حقَّق اليمين المتطرِّف في انتخابات الاتحاد الأوروبي مكاسب ضخمةً في بعض الدول، لكنَّه أيضاً عانى من خسائر في دولٍ أخرى، ليتبيَّن في النهاية أن "الفيضان الشعبويَّ" الموعود ما هو إلا موجةٌ صغيرةٌ، وذلك بعد أشهرٍ من التباهي، والوعيد، والخطاب المُنذِر بنهاية أوروبا القديمة.
ما حصل أن الجماهير الأوروبية توقَّعت عروضاً قويةً من قادةٍ بارزين في التيار اليمينيِّ المتطرِّف الأوروبيِّ، أمثال رئيس وزراء المجر المُعادِي للهجرة فيكتور أوربان، الذي حصد حزبه "فيدس" أكثر من نصف عدد الأصوات، ووزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني، الذي كان حزبه "الرابطة" هو أكبر الأحزاب.
لكن مع أنَّ بعض الأحزاب التقليدية الكُبرى قد تكبَّدت خسائر في عديدٍ من الدول، فلم تذهب الأصوات جميعها، لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ، إلى الأحزاب الشعبوية أو اليمينية المتطرِّفة، إذ تُبلي الأحزاب الخضراء والأحزاب المؤيِّدة للاتحاد الأوروبي هي الأخرى بلاءً حسناً، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية.
توجّه "بسيط" فقط نحو اليمين
"أرى توجُّهاً بسيطاً إلى اليمين، لكنَّه ليس بالقدر الكافي لتهديد نشاط الاتحاد الأوروبي. فقد كان هناك حراكٌ من القوى المؤيِّدة للاتحاد الأوروبي في هذه الانتخابات أيضاً"، يقول بيتر كريكو، رئيس مركز الأبحاث Political Capital في العاصمة المجرية بودابست.
الأحزاب القومية واليمينية المتطرفة، من المؤكَّد أنها ستحظى بمزيدٍ من التمثيل في هذا البرلمان الأوروبي عن أي نسخةٍ سابقةٍ. وكان سالفيني قد حاول استغلال الموقف في تأسيس ما طمح إلى أن يصبح ائتلافاً كبيراً قبل الانتخابات، لأجل الجَمع بين جميع الأحزاب اليمينية المتطرفة المُعادية للهجرة تحت مظلةٍ واحدةٍ.
لكن بسبب الخلافات الشخصية والسياسية حول قضايا مثل التعاون مع روسيا، والشبكة الحالية من التحالفات الأوروبية، كان هذا معناه أنَّه حتى أحزاب اليمين المتطرِّف الرابحة قد تجد صعوبةً في بناء كتلةٍ متماسكةٍ في البرلمان الجديد.
"لا أتوقَّع ظهور أية جماعةٍ يمينيةٍ متطرِّفةٍ قويةٍ في المستقبل القريب"، بهذا علَّق كاس مودي، الخبير في الشعبوية والأستاذ بجامعة جورجيا، على المشهد الأوروبي.
خارطة الفوز والخسارة لأحزاب اليمين المتطرف
تباين المشهد الانتخابي بالنسبة لأحزاب اليمين المتطرِّف من دولةٍ إلى أخرى:
1- سلوفينيا: حاز حزبٌ مُعادٍ للهجرة على أغلبية الأصوات.
2- سلوفاكيا: جاء في المركز الأول ائتلافٌ تقدُّميٌّ يروج لأجندة قائمة على التعايش ويؤيد الاتحاد الأوروبي.
3- بولندا: حقَّق الحزب الشعبويُّ الحاكم نصراً كبيراً، لكن فشل ائتلافٌ يمينيٌّ متطرِّفٌ في عبور حدِّ 5%.
4- بلجيكا: كان حزب "فلامز بيلانغ" على موعدٍ للفوز بمقعدَين في البرلمان الأوروبي.
5- هولندا: خسر حزب "الحرية" المُعادي للإسلام جميع مقاعده الأربعة، بما فيها مقعد قائد الحزب، خيرت فيلدرز. وذهبت 3 مقاعد إلى تييري بوديه، القائد الشعبوي الهولندي الجديد الذي كان يسحب الأصوات من فيلدرز. وهو عددٌ أقل مما تنبَّأت به استطلاعات الرأي.
