يشهد السودان، الثلاثاء والأربعاء، إضراباً عاماً، استجابة لدعوة "قوى إعلان الحرية والتغيير"، قائدة الحراك الشعبي؛ للضغط على المجلس العسكري الانتقالي لتسليم السلطة للمدنيين.
وأخفق كل من المجلس العسكري و "قوى التغيير" في الاتفاق على نسب مشاركة المدنيين والعسكريين في "مجلس السيادة"، أحد أجهزة السلطة في المرحلة الانتقالية. إذ تتهم قوى التغيير المجلس بالسعي إلى الهيمنة على عضوية ورئاسة مجلس السيادة، ووضع عراقيل أمام المفاوضات، والمماطلة في تسليم السلطة إلى المدنيين.
العصيان المدني إذاً
مع تعثر المفاوضات، دعت قوى التغيير إلى إضراب عام، لمدة يومين، في المؤسسات والشركات الخاصة والعامة والقطاعات المهنية والحرفية. وقالت إن الإضراب والعصيان المدني "عمل مقاوم سلمي لا مفر من استخدامه، لتقويم مسار الثورة واستكماله".
وأعلنت عن تنظيم مسيرات، باسم "السلطة المدنية"، نحو ميدان الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش في العاصمة الخرطوم، الخميس المقبل.
وشهدت الخرطوم ومدن أخرى، خلال الأيام القليلة الماضية، وقفات احتجاجية لعاملين في مؤسسات حكومية وشركات عامة وخاصة وبنوك وجامعات وقطاعات مهنية، للمطالبة بتسليم السلطة إلى المدنيين.
وبدأ العاملون في القطاعات الصحية والهندسية، والمياه والكهرباء، والنفط والغاز، والمصانع وسكك الحديد، والنقل البحري، والنقل العام، والمصانع والقطاعات المهنية، إضرابهم العام صباح الثلاثاء 28 مايو/أيار، بحسب "تجمع المهنيين".
وذكر شهود آخرون أن خدمات المشتركين في شركة "زين للاتصالات" إحدى أكبر شركات الاتصال بالبلاد، قد توقفت، إضافة إلى موظفين برئاسة البنك العقاري الحكومي بالخرطوم.
كما توقف العمل في الميناء البري (أكبر موقف عام للسفريات إلى مدن الولايات بالعاصمة)، ونفذ موظفو شركة "سوداني للاتصالات" إضراباً عن العمل، استجابة للدعوة.
مجلس السيادة نقطة الخلاف المفصلية
إحدى نقاط الخلاف المركزية بين الجانبين، "مجلس السيادة" الذي يتمسك المجلس العسكري بأن يكون غالبية أعضائه من العسكريين، بحسب مصادر في قوى التغيير للأناضول.
المصادر أفادت بأن المجلس العسكري يريد أن يكون مجلس السيادة مكوناً من 7عسكريين و3 مدنيين، وأن يكون رئيسه عسكرياً. بينما تطالب المعارضة بأن تكون أغلبية أعضاء مجلس السيادة مدنيين، وأن يكون رئيسه مدنياً أيضاً.
واتفق الطرفان على نحو 95% من النقاط الخلافية بشأن بقية هياكل أجهزة الفترة الانتقالية، وهما: الحكومة والمجلس التشريعي، بحسب ذات المصادر.
لكن لمجلس السيادة أهمية بالغة لدى الطرفين، إذ يتمتع بصلاحيات مهمة، منها: التصديق على عقوبات الإعدام والمعاهدات والمواثيق الدولية، بحسب وسائل إعلام محلية.
شكوك قوى التغيير من المجلس العسكري
وفقاً للقيادي بتحالف قوى التغيير، عضو وفد التفاوض، الطيب العباسي، فإن "العسكر يتمسكون بغلبة المكون العسكري؛ لأن القرارات داخل مجلس السيادة بأغلبية التصويت".
ويقول العباسي للأناضول: "تمسكهم يثير القلق.. لماذا يخشون من تواجد المدنيين؟ هل لأنهم سيقبلون على محاسبة أركان ورموز النظام السابق الذين قد يواجهون عقوبات ربما تصل إلى الإعدام؟".
وعزلت قيادة الجيش، في 11 أبريل/نيسان الماضي، عمر البشير من الرئاسة، بعد ثلاثين عاماً في الحكم؛ تحت وطأة احتجاجات شعبية، بدأت أواخر العام الماضي؛ تنديداً بتردي الأوضاع الاقتصادية.
ويضيف المعارض السياسي: "ذلك يجعلنا نتشكك في أنهم يحاولون حماية مفسدين سابقين أو وقف أية قرارات متوقعة قد تضر بمصالح رموز النظام السابق".
أهداف الإضراب العام
1- الهدف القريب المأمول من الإضراب بالنسبة لقوى التغيير هو دفع المجلس العسكري إلى التراجع عن موقفه من نسبة تمثيل العسكريين في مجلس السيادة.
2- لكن ثمة هدف آخر محتمل، وهو الإطاحة بالمجلس، برئاسة الفريق عبدالفتاح البرهان، والضغط على الجيش، لتقديم قيادة جديدة تساهم في عملية انتقالية تنتهي بتسليم السلطة إلى المدنيين.
ورغم أن قوى التغيير لم تعلن صراحة رغبتها في إسقاط المجلس، إلا أنها تبث رسائل، عبر المعتصمين، تطالب صراحة بـ "إسقاط مجلس البرهان".
وصكّت قوى التغيير، عبر هؤلاء المعتصمين، هتافها لإسقاط البشير، ثم رئيس المجلس العسكري الأول، عوض بن عوف، وبات هتافهم حالياً هو: "تسقط ثالث"، في إشارة إلى البرهان.
تحديات وتحركات بين الطرفين
لكن الإطاحة بالمجلس العسكري ربما تواجهه صعوبات كبيرة، منها استهلاك طاقة قيادات قوى التغيير في اعتصام طويل الأمد، أمام قيادة الجيش، منذ 6 أبريل/نيسان الماضي.
من المحتمل أيضاً أن يتحرك العسكر للبحث عن أرضية قبول جديدة لهم بين المواطنين، وهو ما يبدو أنهم شرعوا به فعلاً، عبر إعادة النقابات المجمدة، وتقديم حوافز وعلاوات لموظفي الدولة.
كما يمكن أن يتلقى المجلس دعماً من حلفاء إقليميين، وخاصة السعودية والإمارات ومصر، لاسيما إذا اتهم المجلس قوى التغيير بعدم الجدية في المفاوضات، واقترح إجراء انتخابات بعد 6 أشهر. وبالفعل، بدأت وسائل إعلام محلية تتحدث عن ذلك المقترح، إذ فشل الطرفان في بلوغ اتفاق.
ولتحقيق ذلك، وفق خبراء، على "العسكري" أن يتجاوز عقبة المجتمع الدولي، الذي يطالب بتسليم السلطة إلى المدنيين، وكذلك عقبة مجلس الأمن والسلم الإفريقي الذي أمهل "العسكري" 60 يوماً، شارفت على الانتهاء، لتسليم السلطة.
مع كل تلك التطورات سيخضع المجلس العسكري وقوى التغيير لاختبار الشارع والمتغيرات المحلية والدولية. وستشهد الأيام المقبلة حراكاً مكثفاً من الطرفين، لتجاوز ذلك الاختبار، على أمل الوصول إلى السلطة، وإدارة مقاليد الحكم في السودان.