يتوجَّه مواطنو دول الاتحاد الأوروبي الـ28 إلى مراكز الاقتراع هذا الأسبوع بدءاً من اليوم الخميس 23 أيار/مايو، للإدلاء بأصواتهم لاختيار أعضاء البرلمان الأوروبي وسط مناخ يسوده الترقّب وعدم اليقين، بالتزامن مع تخييم شبح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على عملية التصويت وحركة قومية متنامية مُشكّكة في جدوى الارتباط بالاتحاد الأوروبي تحظى بدعم الناخبين.
ويُعتبر البرلمان الأوروبي الكيان الوحيد في الاتحاد الأوروبي، الذي يتشكَّل عبر الانتخاب الشعبي المباشر، إذ يبلغ عدد الناخبين 427 مليون ناخب.
والاتحاد الأوروبي هو كيانٌ معقدٌ من حيث تكوينه، وهي حقيقة قد تربك الناخبين ومراقبي الانتخابات على حدٍّ سواء وتؤدي في كثير من الأحيان إلى نسبة مشاركة منخفضة.
لكن الأمر يختلف هذه المرة. إذ اكتسب القوميون شعبية في جميع أنحاء أوروبا. ويُنظر إلى هذا التصويت باعتباره الاختبار الأخير لنفوذهم مع خوضهم الانتخابات بجبهة جديدة موحّدة. تشير استطلاعات الرأي إلى أنَّ الأحزاب الشعبوية قد تكون حالياً في وضع يُتيح لها فرصة تحقيق مكاسب كبيرة.
وفي ما يلي دليل إرشادي لكل ما تحتاج معرفته عن نظام انتخابات البرلمان الأوروبي المربك، الذي ازداد تعقيداً من خلال تغيير الديناميكيات داخل الكتلة الأوروبية:
1- ما آلية عمل البرلمان الأوروبي؟
يختار الناخبون أعضاء البرلمان الأوروبي البالغ عددهم 751 عضواً (36,9% منهم نساء)، لولاية مدتها 5 سنوات، ويُحدَّد عدد المقاعد المُخصّصة لكل دولة وفقاً لعدد سكانها.
تتّبع كل دولة عملية انتخابية مختلفة قليلاً عن غيرها، مع شرط موحّد بأن يكون عدد المقاعد التي تفوز بها الأحزاب السياسية متناسباً تقريباً مع حصتها في الأصوات. يتعيَّن على الدول الأعضاء إجراء انتخاباتها في موعد لا يسبق يوم الخميس 23 مايو/أيَّار ولا يتجاوز يوم الأحد 26 مايو/أيَّار.
يُعتبر هذا النظام جديداً نسبياً ولا يزال قيد التطوير. وكانت أول انتخابات قد أجريت قبل 40 عاماً مضت.
وبمجرد انتخاب أعضاء البرلمان الأوروبي، ينظّم جميع المشرعين تقريباً في مجموعات أوروبية بناءً على أسس أيديولوجية واسعة، وهناك حالياً 8 مجموعات. لطالما كانت أقوى مجموعة هي "حزب الشعب الأوروبي"، وهو تحالف يضم يمين الوسط ويضم "حزب الاتحاد الديمقراطي" المسيحي الحاكم في ألمانيا، و"حزب الجمهوريين"، وهو الحزب المعارض البارز في فرنسا.
يوافق البرلمان الأوروبي على التشريعات أو يرفضها ويضع الميزانيات ويشرف على مجموعة متنوعة من الهيئات داخل الاتحاد الأوروبي. ويؤدي أيضاً دوراً رئيسياً في اختيار رئيس المفوضية الأوروبية، التي يتولى رئاستها حالياً السياسي جان كلود يونكر من لوكسمبورغ. وكان يونكر، الذي تنتهي فترة ولايته في وقتٍ لاحق من هذا العام، قد أعلن أنَّه لن يكون من بين المرشحين لولاية أخرى.
لكن البرلمان يتقاسم سلطة صنع القرار مع عدد من الهيئات الأخرى، من بينها المفوضية الأوروبية، التي يعين أعضاءها الحكومات الوطنية والمجلس الأوروبي، الذي يُمثّل حكومات الدول الأعضاء.
