"لقد كان سلاحاً ذا إمكاناتٍ لم يحلم بها أحدٌ مطلقاً.. حتى ذلك الحين"، غير أن أصحابه لم يستخدموه كثيراً، لكنه كان واحداً من الأسلحة الألمانية التي حصل عليها الحلفاء.
كان هذا هو صاروخ The V-2 الباليستي، استخدمه الرايخ الثالث في نهاية الحرب العالمية الثانية قبل أن يقع في يد الأمريكيين عام 1944.
كان سلاحاً امتلكه النازيون فقط، ولم يتردَّدوا في استخدامه ضد باريس والمملكة المتحدة وبلجيكا، ولكن سرعان ما وقع في أيدي أعدائهم، حسب تقرير لموقع El Español الإسباني.
انتقام هتلر الذي لم يتحقق
قام بتطوير V-2 المهندس فيرنر فون براون، وسُمِّيَ كذلك اختصاراً لاسمه الكامل (Vergeltungswaffe-2) أو (سلاح الثأر 2).
لكنه لم يستطع أن يكون اسماً على مسمى؛ فلم يمنع V-2 ونسخته الأولية (V-1) انتشار الحلفاء، لكن كانت له مهمة علمية تكنولوجية فيما بعد.
سعى الأمريكيون والبريطانيون والفرنسيون من الغرب والسوفييت من الشرق إلى جمع غنائم المعركة من التطورات الصناعية التي حقَّقها نظام أدولف هتلر، عند دخولهم أراضيه، وكان V-2 خير مثال على ذلك.
أهم الأسلحة الألمانية التي حصل عليها الحلفاء
"رأى الحلفاء أن هناك أشياء عظيمة يجب تعلُّمها من النازيين في جميع جوانب الصناعة، وكان لديهم اهتمامٌ كبير بالاطلاع على عمل النازيين".
بهذه الكلمات شرح دوغلاس أوريجان، المؤرخ ومؤلف كتاب "Taking Nazi Technology-نقل التكنولوجيا النازية"، لموقع El Español الإسباني، نهم الحلفاء للإنجازات العلمية الألمانية.
وسيصدر الكتاب قريباً في شكل مجلد من دار النشر الأمريكية المرموقة Johns Hopkins University Press. ويُظهِر غلاف الكتاب اثنين من صواريخ V-2 في أثناء انطلاقهما.
لو لم تكن هذه القناعات موجودة لدى الحلفاء، لما أرسل ليزلي غروفز، قائد مشروع مانهاتن (المبادرة الأمريكية التي أدَّت لاحقاً إلى إنتاج القنبلة الذرية الأولى)، مهمة علمية-عسكرية إلى الجبهة في عام 1944، لجمع معلومات حول التقدُّم العلمي الألماني، كما ذكرت مؤخراً تيموثي كويث ومريم هيربرت في المجلة المتخصصة Physics
Today.
يقول أوريجان: "اعتقد النازيون أن صنع قنبلة ذرية صعب للغاية، كان شيئاً درسوه، لكنهم اعتقدوا أنهم سيحتاجون كثيراً من المواد لصنعه".
وتابع المؤلف: "قبل أن يقع العلماء الألمان المسؤولون عن هذه الأبحاث في قبضة البريطانيين والأمريكيين، لم يعلم هؤلاء أن هذا النوع من القنابل يمكن صنعه".
لقد سارعوا بالاستيلاء على إنجازاتهم العلمية
على الرغم من أن الحلفاء كانوا مهتمين، بشدَّة، بمعرفة أيِّ نوع من التكنولوجيا العسكرية كان النازيون يمتلكونها، كانت الحقيقة هي أن الرايخ الثالث تمتَّع بجاذبيةٍ صناعية كبيرة لبلدان مثل الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة.
ومن ثم، وفقاً لأوريجان، فإن أحد أول الأشياء التي فعلها الحلفاء عندما وصلوا إلى برلين كان "الذهاب إلى حيث كانت براءات الاختراع ونسخ السجلات للاستيلاء عليها وإرسالها إلى الولايات المتحدة".
وتابع: "ذهبت التقنيات النازية التي استولى عليها الحلفاء إلى أبعد من تكنولوجيا الفضاء والطيران التي شاع الحديث عنها".
وأضاف: "في الواقع، لقد استفادوا من التقدُّم التكنولوجي للرايخ الثالث والذي تراوح بين كيفية صنع ساعاتِ معصمٍ أفضل وتكنولوجيا لصيد الأسماك أو صناعة الأدوات أو البناء وحتى لصناعة الألعاب".
إنه أعظم نقل للتكنولوجيا في التاريخ
عمل أوريجان بالإضافة إلى كونه مؤرخاً في Analysis Group الاستشارية، وهي شركة مقرها بوسطن، وأمضى السنوات القليلة الماضية، في دراسة معنى هزيمة الرايخ الثالث على المستويَين العلمي والتكنولوجي.
يقول المؤرخ إنه بمجرد هزيمة النازيين، "حدثت أكبر محاولة في تاريخ نقل التكنولوجيا من بلدٍ إلى آخر".
في تلك العملية، كلَّفت المملكة المتحدة ما لا يقل عن ألف باحث من المهتمين بدراسة التقدُّم الألماني في جميع الفروع الصناعية.
