تزوجت الباكستانية "ربيعة" من رجل صيني في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بمنزلها الواقع في فيصل آباد، وهي مدينة تقع شمال شرقي باكستان وتشتهر بمصانع النسيج.
وعن تجربتها، تقول ربيعة: "كان والداي تغمرهما الفرحة، وأخبراني بأن الرجل الصيني ثري ووسيم وسيوفر لي حياة سعيدة".
عصابة صينية تدّعي الثراء باحثة عن عرائس، لكنها تستخدم الزواج كوسيلة للاتجار بالبشر عبر الحدود
ولكن عندما وصلت إلى الصين بعد شهرين، شعرت الزوجة الباكستانية بالصدمة.
وتضيف: "في باكستان، قال قسيس محلي- لعب دور الوسيط في زواجي- لوالدي إن الرجل اعتنق المسيحية، ولديه منزل ضخم في الصين، وسيوفر حياة سعيدة لابنتكما. ولكن عندما وصلت إلى هناك، أخذني (الزوج) إلى منزل صغير وحبسني في غرفة".
وربيعة هي من بين مئات النساء الباكستانيات، ومعظمهن من الطائفة المسيحية، اللواتي يخشين السلطات الباكستانية أن يكنّ وقعن ضحايا لـ "تهريب العرائس" التي تديرها عصابة صينية.
غالباً ما تبيع هذه العصابة النساء الضعيفات في بلد أجنبي إلى أوكار الدعارة أو لعصابات تجارة الأعضاء البشرية
وتقول جماعات حقوقية إن أفراد تلك العصابة يتظاهرون بأنهم أشخاص أثرياء يبحثون عن عرائس، لكنهم يستخدمون الزواج كوسيلة للاتجار بالبشر عبر الحدود، وغالباً ما يبيعون النساء الضعيفات في بلد أجنبي إلى أوكار الدعارة أو لعصابات تجارة الأعضاء البشرية.
وشهدت باكستان تدفقاً لمواطنين صينيين، حيث جلبت بكين استثمارات بمليارات الدولارات في باكستان من خلال مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وهي شبكة من الطرق والسكك الحديدية تغطي أكثر من 70 بلداً، في إطار مبادرتها المسماة "الحزام والطريق".
واستأجر الصينيون أماكن محلية بأكملها في المدن الباكستانية الكبرى، وجرى افتتاح مطاعم صينية، كما تم إطلاق صحيفة يومية باللغة الصينية لتلبية احتياجات المجتمع الصيني المحلي.
"ربيعة" هي من بين مئات النساء الباكستانيات، ومعظمهن من الطائفة المسيحية، وقعن ضحايا لـ "تهريب العرائس"
في هذا السياق، تقول ربيعة: "واجهت وقتاً عصيباً هناك، فهو (الزوج المزعوم) لم يعتنق المسيحية، ولم يكن غنياً. وعدت إلى باكستان الشهر الماضي".
وترفض ربيعة التي كشفت أنها حامل تقديم أي تفاصيل أخرى حول أيامها التي قضتها في الصين.
بدوره، يقول سليم إقبال، الناشط لدى الجالية المسيحية في باكستان، إن العديد من النساء اللائي تركن أزواجهن الصينيين عدن إلى باكستان وهنّ حوامل.
وأضاف مستنكراً الوضع الذي آلت إليه أولئك النسوة: "الآن ماذا ستفعل النساء بهؤلاء الأطفال بعد الولادة".
السلطات الباكستانية تتدخل وتشن حملة ضد الأشخاص الذين يشتبه في تورطهم بهذه الجريمة
والأسبوع الماضي، شنت السلطات الباكستانية حملة ضد المواطنين الصينيين الذين يُشتبه في ضلوعهم في الاتجار بالبشر وتجارة الأعضاء.
وأفادت قناة "دنيا نيوز" المحلية بأن وكالة التحقيقات الفيدرالية في إسلام آباد اعتقلت حتى الآن 79 صينياً وباكستانياً يشتبه بضلوعهم في عمليات التزويج المزيفة عبر الحدود.
كما وصل فريق تحقيق من بكين إلى إسلام أباد لمساعدة السلطات الباكستانية في ذلك.
