في أجواء مثيرة للجدل، انتخب برلمان إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني رئيساً للإقليم، أمس الثلاثاء، وذلك خلفاً لعمه مسعود بارزاني، في جلسة قاطعها نواب حزب الاتحاد الوطني بزعامة الراحل جلال طالباني وحراك الجيل الجديد المعارض لحكومة كردستان، وسط اتهامات للرئيس الجديد بأن انتخابه يشكل مخالفة لاتفاقاته مع المعارضة.
وحصل بارزاني على 68 صوتاً من مجموع 111 عضواً في البرلمان، وجاءت الأصوات إليه عبر تصويت كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني التي لديها 45 مقعداً والباقي من الأقليات، بينما قاطع كل من الاتحاد الوطني (21 مقعداً) وحراك الجيل الجيد (12 مقعداً) الجلسة.
وأصبح نيجيرفان بارزاني الرئيس الثاني للإقليم، بعد عمه مسعود بارزاني الذي تم تنصيبه كأول رئيس للإقليم عام 2006، وليمدد هيمنة الأسرة على زعامة الإقليم، خاصة مع أنباء بأنه سيكلف ابن عمه مسرور مسعود بارزاني بتشكيل الحكومة.
وتولي نيجيرفان بارزاني رئاسة وزراء إقليم كردستان في الحكومة الموحدة، التي تشكلت من قبل حزب الديمقراطي والاتحاد الوطني في الإقليم عام 2006، ثم أعيد انتخابه رئيساً للوزراء مرتين للأعوام من 2011 إلى 2013، ثم بين عامي 2013 و2018.
ونافس بارزاني على رئاسة الإقليم، أربعة مرشحين مستقلين، وهم أوميد عبدالسلام قادر ويعمل محامياً، وريبوار عزيز مصطفى ويعمل محامياً أيضاً، ومحمد حمة صالح قادر، حاصل على شهادة جامعية ويعمل في أمن كردستان، وهيوا عبدالله خضر كاتب وشاعر.
نيجيرفان بارزاني سيكلف ابن عمه بتشكيل الحكومة
وسيقوم رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني بتكليف ابن عمه مسرور مسعود بارزاني بتشكيل الحكومة الجديدة بعد عطلة عيد الفطر.
وقال مسؤول في الحزب الديمقراطي الكردستاني المعارض لبارزاني لـ "عربي بوست"، إن "مسرور بارزاني سيقدم التشكيلة الوزارية إلى البرلمان للتصويت عليها خلال 30 يوماً من تاريخ تكليفه بالمهمة.
ويضيف قائلاً إن "الأحزاب الكردية من ضمنها الاتحاد الوطني والتغيير ستشارك في تشكيل الحكومة الجديدة عبر تقديم مرشحيها إلى مسرور بارزاني، وهو بدوره سيقوم باختيار الشخصيات المناسبة للحقائب الوزارية في حكومته المرتقبة في شهر يونيو/حزيران المقبل".
وفي ظل انتقادات حادة توجه للانتخابات من قبل المعارضة، ستعقد القيادة المركزية في الاتحاد الوطني الكردستاني اجتماعاً لبحث تداعيات انتخابات نيجيرفان بارزاني لرئاسة إقليم كردستان.
أكبر أحزاب المعارضة يعتبر انتخابه مخالفاً للاتفاق.. منكم رئيس ومنا محافظ
"للأسف، الديمقراطي الكردستاني خالف اتفاقه معنا، وتمسّك بانتخاب رئيس للإقليم مع تناسيه انتخاب محافظ لكركوك"، بهذه الكلمات علق حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ثاني أكبر الأحزاب الكردية على الانتخابات.
واعتبر الاتحاد الوطني (حزب الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني) في بيان رسمي، أن انتخاب رئيس للإقليم دون الاتفاق على انتخاب محافظ لكركوك المتنازع عليها مع حكومة بغداد، من شأنه أن يزيد ما وصفه بـ "عملية التعريب أكثر ويتحمل بارزاني نتيجته".
وقال الحزب إنه حاول كثيراً خلال الفترة السابقة انتخاب محافظ جديد كردي لمحافظة كركوك، من ضمن الاتفاق السياسي المشترك مع الحزب الديمقراطي الكردستاني حول الإدارة المشتركة، سواء في إقليم كردستان أو بغداد أو كركوك"، إلا أنه للأسف، الديمقراطي الكردستاني خالف الاتفاق.
كركوك خط أحمر.. وعليه أن يتنازل عن الرئاسة ليمنع الحرب الأهلية
انتخاب نيجيرفان بارزاني لرئاسة الإقليم تسبب في أزمة سياسية، وقد يؤدي إلى افتعال حرب أهلية بين الحزبين الديمقراطي والاتحاد الوطني، بحسب ما يرى القيادي في الوطني كاروان أنور.
