يبدو أن انتخابات البرلمان الأوروبي 2019 قد تؤدي إلى مواصلة إنفاذ السياسات غير الإنسانية المتعلقة باللاجئين وطالبي اللجوء، في ظل تحقيق الأحزاب اليمينية المعادية للهجرة مكاسب على حساب الائتلافات الوسطية. غير أنه ثمة فرصة لإبطال هذا الأثر، في حال سعى تحالف تقدمي في البرلمان الأوروبي لإثارة قضية الهجرة باعتبارها مسألة في حاجة ماسة إلى الإصلاح.
تُظهر نتائج الانتخابات، التي أُعلنت الإثنين 27 مايو/أيار، فوز أحزاب أقصى اليمين بانتخابات البرلمان الأوروبي حول أرجاء أوروبا، بما في ذلك دول كبيرة مثل المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا. إذ تعهدت الأحزاب الفائزة بالتشدد في موقفها الصارم في الأصل تجاه الهجرة.
ولأول مرة منذ أربعين عاماً، لم تعد الأغلبية مُشكَّلة من كتل وسط اليمين ووسط اليسار، التي كانت تهيمن من قبل على الاتحاد الأوروبي. فقدت الأحزاب الوسطية أرضيتها في العموم، ولا سيما في ألمانيا.
ترهيب المهاجرين وإثناؤهم عن خوض الرحلة
يقول جوناثان هارفي، الباحث المختص بقضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمقالة له في موقع LobeLog الأمريكي، إن صعود اليمين المتطرف يحمل خطر مفاقمة الظروف أمام المهاجرين الذين يحاولون دخول أوروبا، فهم عالقون في ظروف بشعة نظراً إلى أن الاتحاد الأوروبي يمنعهم من الدخول. بالرغم من أن الاتحاد الأوروبي يمنح حرية الانتقال بين أراضي الدول الأعضاء بموجب اتفاقية شنغن، فإن السياسات الحدودية المُقيِدة، التي تستهدف وقف تدفق المهاجرين، أكسبت القارة العجوز اسماً سيئاً، وهو "حصن أوروبا".
بالرغم من اقتران معاداة المهاجرين عادة بحركات اليمين المتطرف، انخرط قادة التيارات الرئيسية الأوروبيون في عمليات بث الخوف من المهاجرين وفرض تشريعات لاإنسانية لتقييد الهجرة وإثناء المهاجرين عن خوض الرحلة، يضيف هارفي.
عملت مؤسسات الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه جاهدة من أجل إيقاف طالبي اللجوء واللاجئين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط عبر ليبيا، من خلال تمويل حكومة الوفاق الوطني المستقرة في ليبيا وعقد اتفاقات معها. بموجب هذه الترتيبات، حاول خفر السواحل الليبي إيقاف قوارب الهجرة من مغادرة المياه الإقليمية الليبية. أدى هذا إلى الإبقاء على المهاجرين في ظروف غير إنسانية داخل ما يُعرف بمراكز الاحتجاز في طرابلس، حيث سمح تراخي الضوابط فيها بيع الأشخاص باعتبارهم رقيقاً عن طريق المهربين المخالفين للقانون. العلامات المرعبة على الجلد والحروق وعلامات التعذيب الأخرى، تشير إلى الواقع القاسي الذي يواجهه المهاجرون العالقون في ليبيا. وقد اضطلعت أوروبا بدور كبير في التيسير للوصول إلى هذه الظروف.
هجرة متوقعة قادمة لعشرات الآلاف أيضاً
بالرغم من استمرار محاولات المهاجرين لعبور البحر الأبيض المتوسط، في محاولة للهروب من الفقر المدقع والصراعات المشهودة في أوطانهم، يواجه هؤلاء ظروفاً خطيرة أودت بحياة ما يقرب من 40 ألف شخص. وبرغم المحاولات التي تبذلها مجموعات الإغاثة لإنقاذ المهاجرين من الغرق، عارض الاتحاد الأوروبي عملهم بل وحاول إيقافه.
وقد ساءت ظروف المهاجرين المحتجزين في ليبيا نتيجة للتصعيد الأخير في الحرب الأهلية المشهودة في البلاد. يواصل أمير الحرب الليبي خليفة حفتر هجومه من أجل الاستيلاء على طرابلس، الذي بدأ في أبريل/نيسان وأدى إلى نزوح عشرات الآلاف من المدنيين. سوف يؤدي الصراع بطبيعة الحال إلى توليد مزيد من اللاجئين، وفي الوقت ذاته سوف يعرض حياة المهاجرين الموجودين فعلياً في طرابلس للخطر.
