الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين تتصاعد بوتيرة أسرع من أي وقت مضى، فبعد أن وضعت إدارة الرئيس دونالد ترامب شركة هواوي الصينية و70 كياناً تابعاً لها على القائمة السوداء، من المؤكد أن بكين لن تقف مكتوفة الأيدي، وبالطبع هناك أطراف ستستفيد من الخطوة الأمريكية، فمن هم وماذا يمكن أن تفعله الصين؟
ماذا حدث الآن؟
وزارة التجارة الأمريكية قالت في بيان لها الخميس 16 مايو/أيار 2019، إنها أضافت هواوي تكنولوجيز و70 شركة تابعة لها إلى "قائمة الكيانات" الخاصة بها في خطوة تمنع الشركة من الحصول على مكونات وتكنولوجيا من شركات أمريكية بدون موافقة الحكومة، بحسب رويترز.
وكعادة توقيت قرارات ترامب المفاجئة، جاء استهداف شركة الاتصالات الصينية العملاقة بعقوبات صارمة متزامناً مع إعلان وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين أنه سيزور الصين قريباً لإجراء المزيد من المحادثات، وكأن استهداف هواوي لا يمثل سكباً للبنزين على نار الحرب التجارية المشتعلة.
وقال وزير التجارة ويلبور روس في بيان إن ترامب أيد القرار "لمنع استخدام كيانات يملكها أجانب للتكنولوجيا الأمريكية بطرق قد تقوض الأمن القومي الأمريكي أو مصالح السياسة الخارجية".
كان ترامب قد وقع الأربعاء 15 مايو/أيار أمراً تنفيذياً يمنع الشركات الأمريكية من استخدام معدات اتصالات تصنعها شركات يعتقد أنها تشكل خطورة على الأمن القومي، وبينما لم يذكر الأمر التنفيذي أي دولة أو شركة معينة بالاسم فقد وصف مسؤولون أمريكيون هواوي من قبل بأنها "تهديد" وحثوا الدول الحليفة على عدم استخدام معدات هواوي في شبكات الجيل الخامس المرتقبة.
ما الذي تخشاه واشنطن من هواوي؟
الإجابة تلخيصاً تكمن في صلب الصراع الجيوسياسي بين الصين وأمريكا، بمعنى آخر من يسيطر على العالم. وفيما يخص هواوي تحديداً تتحدد الإجابة فيمن سوف يسيطر على مستقبل التكنولوجيا والاتصالات في العالم في السنوات القادمة.
هواوي هي أكبر شركة موردة لتجهيزات شبكات الاتصالات في العالم وثاني أكبر مصنع للهواتف الذكية على وجه الأرض، وعلى عكس معظم الشركات الصينية الأخرى في نفس المجال تتركز معظم عمليات ومشاريع هواوي خارج الصين وهي الشركة الرائدة في كثير من البلاد في أوروبا وآسيا وإفريقيا.
فيما يخص تكنولوجيا الجيل الخامس التي تمثل ثورة ونقلة كبرى في هذا المجال وتنطوي على مئات المليارات من الدولارات، وتتطلب تلك التكنولوجيا تجهيزات ومعدات وهواتف جديدة تتوافق معها، وهواوي اليوم هي الشركة الأولى عالمياً في هذا المجال وعملياً لا يمكن استبدالها بالنسبة للعديد من شركات الاتصالات. هذه العوامل تمثل بالطبع تحدياً كبيراً للولايات المتحدة وللعديد من الدول الحليفة لها.
ملكية هواوي نفسها تمثل أحد أهم مخاوف واعتراضات واشنطن، فالشركة تصف نفسها بأنها شركة خاصة، لكن حقيقة هيكل ملكيتها تظل غامضة وغير معلنة خارج الدوائر الحكومية الصينية، ويعتقد الكثيرون وعلى رأسهم واشنطن أنها مملوكة للحكومة الصينية، فماذا يعني ذلك؟
أقرت الصين عام 2015 قانون الأمن الوطني الذي يجبر أي شركة محلية على مساعدة الحكومة في أغراض الأمن القومي، وبموجبه لابد لكل شركة تعمل في الصين أن تقدم للسلطات الأمنية جميع الأكواد والبيانات والمعلومات الخاصة بحاسباتها المركزية داخل الصين.
بمعنى آخر لابد للشركات أن تقدم للحزب الشيوعي الصيني بوابة مجانية للتجسس على شبكاتها، أي أن جميع البيانات التي تمتلكها هواوي تصبح ولو من الناحية النظرية تحت يد الحزب الشيوعي الصيني، وهذا بالطبع أمر لا يمكن لواشنطن أن تسمح به.
كيف ترد هواوي على تخوفات واشنطن؟
الشركة الصينية أعلنت عن استعدادها لتقديم ضمانات سرية وأمان البيانات التي تطلبها الولايات المتحدة والدول الأخرى التي لديها نفس التخوف من خلال اتفاقات ثنائية تراعي الأعراف والمواثيق الدولية، لكن ذلك لم يؤد لتغيير في موقف واشنطن.
هل هناك أطراف مستفيدة من معاقبة هواوي؟
تمتلك هواوي 28% من السوق العالمية وتقدم معدات تكنولوجية عالية الجودة بسعر منخفض، والنتيجة المباشرة للعقوبات الأمريكية عليها ستصب في مصلحة المنافسين المباشرين وأبرزهم نوكيا التي تمتلك 17% من السوق العالمية الخاصة بتكنولوجيا الجيل الخامس وإريكسون التي تمتلك 13%.
حيث إن الأسواق التي ستحرم من هواوي لن تجد أمامها بدائل كثيرة، رغم أن النزاعات السياسية تجعل التقييم الاقتصادي معقداً وملتبساً، بحسب تحليل لمجلة فورين بوليسي.
هل معاقبة هواوي في إطار الحرب التجارية؟
ربما يتبادر إلى الذهن أن التصعيد الأمريكي ضد هواوي يأتي كحلقة من حلقات الحرب التجارية لكن الواقع مختلف، حيث إن لجنة المخابرات في مجلس النواب الأمريكي أقرت قانوناً عام 2012 ضد هواوي واصفة إياها "بالشركة المملوكة للحكومة الصينية وتسعى للعبث في سلسلة إمداد شركات الاتصالات الأمريكية". وتبع ذلك إقرار لجنة الاستثمار منع هواوي من امتلاك شركات أمريكية بداعي مخاوف الأمن القومي.
القصة إذن أعمق مما يبدو على السطح، حيث إن السيطرة على المستقبل، وكلاً من واشنطن وبكين تسعيان للصدارة، وبالتالي تدفع الولايات المتحدة حلفاءها حول العالم لحظر هواوي وفعلت ذلك مع المملكة المتحدة وأستراليا والاتحاد الأوروبي والفلبين وعدد آخر من الدول، لكن يظل السؤال ما هو البديل؟
مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي كان قد عبر عن لب هذا الصراع صراحة بقوله: "لقد حدد الحزب الشيوعي الصيني أهدافه بالسيطرة – من خلال خطة 2025 "صنع في الصين" – على 90% من الصناعات الأكثر تقدماً في العالم بما فيها صناعات الروبوت والتقنيات البيولوجية والذكاء الاصطناعي ويتضمن ذلك تكنولوجيا الجيل الخامس كجزء من خطة الصين لأن تصبح القوة العظمى المسيطرة على العالم في القرن الحادي والعشرين".