ويقول أنور لـ "عربي بوست"، إن "الاتحاد الوطني قاطع جلسة انتخاب نيجيرفان بارزاني لرئاسة الإقليم، لأن ترشح بارزاني للرئاسة لم يكن ضمن الاتفاق المبرم سابقاً بين الاتحاد والحزب الديمقراطي، فضلاً عن مخالفته للقانون.
واعتبر أن "اختيار بارزاني بهذه الطريقة هو إعادة للأوضاع والمشاكل السياسية إلى المربع الأول، وفي حال لم يتراجع نيجيرفان بارزاني عن الرئاسة، قد يتسبب هذا في حرب أهلية في كردستان العراق، وخصوصاً بين الحزبين الديمقراطي والاتحاد الوطني".
بشأن ملف كركوك، قال أنور، إن "ملف إدارة محافظة كركوك للاتحاد الوطني، ولن نسمح للحزب الديمقراطي ونيجيرفان بارزاني بالتدخل في شؤون إدارة هذه المحافظة".
حزب بارزاني: كركوك ليست ملكاً للاتحاد الوطني، وبعد طالباني لم يعد لديكم قائد يعتد به
"وضع الاتحاد الوطني غير مستقر ولا يوجد ربان لسفينة الاتحاد بعد رحيل مؤسسه رئيس الجمهورية الأسبق جلال الطالباني"، بهذه الكلمات رد عضو الحزب الديمقراطي علي الفيلي، على انتقادات الاتحاد الوطني.
وجه اتهاماً للاتحاد الوطني بالتعامل مع محافظة كركوك على أنها تابو باسمه (محظور الحديث عنه)، وفرض شروط تعجيزية مقابل مشاركتهم في الحكومة المقبلة.
ويقول الفيلي لـ "عربي بوست"، إن "نيجيرفان بارزاني حصل على 68 صوتاً من مجموع 111 عضواً في برلمان كردستان، وتم انتخابه لرئاسة الإقليم قانونياً، معتبراً أن اعتراض الاتحاد الوطني والأحزاب الأخرى على انتخاب بارزاني مبالغ به".
وأضاف: "إنهم يريدون شيئاً مقابل شيء آخر، ولكن المشكلة أنهم يضعون شروطاً تعجيزية مقابل مشاركتهم في حكومة كردستان".
بارزاني مسؤول تهريب نفط كردستان
"إنه مهندس تهريب نفط الإقليم عن طريق الشركات الأجنبية بطرق غير قانونية ومخالفة للدستور العراقي"، هكذا وصف حزب حراك الجيل الجديد المعارض نيجيرفان بارزاني.
ورفض الحراك آلية اختيار بارزاني لرئاسة الإقليم، إذ قال النائب عن الحراك سركوت شمس الدين لـ "عربي بوست": "ما حدث في قاعة برلمان إقليم كردستان خلال جلسة الانتخاب مخالف للقانون، وتضليل للعملية الديمقراطية المزيفة في كردستان العراق.
وأضاف: "لم يكن هناك مرشح آخر أو منافس لنيجيرفان بارزاني لرئاسة الإقليم، معتبراً أن الحزب الديمقراطي الكردستاني فرض قوته وسيطرته على برلمان الإقليم".
وقال إن "حزب برزاني وحلفاءه استطاعوا من خلال الأغلبية التي يمتلكونها اختيار المرشحين للمناصب الوزارية وتشكيل حكومة الإقليم بدون رجوع للكتل السياسية الأخرى".
وأضاف أن "حراك الجيل الجديد رفض القانون الجديد الخاص برئاسة كردستان لأنه صنع دكتاتورية جديدة لكردستان بطرق قانونية، عبر انتخابات مسيسة أدت إلى وصول نيجيرفان للحكم دون مراقبة السلطة التشريعية أو القضائية، ليصبح صاحب السلطة الأعلى في الإقليم بدون مراقبة"، حسب قوله.
"حكومة كردستان أصبحت اليوم حكومة آل بارزاني، حسبما يقول شمس الدين.
إذ إنهم يسيطرون على الرئاسة والبرلمان والحكومة والقضاء والنفط والمالية وكل شيء في كردستان العراق.
وقال متندراً إن "مهندس النفط المهرب أصبح حالياً يمثل السلطة الأعلى في الإقليم".
أخطر الاتهامات.. إنه يتحرك لإعلان دولة كردية
"نيجيرفان بارزاني سيعمل في الفترة المقبلة على فرض سيطرته بشكل مباشر على النفط والغاز الطبيعي وثروات الإقليم، حسبما يرى شمس الدين.
وأضاف أن بارزاني سيعمل على تحسين علاقته بحكومة بغداد، رغم أنه يدرك أن بغداد تمثل تهديداً مباشراً له، وبعدها سيبدأ بالتحرك باتجاه كركوك وإعادة العمل على إعلان دولة كردية منفصلة عن العراق".