6- الدنمارك: لاقى حزب "الشعب الدنماركي" خسارةً فادحةً في صناديق الاقتراع، الذي انضمَّ بحماسةٍ إلى ائتلاف سالفيني الجديد، وخسر ثلاثةً من مقاعده الأربعة الحالية.
7- ألمانيا: جاء حزب "البديل من أجل ألمانيا" رابعاً، وفاز بأحد عشر مقعداً كما تنبَّأت الاستطلاعات.
8- فرنسا: تصدر حزب مارين لوبان "الجبهة الوطنية" الشعبوي، قائمة الأصوات في فرنسا بفارقٍ ضئيلٍ على حزب الرئيس الفرنسي ماكرون.
9- إيطاليا: أحكم ماتيو سالفيني قبضته على الحكومة الشعبوية الحاكمة في روما بعد الانتخابات الأوروبية، بحصول حزبه "الرابطة" على أكثر من 34% من الأصوات.
10- المجر: من مقرِّ حملة حزب "فيدس" اليميني المتطرف، على ضفاف نهر الدانوب في قلب بودابست، أعلن أوربان عن انتصار الحزب ليلة الأحد 26 مايو/أيار، قائلاً إنَّ "الانتخابات قد منحته تفويضاً جديداً للإسهام في بناء أوروبا مختلفةٍ". وحصد "فيدس" 52% من الأصوات و13 من مقاعد المجر الواحدة والعشرين.
المشهد الأوروبي ما بعد الانتخابات
- سيكون البرلمان الأوروبي الجديد ذا طابعٍ مختلفٍ عن البرلمان السابق، إذ زادت قبضة الأحزاب القديمة التقليدية ضعفاً. يقول سالفيني أنَّ هذه الأصوات تدلُّ على أن "أوروبا تتغيَّر". فيما تحدَّث أوربان عن بدء "حقبة جديدة في السياسة الأوروبية".
- "الوضع الراهن قد انتهى" في البرلمان الأوروبي، يقول وزير الخارجية المجري بيتر زيجارتو، ويضيف: "حتى الآن، بعد انتخابات البرلمان الأوروبي، كان اللغز بسيطاً للغاية: تحالَف حزب الشعب الأوروبي مع الاشتراكيين، وحصدوا الأصوات بأغلبيةٍ مريحةٍ، الآن لا أحد يستطيع الجزم بما سيبدو عليه التكوين النهائيُّ للأغلبية".
- "تعد مسألة تشظِّي أنظمة الأحزاب الأوروبية على جميع الألسنة مرةً أخرى، كما كانت من قبل، أو كان ينبغي أن تكون في 2014″، يقول الخبير كاس مودي، ويردف: "لقد نقصت الأحزاب الكبيرة، وصارت الأحزاب السائدة الآن أحزاباً متوسطة الحجم، بل صار بعضها صغيراً، فيما حلَّ محلَّها المزيد والمزيد من الأحزاب الجديدة والأحزاب متوسطة الحجم المناهضة للمؤسَّسة الحاكمة".
- هناك انقساماتٌ بين الأحزاب اليمينية المتطرفة المعادية للهجرة حول عديدٍ من القضايا، إذ تشكِّك الأحزاب البولندية والإسكندنافية بقوةٍ في إعجاب سالفيني ومارين لوبان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أي أنَّ أحزاب اليمين المتطرِّف حتى وإن اتَّحدت في التصويت على قضايا معيَّنةٍ، فهي لن تتمكَّن بالضرورة من الهيمنة على الأجندة السياسية.
- "حتى إجمالي الأحزاب الشعبوية والمناهضة للمؤسَّسة الحاكمة من جميع الأطياف لا يتعدَّى ثلث المقاعد في البرلمان الجديد"، يقول بيتر كريكو، موضحاً أنَّ "جميع النقاشات الدائرة حول الأقلية المتكتِّلة ليست منطقيةً، لأنَّ معظم القرارات لا تحتاج سوى أغلبيةٍ بسيطةٍ".