماضي.
لعبة الكراسي الموسيقية.. الجيش والشرطة يزيلان المتاريس
وبينما يسابق المحتجون الزمن لوضع متاريس في كثير من الشوارع والأزقة، وإعادة ما تم رفعه منها؛ تتجول دوريات من الشرطة وقوات الدعم السريع، وتترجل من شاحناتها وسياراتها وتعمل على إزالة المتاريس من وسط الطريق بأيديها، وبواسطة جرافات، وتضرم النار في كل ما يمكن إحراقه من مخلّفات لتفادي استخدامه من قِبل المحتجين.
وتعتبر السلطة العسكرية الحاكمة أن من يقطعون الطرق يثيرون "الفوضى"، ودعا الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، نائب رئيس المجلس العسكري، السودانيين إلى التعاون مع قوات الأمن لإزالة المتاريس من الطرق.
وحدات لتوعية المواطنين وتوصيل الغذاء للأطفال والمسنين
وبالإضافة إلى المتاريس، أعلن التجمع أيضاً أنه شكل وحدات تتجول في البيوت والدواوين للتوعية وتوصيل المعلومات وشرح أهداف العصيان المدني الشامل.
كما كشف أيضاً عن وجود "ناس مسؤولين عن ضمان وجود مصادر الأكل والشرب لسكان كل حي، خاصة كبار السن والأطفال والمحتاجين".
وفي تغريدة أخرى، تحدث تجمع المهنيين أيضاً عن "ناس مسؤولين عن نقل مرضى الحالات الطارئة للمستشفيات بالتنسيق مع اللجان الطبية الفرعية".
لا تدفعوا أي رسوم للحكومة
وطالب التجمع مؤيديه بالاستمرار في قف العمل في كافة المؤسسات والمرافق في القطاعين العام والخاص، وعدم دفع أي رسوم أو تعامل مع النظام السياسي الحاكم، وعدم الانصياع لقوانينه، مع الحرص على البقاء في الأحياء والفرقان في المدن والقرى في كل أنحاء السودان.
وجاء إعلان قوى إعلان الحرية والتغيير في السودان استمرار العصيان المدني الشامل لليوم الثاني على التوالي، على الرغم من بيان المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في السودان، والذي حمّل قوى الحرية والتغيير مسؤولية تأزم الوضع، مطالباً بإنهاء العصيان المدني وإزالة المتاريس التي يقيمها المحتجون في شوارع كافة مدن وولايات السودان، والعودة إلى طاولة المفاوضات.
وجاء البيان بعد ساعات من بيان المجلس العسكري الانتقالي، والذي دعا إلى إنهاء العصيان المدني وحمل قوى الحرية والتغيير مسؤولية تأزم الأوضاع في السودان، معتبراً أن قوى الحرية والتغيير استغلت أحداث فض اعتصام القيادة العامة للجيش للتصعيد ضد المجلس، وإنهاء المفاوضات التي كانت جارية لتسليم السلطة.
ولاقت دعوة قوى إعلان الحرية والتغيير للعصيان المدني في كافة المدن والولايات السودانية، استجابة واسعة، حيث خلت الشوارع والمحال التجارية والمؤسسات الحكومية والخاصة من الجماهير، فيما أغلق النشطاء عشرات الطرق والشوارع استجابة لدعوات العصيان المدني والإضراب العام.
وكانت لجنة الأطباء السودانيين أعلنت ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 117 قتيلاً منذ أحداث فض الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش السوداني، الأسبوع الماضي، بعد مقتل 3 أشخاص في أول أيام العصيان المدني الشامل.
وأظهرت صور بثها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي إغلاقاً شاملاً في الأسواق الرئيسية بمختلف المدن السودانية، وتعطل حركة المواصلات والنقل، لا سيما مطار الخرطوم، فضلاً عن شلل شبه كلي في عمل المصارف والمستشفيات.
"العسكري السوداني" يقلل من تأثير العصيان
من جانبه، سارع المجلس العسكري إلى التقليل من شأن العصيان المدني، وقال رئيس اللجنة الأمنية في المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول جمال عمر، إن المواطنين لم يستجيبوا لدعوات العصيان، وأصروا على الوصول إلى مواقع عملهم رغم المعوقات والحواجز.
وبادرت قوات الأمن وعناصر الدعم السريع لإزالة المتاريس من الكثير من الطرقات الرئيسية في الخرطوم، كما أعادت فتح ساحة الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش لأول مرة منذ بداية الاعتصام.
