لماذا تتعلق الآمال بالمحكمة الأمريكية العليا لمنع ترامب من محاربة إيران؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/05/28 الساعة 23:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/29 الساعة 08:27 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب - رويترز

"المحكمة العليا هي الحل"، هكذا ترى مجموعة من الباحثين والمشرعين الدستوريين الذين يأملون في اتخاذ الكونغرس إجراءً قانونياً يهدف إلى تقييد سلطات ترامب في الحرب.

يريد هؤلاء الخبراء من رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي اللجوء إلى المحكمة العليا، من أجل وقف توريط ترامب لأمريكا في الحروب، سواء في اليمن أو أي حرب محتملة مع إيران، حسبما ورد في تقرير نُشر بموقع Vox الأمريكي.

قضية هؤلاء الخبراء واضحة: فترامب يُشرك الولايات المتحدة في الحرب منفرداً، وهذا غير دستوري.

لماذا تعد مشاركة أمريكا في حرب اليمن غير دستورية؟

يشيرون إلى أنه لمدة أربع سنوات، شاركت الولايات المتحدة في حرب اليمن، دون أي موافقة من الكونغرس، الذي طلب من ترامب بوضوح الانسحاب منها.

تجاهل ترامب هذا القانون الذي يعد بمثابة توجيه من الكونغرس،والآن، بينما يصعد البيت الأبيض التوترات مع إيران، فإن هناك قلقاً متزايداً من أنَّه ما لم تتخذ إجراءاتٌ قانونية، فإنَّ الكونغرس سيتنازل عن المزيد من صلاحيات الحرب لصالح لترامب.

حرب اليمن تثير الغضب بالكونغرس/Reuters

في أبريل/نيسان، أصدر الكونغرس قراراً تاريخياً يختص بسلطات الحرب، يوجه ترامب بإبعاد القوات المتورطة في "أعمالٍ عدائية" باليمن. استخدم ترامب حق النقض ضده، مثبتاً بصمات الولايات المتحدة على واحدةٍ من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم: فوفقاً لتقرير الأمم المتحدة الأخير، يحتاج 80% من سكان اليمن -24 مليون شخص- إلى المساعدات الإنسانية. وفشل مجلس الشيوخ في الوصول إلى الحد الأدنى البالغ 67 صوتاً لتجاوز الفيتو التنفيذي على مشروع القانون.

وقال ترامب إنَّ قرار سلطات الحرب كان محاولةً "لإضعاف سلطاته الدستورية".

لكنَّ ما تجاهله ترامب في تصريحه هذا أن سلطة التصريح بإعلان الحرب بالطبع في يد الكونغرس، لا الرئيس.

ويناقش الخبراء الدستوريون الآن مسألة قانون صلاحيات الحرب الذي أصدره الكونغرس وهل هو قانونٍ استثنائي، ويقولون إنَّه سؤالٌ أساسي يوجهه الدستور حول سلطة الإذن بشن الحرب، وكثيرٌ من الأشياء توجد على المحك بسبب هذا القانون.

توسيع ترامب لسلطته يثير المخاوف من حرب جديدة

تورَّطت الولايات المتحدة في اليمن قبل أربع سنوات، عندما بدأت السعودية وحلفاؤها حملةً عسكرية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.

تزود الولايات المتحدة السعوديين بالمعلومات الاستخبارية والأسلحة والذخيرة، وحتى أواخر العام الماضي كانت تزود طائراتهم بالوقود.

والطائرات الحربية التي قصفت حافلة مدرسية وقتلت 40 طفلاً على الأقل، في أغسطس/آب الماضي، فعلت ذلك بقنبلة أمريكية الصنع.

تقييد سلطات ترامب في الحرب
حرب اليمن أكبر مأساة إنسانية في العالم

أودت الحرب بحياة أكثر من 50 ألف شخص، وفقاً لتقديراتٍ مستقلة، وتركت الملايين في حاجةٍ إلى المساعدة. وترامب مصمم على مواصلة مساره، وأظهر أنَّه ملتزم بتحالفه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حتى بعدما اتضح أنَّ الأمير أمر بقتل الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي، الذي كان يعمل بصحيفة Washington Post الأمريكية.

منذ استخدام ترامب لحق النقض، صعَّدت إدارته التوترات مع إيران، مما أثار مخاوف من أنَّ ترامب يسعى إلى تأجيج حربٍ أخرى.

وقد تفاقمت هذه المخاوف يوم الجمعة، عندما تخطَّت الإدارة الكونغرس مرةً أخرى، إذ سمحت من جانبٍ واحد ببيع أسلحة قيمتها 8 مليارات دولار للسعودية وحلفائها لمواجهة إيران.