ولفت إلى أن الرئيس الجديد كان يقف وراء افتعال أزمة النفط بين بغداد والإقليم.
وها هو الاتحاد الوطني يكشف عن شروطه للمشاركة بالحكومة.. كركوك هي الثمن
رغم كل هذا الوعيد فقد كشفت المعارضة عن شروطها للمشاركة في الحكومة.
فقد قال مسؤول في الاتحاد الوطني الكردستاني، رفض ذكر اسمه، لـ "عربي بوست"، إن "القيادة المركزية في الاتحاد ستعقد اجتماعاً لاتخاذ عدة قرارات من ضمنها مقاطعة حكومة نيجيرفان بارزاني والطعن في قانونية جلسة انتخاب بارزاني لرئاسة الإقليم".
وقال إن "الحزب الديمقراطي أخل بالاتفاق المبرم سابقاً مع الاتحاد الوطني، ولم ينفذ بنوده، الأمر الذي دفع الاتحاد الوطني لمقاطعة جلسة انتخاب نيجيرفان بارزاني لرئاسة إقليم كردستان.
ولفت المسؤول إلى أن "الاتحاد الوطني سيضع شروطاً مقابل إنهاء مقاطعة جلسات برلمان الإقليم ومشاركته في حكومة كردستان، أبرزها إعطاؤه منصب محافظ كركوك ووزارة العدل في الحكومة الاتحادية للاتحاد، وكتابة بنود جديدة وعدم التدخل في إدارة كركوك".
الهدف من تولي بارزاني الرئاسة فتح الطريق لابن عمه
نيجيرفان بارزاني لن يفرط في القضايا القومية الكردية، بحسب ما قال الباحث بالشأن الكردي علي ناجي لـ "عربي بوست".
وقال إنه لا يختلف عن مسعود بارزاني أو عن أي كردي في هذا الشأن، ويعتبر كركوك هي وغيرها من المناطق المتنازع عليها أراضي كردية.
وأضاف ناجي لـ "عربي بوست"، أن "اختيار نيجيرفان بارزاني لمنصب رئيس إقليم كردستان، جاء لفتح المجال أمام مسرور نجل مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني لتولي منصب من المناصب السيادية بكردستان العراق".
وأضاف: "سابقاً كان منصب رئيس الإقليم الذي شغله مسعود بارزاني يمتاز بصلاحيات أكثر، حالياً نجد العكس حيث ذهبت الصلاحيات لرئيس الحكومة بسبب النفوذ الموجود لديه داخل كتلة حزبه النيابية، فضلاً عن أن كل الأجهزة الأمنية بالاقليم مسيطر عليها من قبل مسرور بحكم منصبه السابق كمستشار الأمن للإقليم".
ولكنهم لن يستطيعوا السيطرة على كل الإقليم
هناك صعوبة أمام سيطرة الحزب الديمقراطي قانونياً على إدارة إقليم كردستان برمته، حسبما يقول ناجي.
إذ يوضح أن هناك إدارتين في كردستان، الأولى تتضمن أربيل ودهوك تدار من قبل حزب بارزاني، والإدارة الأخرى تشمل السليمانية وحلبجة تدار من قبل الاتحاد الوطني (حزب الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني) ، مشيراً إلى أن الحزب الأخير لديه خلافات داخلية بشأن توزيع المناصب".
وعلق ناجي على الاتهامات لبارزاني بتهريب النفط قائلاً "عمليات تهريب النفط مستمرة من الجانبين، سواء من قبل الإدارة الأولى التابعة لآل بارزاني في أربيل ودهوك باتجاه تركيا، أو الإدارة الأخرى في السليمانية التابعة لآل طالباني التي تهرب النفط باتجاه إيران".
ورأى الباحث في الشأن الكردي، أن "نيجيرفان بارزاني لا يختلف عن مسعود بارزاني، وحتى اللحظة مشاكل كردستان لم تحل مع الحكومة الاتحادية، لعدم التزام أربيل بالاتفاق مع بغداد بشأن تصدير النفط عبر أنابيب الحكومة الاتحادية".
وكانت نتائج الانتخابات البرلمانية للاقليم كردستان التي جرت في سبتمبر/أيلول 2018، قد أظهرت حصول الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني على 45 مقعداً، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الراحل جلال طالباني على 21 مقعداً، وحركة التغيير بزعامة الراحل نوشيروان مصطفى على 12 مقعداً، وحراك الجيل الجديد على 8 مقاعد برئاسة شاسوار عبدالواحد، والجماعة الإسلامية التي يترأسها علي بابير على 7 مقاعد، وقائمة نحو الإصلاح التي يترأسها الرئيس العراقي برهم صالح على 5 مقاعد، إضافة إلى عشر مقاعد تمثل كوتا الأقليات، من مجموع مقاعد برلمان الإقليم البالغة 111 مقعداً.