في ظل تعزيز الولايات المتحدة الأمريكية تواجدها العسكري في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً الخليج استعداداً لمواجهة عسكرية مع إيران تبدو الآن أقرب من أي وقت مضى، تتبادر إلى الذهن مجموعة من الأسئلة بشأن المقارنة بين الإمكانيات العسكرية بين الطرفين، والتي قطعاً تميل بشدة لصالح واشنطن، لكنْ هناك أوراقٌ أخرى يمكن لطهران استخدامها لإلحاق الأذى بالمصالح الأمريكية، فما هي خريطة تلك المصالح؟
إيران اليوم ليست عراق 2003
في ظل التشابه الواضح بين ما يحدث الآن من تصعيد أمريكي مطرد ضد إيران وبين ما حدث قبيل غزو العراق عام 2003، لنبدأ برصد بعض الحقائق على الأرض فيما يخصّ إيران اليوم وعراق ما قبل الغزو.
صحيح أن هناك أوجهاً للشبه بين ظروف غزو العراق وأجواء التجهيز حالياً لحرب مع إيران، لكن الاختلافات بين إيران اليوم وعراق ما قبل الغزو كثيرة ومتنوعة وجميعها تقريباً تصبّ في صالح إيران، وتجعل حرب واشنطن عليها أسوأ بكثير من غزو العراق، حيث إن إيران تمتلك قوة عسكرية أكبر مما امتلكها العراق، ولكن الأهم هو أن إيران ستحارب بأوراق لم تكن متوافرة لدى بغداد، بحسب تقرير نشرته واشنطن بوست، الأربعاء 15 مايو/أيار 2019.
إيران أكبر من حيث المساحة بنحو أربعة أضعاف من العراق، وعدد سكانها أكثر من 82 مليون نسمة مقارنة بـ25 مليون عراقي وقت الغزو، وبحسب تقديرات عام 2005 كان الجيش العراقي يبلغ قوامه أقل من 450 ألف شخص، بينما أحدث تقديرات بشأن إيران تضع عدد القوات عند أكثر من 523 ألفاً، إضافة لأكثر من 250 ألف احتياط.
موقع إيران الجغرافي أكثر أهمية من العراق، حيث إن لديها حدوداً بحرية على بحر قزوين شمالاً والخليج العربي وخليج عُمان جنوباً، كما أنها تتشارك الحدود مع أفغانستان وباكستان والعراق وتركيا، وجميعها حلفاء لواشنطن ويوجد على أراضيها كثير من المصالح الأمريكية التي يمكن لطهران استهدافها.
تعطيل الملاحة في مضيق هرمز
لكن ربما تكون النقطة الأهم استراتيجياً بالنسبة لطهران هي مضيق هرمز، وهو الشريان البحري الأهم لحركة التجارة في تلك المنطقة ويمر عبره أكثر من خُمس النفط العالمي يومياً، ما يعني أن تعطيل الملاحة عبر المضيق سيمثل ضربةً هائلة لأسعار النفط وحركة التجارة العالمية.
وفي هذه النقطة تحديداً نجد أن البحرية الإيرانية تمتلك اليد العليا فوق التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة، إذ إنها لن تحتاج إلى بوارج حربية ضخمة أو كثافة نيران عالية كي تتمكن من إغلاق مضيق هرمز على سبيل المثال، بل يمكنها استخدام الألغام والغواصات لمنع حركة السفن عبر المضيق.
إذاً من حيث القوة العسكرية التقليدية إيران أضعف بكثير من الولايات المتحدة، لكنْ لدى إيران أوراق تسمح لها بإيقاع أضرار فادحة بالمصالح الأمريكية في المنطقة.
قوات الحرس الثوري
أحد أهم أوراق طهران تتمثل في قوات الحرس الثوري، وهي لا تتبع الجيش النظامي لكنها تتلقى أوامرها من المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية آية الله علي خامنئي، وتمتلك فيلق القدس الذي تم من خلاله تأسيس ميليشيات تدين بالولاء لطهران في العراق وسوريا ولبنان، هذا بخلاف تمويل فصائل مسلحة تمتلك أسلحة نوعية وخبرات قتالية متراكمة مثل حزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن.
وكي نقف على ما يمكن للحرس الثوري أن يفعله لإلحاق الضرر بالمصالح الأمريكية، نلقي نظرة على تقرير صادر عن مكتب المخابرات البحرية الإيرانية عام 2017 لنجد أن قوات الحرس تركز في الشقّ البحري على امتلاك القوارب البحرية الصغيرة والسريعة والمسلحة بشكل مكثف، وأن تلك القوات هي من تتولى مسؤولية حماية الخليج ومضيق هرمز.