استخدام الفيتو لا يعني انتهاء الأمر.. ما زال بالإمكان تقييد سلطات ترامب في الحرب

"حق النقض الذي استخدمه الرئيس لا يُنهي هذه المناقشة"، حسبما يقول بروس أكرمان، الباحث في القانون الدستوري بجامعة ييل، لموقع Vox.

وقد أرسل مع مجموعةٍ متنوعة من الخبراء القانونيين رسالةً إلى بيلوسي، تحثها على اتخاذ إجراءاتٍ قانونية.

وقال أكرمان: "هذه لحظة فاصلة، سواءٌ بالنسبة لسلطة الكونغرس على الحرب، وللمحكمة العليا للولايات المتحدة. أليس من المفترض للمحكمة العليا للولايات المتحدة، التي تدعي الالتزام بالمعنى الأصلي للنص، أن تأخذ أمراً كهذا على محمل الجد؟".

لقد تجاوز الرؤساء الأمريكيون الكونغرس في مسألة الحرب

من الناحية الدستورية، الكونغرس هو من يملك سلطة إعلان الحرب، والرئيس، بصفته القائد الأعلى يتمتع بسلطة توجيه الجيش بعد موافقة الكونغرس. لكن تاريخياً سارت الحرب الأمريكية بطريقةٍ مختلفة، لقد تجاوز الرؤساء باستمرار حدود سلطتهم.

على سبيل المثال، استخدم رؤساء كلا الحزبين على مدار الأعوام الثمانية عشر الماضية نفس تفويض الكونغرس لحرب عام 2001 -الذي أُقر بعد 11 سبتمبر/أيلول- مبرراً لخوض الحرب في أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك اليمن. لم تطلب إدارة أوباما من الكونغرس تفويضاً محدداً قبل التدخل في اليمن. وكذلك لم تفعل إدارة ترامب، فقد تجاوزت السلطة التشريعية بالتفاوض على صفقات أسلحة بمليارات الدولارات وشن عملياتٍ عسكرية.

والكونغرس سمح بذلك

"الهيئات القانونية السرية" كانت وسيلة الرؤساء الأمريكيين دوماً لتجاوز صلاحيات الكونغرس في الحرب.

إذ تقول قالت ماري دودزياك، الباحثة الدستورية في كلية الحقوق بجامعة إيموري، إنَّه بدلاً من السعي للحصول على موافقة الكونغرس على الحرب، مال الرؤساء بشكلٍ متزايد إلى مستشاريهم القانونيين الداخليين لإنشاء هيئة قانونية سرية إلى حدٍّ كبير، للدفاع عن مشاركاتهم في الحروب.

"ترك الكونغرس الصلاحيات تتراكم في يد السلطة التنفيذية منذ 11 سبتمبر/أيلول بشكل خاص" حسبما تقول ماري.

والكونغرس يفعل ذلك بالبقاء جالساً دون اعتراض، وهذا هو السبب في أنَّ دور بيلوسي مهم حقاً في الوقت الحالي".

تقييد سلطات ترامب في الحرب
دونالد ترامب ونانسي بيلوسي/ رويترز

ولكن أمام الكونغرس الآن فرصة للمواجهة، وفقاً لماري وآخرين.

إذ يشير خبراء القانون إلى قضية شركة Youngstown للصفائح والأنابيب ضد وزير التجارة سوير أمام المحكمة العليا في خمسينيات القرن العشرين، كي يثبتوا لقيادة الديمقراطيين أنَّ الكونغرس لديه حجة رابحة ضد ترامب حول صلاحيات الحرب.

هناك حكم قضائي قديم يمكن أن يتيح للكونغرس تقييد سلطة ترامب الحربية

ففي عام 1952، خلال الحرب الكورية، أوقف إضراب عمالي إنتاج الصلب، مما قلَّل من توفر المواد الحربية للقوات الأمريكية.

لذلك استخدم الرئيس هاري ترومان سلطاته في حالات الطوارئ للاستيلاء على مصانع الصلب الخاصة، ليجبر عمال الصلب على العودة للعمل، منتهكاً بشكلٍ صارخ أحكاماً محددة في قانون تافت-هارتلي، وهو قانون العمل المناهض للنقابات إلى حدٍّ كبير وصدر عام 1947. كان مبرر ترومان هو أنَّه لا يستطيع شنَّ حرب ناجحة دون المواد المناسبة، وبالتالي كان من حقه التصرف خارج إطار القانون.

رفضت المحكمة العليا موقف ترومان في ذلك الوقت.