تستهدف العصابة المناطق ذات الأغلبية المسيحية والتي ينتشر فيها الفقر
وحتى الآن، لا توجد بيانات رسمية بشأن عدد تلك الزيجات، إلا أن الناشط سليم إقبال يعتقد أنها بالمئات.
ويُلاحظ في شوارع المناطق ذات الأغلبية المسيحية والتي ينتشر فيها الفقر، عرض لافتات عن إعلانات زواج تتضمن مغريات مادية للفتيات اللائي يتزوجون من أسر صينية.
يتم إغراء العائلات والفتيات بالزواج من رجل صيني ثري، وكل نفقات الزواج يتحملها هو
وهناك لافتة في أحد شوارع لاهور (شمال شرق) مكتوب عليها: "تحيا الصداقة الباكستانية – الصينية. تنبيه: لكل الفتيات المسيحيات من أسر محتاجة وفقيرة ويرغبن في الزواج في الصين؛ كل النفقات يتحملها العريس".
وتنظر الكثير من الأسر الفقيرة إلى هذه الحوافز على أنها "منحة من السماء" في بلد غالباً ما يتسم فيه الزواج بتحمل أسرة العروس مبالغ مالية كبيرة من أجل تأسيس بيت الزوجية.
وقال إقبال: "لقد قمت بإزالة هذه اللافتات، وطلبت من المجتمع الابتعاد عن هؤلاء الأشخاص".
ومن خلال مقابلات أجريت مع أسر متضررة من تلك الممارسات من أفراد الطائفة المسيحية، وتداولتها وسائل إعلام محلية، تبين أن الصينيين يقدمون مبالغ تتراوح بين أربعة آلاف وخمسة آلاف دولار لوسطاء محليين يقومون بدورهم بدفع ما بين ألف إلى ألفين و500 دولار لوالدي العروس.
ويمثل المسيحيون، وهم أكبر أقلية دينية في باكستان، حوالي 3% من إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم حوالي 207 ملايين نسمة، ومعظمهم يقيمون في البنجاب، أكبر أقاليم باكستان.
لكن رغم ذلك، لا يمكن القول إن جميع الزيجات تنتهي نهاية حزينة.
على سبيل المثال، تزوجت صوفيا، وهي سيدة مسيحية باكستانية من لاهور، من مهندس صيني يعمل في مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.
وتقول: "أنا سعيدة به"، مضيفة أنها زارت الصين العام الماضي وأمضت شهراً هناك.
"هيومن رايتس ووتش" حثت السلطات في كلا البلدين على اتخاذ الإجراءات اللازمة
حثت "هيومن رايتس ووتش"، في تقرير صدر الشهر الماضي، السلطات في كلا البلدين على اتخاذ إجراءات ضد العصابات الضالعة في الاتجار بالبشر.
وقالت المنظمة التي تتخذ من نيويورك مقراً لها: "نلاحظ أن بعض مكاتب التزويج غير القانونية حققت في الآونة الأخيرة أرباحاً غير مشروعة من التوسط في الزيجات."
وحثت المنظمة على "أن تتخذ كل من باكستان والصين على محمل الجد التقارير المتزايدة بشأن تعرض النساء والفتيات الباكستانيات لخطر العبودية الجنسية في الصين، فضلًا عن اتخاذ تدابير فعالة لإنهاء تهريب العرائس".
الصين رفضت التقارير، ووصفتها بالشائعات، أما إسلام أباد فتتعامل بجدية مع القضية
من جانبها، رفضت الصين التقارير الإعلامية عن ممارسة الدعارة القسرية وبيع أعضاء الفتيات الباكستانيات.
وقالت السفارة الصينية في إسلام أباد في بيان: "العديد من تقارير وسائل الإعلام اختلقت حقائق ونشرت شائعات. وفقا لتحقيقات وزارة الأمن العام لدينا، لا يوجد دليل على ممارسة الدعارة القسرية أو بيع أعضاء نساء باكستانيات ممن يقمن في الصين بعد الزواج".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية محمد فيصل، إن وزارته تتعامل مع الشكاوى المقدمة من المواطنين المتضررين، وتتعاون مع السلطات الصينية في التحقيق بهذا الأمر.