وصاحب هذه الإجراءات انتشار كثيف لقوات الدعم السريع في الشوارع والساحات الرئيسية بالعاصمة الخرطوم، بعد أن كانت شبه غائبة صباح أمس الأحد في بعض أحياء الخرطوم، وتحديداً حي "شمبات" مع بداية سريان العصيان المدني، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
ولكنه مستعد لاستئناف التفاوض.. ويتحدث عن خطأ في تنفيذ فض الاعتصام
وعلى المستوى السياسي، أكد الفريق شمس الدين كباشي، المتحدث باسم المجلس العسكري الانتقالي، أن المجلس مستعد للاستماع إلى مطالب المعارضة، واستئناف المفاوضات التي أوقفها بعد اقتحام مقر الاعتصام.
واعترف كباشي -في مقابلة مع الجزيرة مباشر- بأن المجلس قطع الإنترنت عن الخرطوم، دون أن يقدم أسباباً لذلك.
كما أقرّ بوقوع "خطأ في التنفيذ" خلال العملية الأمنية التي أفضت إلى فض الاعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم، الذي خلف عشرات الضحايا من المعتصمين.
وأضاف كباشي أن التخلص مما سماه "بؤرة كولومبيا" دون التعرض للاعتصام كان محل اتفاق مع قوى الحرية والتغيير، لكن الخطأ وقع في التنفيذ.
وأشار إلى أن السلطات شكلت مجلساً للتحقيق في ملابسات ما جرى الإثنين الماضي أمام القيادة العامة.
وكانت السلطات مهدت للعملية الأمنية بالقول إن منطقة "كولومبيا" القريبة من موقع الاعتصام باتت تشكل خطراً على الأمن العام بوصفها مسرحاً للجريمة.
وفيما يخص العصيان المدني الذي دعت إليه قوى الحرية والتغيير احتجاجاً على فض الاعتصام، بدا كلام الناطق العسكري السوداني متناقضاً.
إذ قال إن العصيان يشكل ضغطاً على حياة الناس ومعيشتهم، ثم قلل من حجم العصيان المدني، معتبراً أن المؤسسات الحكومية عملت الأحد بشكل جيد ولم تتأثر به كثيراً، بينما أكدت المعارضة التقيد بالعصيان بنسبة كبيرة.
ثم يحمل المعارضة مسؤولية المذبحة
من جهته، حمل عضو المجلس العسكري الفريق أول ركن جمال الدين عمر قوى الحرية والتغيير مسؤولية ما وصفها بالأحداث المؤسفة التي وقعت في الخرطوم، في إشارة إلى فض الاعتصام.
وفي خطاب بثه التلفزيون الرسمي السوداني، قال عمر إن فض محيط الاعتصام كان بعلم مسبق وموافقة من قوى الحرية والتغيير التي اتهمها باستغلال واقعة الفض لوقف التفاوض مع المجلس العسكري.
وعلى تويتر.. تفاؤل بقرب تسليم السلطة الأسبوع القادم!
وعلى تويتر ، وصل وسم "#العصيان_المدني_الشامل" إلى صدارة الوسوم المتداولة في دول عربية عدة، إضافة إلى وسوم أخرى باللغتين العربية والإنجليزية.
ومن جهتها، قالت الناشطة أسماء ميرغني، إن التاريخ سيسجل أنه لم تصدر صحيفة واحدة في الخرطوم، الأحد، بسبب دخول مهندسي وعمال الطباعة في عصيان مدني مفتوح، الذين أعلنوا، حسب قولها، أن "غياب الصحف عن الصدور سيستمر حتى إعلان قيام حكومة مدنية".
أما الناشط السياسي والحقوقي محمد العربي زيتوت، فقال على تويتر: "كلنا #السودان الثائر"، مندداً بمن سماهم الجنرالات القتلة من عملاء السعودية ومصر والإمارات.
وشدد ناشطون عبر تويتر على ضرورة مواصلة العصيان حتى تحقيق أهدافه، وقالوا إن ذلك يتضمن عدم إجراء معاملات حكومية، وعدم دفع فواتير خدمات الماء والكهرباء، وعدم استخدام وسائل النقل العامة.
وقالت ناشطة تدعى "سلمى" في تغريدة إنه إذا نجح العصيان في الاستمرار لليوم الثالث بوتيرة اليوم الأول فسيسلّم المجلس العسكري السلطة للمدنيين قبل أن يكتمل الأسبوع الأول للعصيان.
وبدورها، قالت ناشطة تدعى "رحمة" إن شعب السودان يستحق جائزة نوبل للسلام، معتبرة أن المحتجين صمدوا وحافظوا على سلميتهم رغم العنف الذي واجهوه.