صلاحيات الرئيس لها 3 مستويات متفاوتة من القوة تتحدد بناء على موقف الكونغرس

والأهم في هذا الحكم القديم أنَّ رأي القاضي روبرت جاكسون أسس إطاراً واضحاً من ثلاثة مستويات للسلطات الرئاسية، كتب أنَّ صلاحيات الرئيس تصل لأقصى قوتها بإذن الكونغرس فقط.

إذ قال عندما يظهر الكونغرس اللامبالاة، تكون السلطة الرئاسية في "منطقة متوسطة مبهمة"، حيث يمكن لكل من السلطتين المطالبة بالصلاحيات في مسألةٍ معينة.

أخيراً، تكون سلطة الرئيس "في أدنى حالاتها" عندما يعارض الكونغرس بالتحديد أي إجراء.

تورُّط الولايات المتحدة في حرب اليمن يقع بوضوح ضمن هذه الفئة الثالثة.

فقد مرَّر الكونغرس مشروع قانون يتعلق بسلطات الحرب (وُضعت قوانين سلطات الحرب عام 1973 لمنع حربٍ أخرى كحرب فيتنام) يوجه ترامب بالانسحاب تحديداً من اليمن. بإصدار القرار، لم يحاول الكونغرس فقط استعادة سلطاته الدستورية من الرئيس، بل أكد أيضاً أنَّ رئيس السلطة التنفيذية قد تجاوز حدوده كقائد عام، بخوض الحرب دون موافقة الكونغرس.

وقال أكرمان: "لدينا سابقة تأسيسية في هذا الأمر، تتطلب من المحكمة العليا التدقيق في تورط الرئيس في الحرب. إذا لم تلجأ نانسي بيلوسي إلى المحكمة وتحث المحكمة العليا على التدخل بعدما أصدر الكونغرس لأول مرةٍ (قراراً يتعلق بصلاحيات الحرب)، في قضية عدم حصول الرئيس أوباما ولا الرئيس ترامب على إذن، فإنَّها تؤسس لسابقة أنَّ صلاحيات الحرب هذه التي يمتلكها الكونغرس لا ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد".

هل يرغب الديمقراطيون في دخول هذه المعركة؟

منذ استخدام ترامب حق الفيتو، كان المشرعون والنشطاء ينتظرون جميعاً الخطوة التالية في مسألة اليمن.

وقال المتحدث باسم بيلوسي: "نواصل النظر في جميع الخيارات القابلة للتطبيق لإنهاء هذه الأزمة الإنسانية".

وهناك من يشعر بالتفاؤل مثل النائب رو خانا، النائب الديمقراطي عن كاليفورنيا، الذي تحرك بقوةٍ لحصد التأييد لقرار صلاحيات الحرب في مجلس النواب، بينما فعل بيرني ساندرز السيناتور المستقل عن فيرمونت الشيء نفسه في مجلس الشيوخ.

إذ قال خانا: "لم يكن ذلك رفضاً". وأخبر موقع Vox باهتمام القيادة الديمقراطية باللجوء إلى المحكمة. ومع ذلك، لم يقل إنَّ هذه هي أفضل استراتيجية للمضي قدماً.

إنهم لا يستبعدون اللجوء للمحكمة ولكن يفضلون حشد الكونغرس

وقال ساندرز لموقع Vox إنَّه سيدعم بيلوسي في اتخاذ إجراءٍ قانوني، لكنَّه أضاف أنَّ تركيزه الأساسي منصبّ على بناء دعم كافٍ يُمكِّن مجلس الشيوخ من تجاوز فيتو ترامب.

يتحدث ساندرز كثيراً عن اليمن، وعن أهمية صلاحيات الحرب التي يملكها الكونغرس (خاصةً مع تصعيدات ترامب ضد إيران)، على المستوى الوطني، باعتباره أحد أبرز المرشحين الديمقراطيين للرئاسة عام 2020.

وقال ساندرز: "أعتقد أنَّه يتعين علينا حشد الشعب الأمريكي لفهم ماهية هذه الكارثة الإنسانية الرهيبة، ونحن بحاجة للأصوات كي نتجاوز فيتو ترامب، هذا هو الموضوع الرئيسي بالنسبة لي. قد تستمر قضية المحكمة لفترة طويلة، ونحن بحاجة إلى إجراءٍ فوري".

واعترفت ماري بالحاجة إلى الإجراءات القانونية وحملةٍ وطنية لجذب انتباه الأميركيين في الوقت نفسه.

وقالت: "الطريقة الوحيدة لكي يؤدي الكونغرس أي دورٍ في كبح سلطة الرئيس الحربية هي أن يتصرف الكونغرس، أصعب شيء في أي تحرك هو اللامبالاة الشديدة حول نزاعنا من جانب الشعب الأمريكي".

تحميل المزيد