ولا غرابة في أنَّ هذا يجعل عملية صنع القرار معقدة في أفضل الأحوال، وأصبحت كذلك لأنَّها يتوجب أن تمر من خلال رؤى إقليمية أو أيديولوجية مختلفة. إذ لا يوجد فهم مشترك واحد لآلية عمل الاتحاد الأوروبي. ويختلف دائماً تفسير السياسات إلى حد ما في الـ 28 دولة أعضاء الاتحاد الأوروبي.
2- كيف يؤثر صعود التيار القومي في الانتخابات؟
في حين هيمنت الأحزاب الموالية للاتحاد الأوروبي على البرلمان لفترة طويلة، بدأت حركة قومية وشعبوية آخذة في الانتشار عبر جميع أنحاء القارة العجوز تؤثر في مسار انتخابات الاتحاد.
أعلن ماتيو سالفيني، الزعيم القوي لحزب "رابطة الشمال" اليميني المناهض للمهاجرين في إيطاليا، الشهر الماضي تشكيل تحالفٍ أوروبي جديد من الأحزاب الشعبوية اليمينية المُتشدَّدة، الأمر الذي يُشكّل تهديداً كبيراً على الكتلة الأوروبية.
وفي هذا الصدد، أشارت دافني هاليكيوبولو، أستاذة مساعدة في جامعة ريدنغ البريطانية وخبيرة في شؤون الحركات القومية، إلى أنَّ الأحزاب القومية، التي تبدو للوهلة الأولى غير متوافقة مع كيان عالمي عابرة للحدود، تأمل في تغيير الاتحاد الأوروبي من الداخل.
يدعو سالفيني، الذي يشغل منصب نائب رئيس وزراء إيطاليا ووزير داخليتها، وحلفائه إلى التزام أقوى بالحدود، وتحقيق استقلالية وطنية أكبر، واتحاد أوروبي أضعف. تتشارك الأحزاب الحاكمة في بولندا والمجر، وإن لم تكن جزءاً من تحالفه، وجهات نظر مشابهة.
وأوضحت هاليكيوبولو أن هذه الجماعات نجحت في توسيع نطاق شعبيتها لأنَّ خطابها عن القومية، الذي يُركّز على "الشخص الدخيل"، يُصاغ بعبارات إيديولوجية.
وقالت: "هذا يجعلهم أكثر جاذبية لنطاق عريض من المجموعات الاجتماعية، ما يمنحهم مزيداً من القبول السياسي"، مضيفة: "تلك الأحزاب تحظى حالياً بدعم شريحة واسعة من الناخبين، وليس فقط الرجال البيض الغاضبين المنتمين إلى الماضي".
وأكدَّت هاليكيوبولو أنَّ اكتساب النفوذ على المستوى الأوروبي يمكن أن يساعد تلك الأحزاب على تعزيز وضعها في الداخل. لكن أفكارها القومية قد تحجم قدرتها على تشكيل مجموعة فاعلة داخل البرلمان الأوروبي، وهي خطوة ضرورية لامتلاك سلطة صنع القرارات.
وقالت: "قد تكون هذه الأفكار نقطة ضعفهم لأنَّها –بناءً على تعريفها- تمنعهم في نهاية المطاف من تشكيل تحالفات ناجحة على مستوى الاتحاد الأوروبي".
إلى ذلك، يمكن أن تشكل هولندا الخميس، انطلاقة للمد الشعبوي المتوقع في مختلف أنحاء أوروبا، حيث قد يحقق تييري بوديه النائب الشاب الرافض للتجربة الوحدوية الأوروبية، والمناهض للهجرة فوزاً كبيراً في انتخابات البرلمان الأوروبي، بحسب نتائج الاستطلاع الأولية.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب "منتدى الديمقراطية" بزعامة تييري بوديه سيكون بين أبرز الفائزين. ويخوض منافسة حامية مع الليبراليين بزعامة رئيس الوزراء مارك روته الذي دعا إلى رص الصفوف للتصدي للشعبويين.
3- كيف يؤثر عامل البريكست في الانتخابات؟
كان من المقرر أن تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي في 29 مارس/آذار، لذا لم تكن تخطط للمشاركة في هذه الانتخابات. لكن فشل الحكومة البريطانية في التوصل إلى اتفاق خروج أجبرها على تأجيل المغادرة وهذا بدوره يجعلها مضطرة للمشاركة في الانتخابات.