تجادل الجماعات الحقوقية مثل هيومن رايتس ووتش، بأنه من المهم جداً أكثر من أي وقت مضى أن تُدخل أوروبا إصلاحات على سياساتها المعادية للمهاجرين، وبدلاً من ذلك تضمن حصول المهاجرين على ملاذ آمن في أوروبا أو العودة إلى أوطانهم، إذا لم تكن الظروف آمنة بما يكفي.
أوروبا ستتشدد أكثر مع الموجات القادمة
ولمَّا كانت إيطاليا واحدة من وجهات الوصول الرئيسية للمهاجرين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط، يمكن أن يمنح الانتصار الذي حققه سالفيني في انتخابات البرلمان الأوروبي نفوذاً إلى نائب رئيس الوزراء الإيطالي لإدخال ضوابط حدودية أكثر صرامة. وبالفعل، فرض ائتلافه الحاكم مع حركة النجوم الخمسة قيوداً أكثر صرامة على المهاجرين الذين يدخلون إيطاليا ويستقرون فيها.
وأوضحت خطوات أخرى، مثل الاتفاق بين تركيا والاتحاد الأوروبي في 2016، رغبة أوروبا في فرض النظام الشديد على الهجرة. بالرغم من إشادة القادة الأوروبيين بالاتفاق ووصفه بالبراغماتي والناجع، انتقدت مجموعات حقوقية، مثل منظمة العفو الدولية، الاتفاق مسلطة الضوء على عواقبه الإنسانية الكبيرة. واجه عدد لا يحصى من اللاجئين السوريين، الذين يحاولون الوصول إلى اليونان عبر تركيا، الطرد القسري من الجزر اليونانية في إطار الاتفاقية. ولا يزال عشرات الآلاف من اللاجئين عالقين بأعداد مكتظة في أحوال "غير آمنة، وقذرة" في اليونان، منتظرين معالجة حالاتهم قبل العودة إلى تركيا.
أقر قادة أوروبيون بارزون مثل المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ضمن القليلين الذين استقبلوا في بلادهم أعداداً كبيرة من اللاجئين، بوجود إشكاليات في بعض سياسات الهجرة الأوروبية. لكن الصعود الجديد للأحزاب المعادية للهجرة يمكن أن يؤثر على قادة الاتحاد الأوروبي لدعم سياسات صارمة تجاه المهاجرين، تشبه ما حدث في ليبيا.
الضغط من أجل إصلاح سياسات الهجرة
بيد أن هناك فرصة للطعن على سياسات الاتحاد الأوروبي المعادية للهجرة. بالرغم من تحقيق اليمين المتطرف نجاحات في انتخابات الأسبوع الماضي، فاقت عديد من الأحزاب الأوروبية الخضراء كل التوقعات، ولا سيما في ألمانيا وفرنسا، فقد حصلت مجتمعة على 70 مقعداً في البرلمان الأوروبي. إذ إن هذه الأحزاب الخضراء، التي على شاكلة التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين المُكون من عدد من أحزاب وسط اليسار الأوروبية، والأحزاب اليسارية الأخرى يمكنها الاتحاد للضغط من أجل إصلاح سياسات الهجرة في أوروبا.
وبينما يبدو أن كتلاً جديدة سوف تتشكل، يمكن أن يؤدي ظهور تحالف إصلاحي إلى الضغط من أجل إدخال سياسات هجرة أكثر تقدمية. بدون مثل هذه الحركات المتحدة، سوف تبقى سياسات الهجرة القاسية في أوروبا بل وربما تصير أسوأ من ذلك – خاصةً إذا حققت أحزاب اليمين المتطرف كذلك نجاحات في الانتخابات المحلية مستقبلاً.
وفي كل الأحوال، سوف تُجبَر كل من أحزاب الخضر والأحزاب اليمينية المتطرفة بكل وضوح على خوض جدال أقوى حول الهجرة في المستقبل، ولا سيما في ظل محاولة مزيد من المهاجرين الوصول إلى ملاذ آمن في أوروبا وزيادة سوء وضعهم الإنساني.