البداية اقتصادية
نبدأ من الموقف الاقتصادي فنجد أن اعتماد العراق في توفير المواد الغذائية على طهران قد زاد بصورة متضاعفة في السنوات الأخيرة، خصوصاً أن مرحلة داعش قد أصابت الإنتاج العراقي في مقتل وكانت معدلات الإنتاج العراقية الأسوأ منذ عام 2003.
تستورد العراق أكثر من 16% من إجمالي وارداتها غير النفطية من إيران، كما أن إيران هي المورد الرئيسي لبغداد من الغاز الطبيعي، وهناك عقود موقعة بقيمة 12 مليار دولار تقريباً، ورغم أن العراق يمتلك احتياطات غاز طبيعي ضخمة إلا أنه لا يمتلك البنية التحتية المطلوبة لتكرير الغاز، ليصبح صالحاً للاستهلاك المحلي، لذلك تعتمد كلياً تقريباً على إيران من أجل توليد الكهرباء، وفي المقابل تدفع العراق لإيران نفطاً خام.
الحالة العراقية-الإيرانية في ظل هذه المعلومات والأرقام تبدو غريبة على جارين دارت بينهما حرب مدمرة وكانت علاقتهما تحكمها الندية والتنافس، فماذا حدث ليقلب الموازين ليس فقط اقتصادياً ولكن سياسياً أيضاً؟
الإجابة.. المنتصر الوحيد!
الإجابة على سؤال كيف انقلبت موازين علاقة بغداد وطهران نراها في صورة دراسة شاملة أجراها الجيش الأمريكي استمرت سنوات وشارك فيها باحثون ومحللون عسكريون حول الدروس التي يمكن الخروج بها من غزو العراق عام 2003، وتم الكشف عن نتائجها في يناير/كانون الثاني الماضي.
إحدى أبرز النتائج التي خلصت إليها الدراسة هي أن إيران كانت "المنتصر الوحيد" من غزو العراق الذي كان هدفه تغيير نظام صدام حسين واستبداله بنظام ديمقراطي، حيث أصبحت العراق ملعباً إيرانياً خالصاً بعد أن كانت بغداد منافساً إقليمياً للنظام الإيراني.
نظرة أعمق على الداخل
عندما أعلنت إدارة ترامب عن الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني مايو/أيار من العام الماضي وفرضت عقوبات اقتصادية شاملة على إيران، حدث موقف كاشف من المهم استرجاعه الآن.
رئيس الوزراء العراقي وقتها حيدر العبادي صرح بأن حكومته لا تدعم العقوبات الأمريكية على إيران، لكنها ستلتزم بتلك العقوبات، فقامت الدنيا ولم تقعد في العراق وطهران وتم اتهام العبادي بالخيانة، وبعد أسبوع واحد تراجع الرجل وأعلن أنه لم يقل إن حكومته ستلتزم بالعقوبات، بل قصد أنها لن تتعامل بالدولار مع إيران، بل ستجد حلولاً أخرى، بحسب ميدل إيست مونيتور.
العبادي وقتها أجرى حساباته مع أعضاء حكومته، فوجدوا أن اعتماد العراق على طهران اقتصادياً وسياسياً في أعقاب الغزو الأمريكي في 2003 أصبح واقعاً لا فكاك منه، وبالتالي فالعقوبات الأمريكية على طهران ستؤذي العراق بشدة اقتصادياً، وفي نفس الوقت مواصلة التعاملات التجارية مع طهران بعيداً عن الدولار تعد مخاطرة كبيرة في المستقبل، وبالتالي لا يبدو أن هناك مخرجاً آمناً للعراق من الصدام الأمريكي-الإيراني.
كان ذلك العام الماضي والموقف هنا يتعلق بالتعامل مع عقوبات اقتصادية، لكن الوضع في حالة اندلاع العمليات العسكرية سيكون أكثر سوءاً بالطبع.
قلق داخلي وتخوف من بولتون
في هذا السياق، يعقد المسؤولون العراقيون اجتماعات مكثفة مع الميليشيات المسلحة المرتبطة بإيران يحذرونهم خلالها من القيام بأي تحركات قد تؤدي لانتقام أمريكي، حيث قال سعيد الجياشي، عضو مجلس الأمن الوطني العراقي: "شهد اليومان الماضيان اجتماعاتٍ متواصلة مع كل المجموعات، لنقل رسالة الحكومة العراقية بأنَّ أي طرف يُقدِم على عمل شيءٍ ما، فإنَّ تلك ستكون مسؤوليته هو، وليست مسؤولية العراق".
بالطبع أوجه الشبه التي لا يخطئها أحد مع ما تعرض له العراق من غزو وتدمير عام 2003 تلقي بظلالها على الشعور العام داخل العراق، لكن أبرز أوجه الشبه والقلق لدى العراقيين هو جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي الذي كان أحد أبرز صقور الإدارة التي غزت العراق.
فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب طالما وصف حرب العراق بأنَّها خطأ، وقال إنَّ القوات الأمريكية يجب أن تنسحب من الشرق الأوسط وكافة مناطق العالم، لكنَّ بولتون يدعم الضربات العسكرية ضد إيران وتغيير النظام هناك.