والخميس 23 مايو/أيار، سيخوض الناخبون البريطانيون تجربة غريبة متناقضة تتمثَّل في انتخاب 73 ممثلاً لكيان تسعى دولتهم إلى الانسحاب منه.
وقد استغلَّ الناخبون البريطانيون الانتخابات المحلية هذا الشهر لمعاقبة حزب المحافظين الحاكم بشدة بسبب مأزق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أن يفعلوا ذلك مُجدَّداً في منافسات البرلمان الأوروبي، إذ تشير نتائج استطلاعات الرأي العام إلى أنَّ المحافظين يأتون في المركز الرابع.
وفي ضوء ذلك، يُتوقع أن يكون المستفيد الأكبر هو حزب "بريكست" الجديد بزعامة نايجل فاراج، السياسي المثير للخلاف والانقسامات وأحد أشد الداعمين علناً لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ووفقا لاستطلاعات الرأي الأخيرة، قد يفوز حزب "بريكست" بأكثر من 30% من الأصوات.
ويعاني حزب العمال البريطاني المُعارض أيضاً من عقاب العديد من مؤيديه لفشله في معركة البقاء في الكتلة الأوروبية. ويُتوقع أن تحقق الأحزاب المؤيدة بقوة للاتحاد الأوروبي مثل حزب الديمقراطيين الليبراليين وحزب الخضر ومجموعة Change UK المُشكَّلة حديثاً مكاسب في انتخابات الخميس.
وبمجرد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سيخلي ممثّلوها مقاعدهم الـ 73 داخل البرلمان الأوروبي وسيعاد توزيع 27 مقعداً من المقاعد البريطانية على بقية الدول الأعضاء في حين سيجري إلغاء الـ 46 مقعداً الأخرى.
تبيّن استطلاعات الرأي في جميع أنحاء أوروبا أنَّ دعم الاتحاد الأوروبي وصل إلى أعلى مستوياته أكثر من أي وقت مضى، وأنَّ الأحزاب التي كانت في وقتٍ من الأوقات تطرح علناً اقتراح السير على خطى بريطانيا، أصبحت نادراً ما تثير فكرة مغادرة الكتلة الأوروبية.
4- لماذا عادةً ما تكون نسبة المشاركة منخفضة للغاية؟
تراجعت نسبة إقبال الناخبين على نحوٍ مطرد منذ الانتخابات الأولى عام 1979، والتي شارك فيها 62% من المواطنين الذين لهم حق التصويت. وفي عام 2014، أدلى 42.6% من الناخبين بأصواتهم، أي أقل كثيراً من متوسط الإقبال على الانتخابات الوطنية في جميع أنحاء أوروبا.
يرجع ذلك، جزئياً، إلى حقيقة أنَّ الانتخابات الأوروبية ينظر إليها الناخبون على نطاق واسع، وحتى من السياسيون المشاركون، باعتبارها أقل أهمية من الانتخابات الوطنية.
وقالت كاتجانا غاترمان، الأستاذة المساعدة بجامعة أمستردام: "من المنظور الأوروبي، يجرى إيلاء أهمية إلى السياسات المحلية بشكل أساسي". وأشارت إلى أنَّ عدم الفهم الجيد لآلية ودور البرلمان الأوروبي يسهم أيضاً في خفض نسبة الإقبال، على الرغم من أنَّ العديد من القرارات السياسية، التي تُتّخذ في البرلمان الأوروبي، تؤثر مباشرةً على السياسات المحلية.
تساعد هذه العقلية أيضاً في توضيح سبب نجاح أحزاب أصغر، من ضمنها بعض الأحزاب القومية الصاعدة، في تحقيق الانتشار وكسب الدعم على المستوى الأوروبي في حين تكافح من أجل فعل ذلك في الداخل. يستخدم العديد من المواطنين تصويت البرلمان الأوروبي كأداة للتعبير عن الاحتجاج، معتقدين أنَّ التداعيات ستكون أقل خطورة.
وقالت غاترمان: "الانتخابات الأوروبية تُعتبر أيضاً مكاناً للأحزاب الأصغر والأحدث أو أحزاب القضية الواحدة ليختبروا مدى قدرتهم على كسب التأييد الشعبي".