ستفعل الولايات المتحدة الشيء نفسه بالاستعانة بما لا يقل عن 500 باحث، وفقاً لأوريجان.
البريطانيون كانوا أكثر تنظيماً من الأمريكيين
على سبيل المثال، يدين البريطانيون والأمريكيون لتقنية التسجيل الألمانية التي طوَّرَتها شركة الكهرباء العامة (AEG)، وأصبحت معياراً للإذاعة البريطانية والأمريكية.
يعترف أوريجان بأن "البريطانيين كانوا أكثر تنظيماً من الأمريكيين" في هذا العمل؛ إذ أصبحت لديهم لجنة صناعية مسؤولة عن الاستفادة من التكنولوجيا الألمانية.
وتابع: "في الولايات المتحدة، حاولت الحكومات والمنظمات الصناعية أن ترسل إلى ألمانيا مهندسين أو فنيين من الشركات التي قد تسمح لعمالها بالسفر إلى أوروبا، لقد كانوا أشخاصاً يتمتعون بمواصفاتٍ علمية، ولم يكونوا بأي حال من الأحوال، من رؤساء الشركات التنفيذيين".
يقول المؤرخ: "كان يجب أن يكونوا أشخاصاً يمكنهم فهْم التكنولوجيا وكتابة تقارير جيدة بشكل معقول".
ولكن العلماء الألمان كانوا يفضلون أمريكا
ومع ذلك، كانت الولايات المتحدة هي البلد الذي كان بإمكان علماء الرايخ الثالث مواصلة العمل فيه.
يُعدُّ فون براون أحد أفضل الأمثلة المعروفة.
يقول أوريجان: "عندما غزا الأمريكيون، في مقدمة قوات الحلفاء، ألمانيا، استولوا على المنشآت التي صُنع فيها V-2 وV-1. أخذوا أكبر عدد ممكن من الوثائق، وضمن ذلك آلات ومخلفات الصواريخ، وأرسلوها إلى أبعد مكان ممكن، لأنهم أرادوا منع السوفييت من الوصول إلى تلك التكنولوجيا".
بعد فترةٍ وجيزة، فكَّر فيرنر فون براون، رئيس وحدة تطوير الصواريخ الألمانية، فيمن سيذهب معه، واختار الولايات المتحدة.
ويضيف مؤلف كتاب "Take Nazi Technology"، أنه وفريقه "عرضوا خدماتهم على الأمريكيين عندما عثرت عليهم القوات الأمريكية".
مِن والد سلاح الانتقام إلى وكالة ناسا
لم تشأ واشنطن أن تخسر العناصر المهمة التي بلورها هذا العقل النازي العبقري، وبهذا ينتهي المطاف بفون براون إلى كونه أمريكياً ويعمل لمصلحة ناسا.
بعد ذلك، سوف يبني مسيرة مهنية في القطاع الخاص، وينشر قدر الإمكان رسالته حول أهمية التطوير الفضائي.
في المؤخرة، تمكَّن البريطانيون والفرنسيون بمفردهم، وبصعوباتٍ أكبر، من تطوير التقنيات التي أتقنها فون براون.
يقول أوريجان: "طلب البريطانيون الاستفادة العلمية من مواد V-2 التي عثر عليها الأمريكيون، ولكن الأمريكيين لم يقدَّموا كثيراً من المساعدة.
وكان لدى الفرنسيين إمكانية الاستفادة من النماذج الأولية من V-2 وكذلك بعض أجزائه، لأن بعضها جرى اختباره أو إطلاقه على فرنسا عندما تم احتلالها".
أما السوفييت فقد نقلوا آلاف العلماء قسراً
من جانبهم، "وصل السوفييت إلى مناطق في ألمانيا حيث أُنتِجَت هذه الصواريخ، وعلى الرغم من أن الأمريكيين قد أخذوا أهم المواد بالفعل، فقد أخذوا عديداً من الآلات التي لا يمكن تفكيكها"، كما يقول هذا المؤرخ.
هذا ما يفسر أيضاً قدرة الاتحاد السوفييتي على منافسة الولايات المتحدة في السباقات الفضائية وصناعة الأسلحة.
عُرِفَ عن الاتحاد السوفييتي استخدام أساليب مشبوهة فيما يخص استغلال تكنولوجيا ألمانيا النازية.
بعملية Osoaviakhim الشهيرة، في 22 أكتوبر/تشرين الأول عام 1946، اختطفت القوات السوفييتية وقوات الكوماندوز التابعة لقوات الأمن نحو 3000 من العلماء والمهندسين والفنيين والمتخصصين الألمان، الذين اضطروا مع أُسرهم إلى السفر في ذلك اليوم إلى الأراضي السوفييتية.
يتذكر أوريجان: "كان أمراً نُظِّمَ بين عشية وضحاها، ودُعي البعض إلى حفلات أُخبروا فيها بأنهم لن يعودوا إلى منازلهم في تلك الليلة، وبالفعل لم يعودوا سوى بعد سنوات عديدة، لأن الاتحاد السوفييتي كان بحاجة إلى إعادة البناء بطرق عديدة، بسبب ما عاناه في أثناء الحرب".
لم يمثِّل الماضي النازي لهؤلاء العلماء أهمية تُذكر في واشنطن وموسكو، العاصمتين اللتين كانتا تستعدان في هذا الوقت لعقود من الحرب الباردة.