صواريخ باليستية ووجود يسهل استهدافه في العراق
ورقة أخرى من أوراق إيران العسكرية تتمثل في برنامج الصواريخ الباليستية لدى إيران الذي يصفه مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية بأنه "الأكبر والأكثر تنوعاً في الترسانة الصاروخية لدى دول الشرق الأوسط"، لكن النقطة الأبرز هنا هي امتلاك حزب الله ترسانة ضخمة وضعتها أحدث التقديرات عند 130 ألف صاروخ.
العراق، كذلك، من دول الجوار التي تمتلك فيها إيران نفوذاً هائلاً وتوجد ميليشيات مسلحة ضمن جهاز الأمن العراقي تدين بالولاء لإيران، أبرزها ميليشيات الحشد الشعبي التي يبلغ تعدادها نحو 150 ألف مسلح، وبالتالي تمثل خطراً داهماً على المصالح الأمريكية في بلاد الرافدين والتي لا تتمثل فقط في النفوذ السياسي ولكن يوجد أكثر من 5200 عسكري أمريكي في بغداد.
لماذا التصميم على التصعيد إذاً؟
شارك في غزو العراق 150 ألف عسكري أمريكي، إضافة إلى عشرات الآلاف من قوات التحالف من الدول الأخرى، وتكلفت الحرب أكثر من تريليوني دولار، وقتل فيها أكثر من 400 ألف شخص بين عامي 2003 و2011.
الإمكانيات الإيرانية العسكرية والأوراق التي تمتلكها وتستطيع من خلالها أن تلحق الضرر بالمصالح الأمريكية في المنطقة بالقطع ليست غائبة عن الإدارة الأمريكية بشقيها السياسي والعسكري، ورغم ذلك لا تستطيع إدارة ترامب الآن أن تقول إنه لا توجد خيارات عسكرية جيدة للتعامل مع إيران أو أن ترفع الخيار العسكري من على المائدة لأن ذلك يعني إفشال سياسة الضغط التي اعتمدها البيت الأبيض في التعامل مع الملف الإيراني، وهذه هي خطورة تلك الاستراتيجية وأحد أهم أسباب قلق أقرب حلفاء واشنطن.
الحلفاء قلقون من استراتيجية غير مدروسة
وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت عبر عن تلك النقطة تحديداً عندما حذر، الإثنين 13 مايو/أيار، أثناء اجتماع لممثلي الاتحاد الأوروبي مع وزير خارجية ترامب مايك بومبيو في بروكسيل أمام الصحفيين، من مخاطر اندلاع صراع مسلح غير مقصود بين إيران والولايات المتحدة، مضيفاً: "نحن قلقون للغاية من مخاطر وقوع اشتباكات غير مخطط لها في ضوء تصعيد غير مقصود"، بحسب رويترز.
نائب قائد قوات التحالف التي تقودها أمريكا للحرب على داعش في سوريا الميجور جنرال كريس جيكا، بريطاني الجنسية، صرح أمام الصحفيين في البنتاغون، الثلاثاء 14 مايو/أيار، بأنه "لم يرَ دلائل على تزايد التهديدات أو المخاطر من جانب إيران أو الميليشيات الحليفة لها في العراق أو سوريا"، بحسب نيويورك تايمز.
وبعد عدة ساعات أصدرت القيادة العامة للقوات الأمريكية رداً عنيفاً على القائد البريطاني قالت فيه إن "ملاحظات جيكا تتعارض مع تقارير مخابراتية أمريكية تؤكد وجود تهديدات جادة من جانب إيران ووكلائها في المنطقة".
وكأن التاريخ يعيد نفسه، فهذا نسخة كربونية مما حدث قبيل غزو العراق حيث تقارير مخابراتية أمريكية تزعم وجود أسلحة دمار شامل لدى نظام صدام حسين لا يصدقها أحد واتضح بعد الغزو أنها كانت مفبركة.
في نفس الإطار، قام بومبيو بزيارة مفاجئة لبغداد هذا الأسبوع بعد تقارير استخباراتية أمريكية أظهرت قيام ميليشيات تابعة لطهران بنقل أماكن تمركزها ونقل صواريخ في أماكن قريبة من قواعد تمركز القوات الأمريكية.
لكن رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي نفى أن تكون حكومته لاحظت أي تحركات تمثل تهديداً لأي طرف، وهو ما يؤكد أن استراتيجية التصعيد من الجانب الأمريكي ربما لا يكون هناك ما يبررها من الأصل.
مصالح واشنطن التي يمكن لإيران تهديدها إذاً كثيرة ومتعددة في العراق وسوريا وأفغانستان حيث توجد قوات أمريكية، كما يمكن استخدام حزب الله في لبنان وميليشيات الحوثي في اليمن، إضافة لورقة الضغط الأبرز وهي تعطيل الملاحة في مضيق هرمز، لكن كل تلك الأوراق والتهديدات لا يوجد من بينها أي شيء جديد من الجانب الإيراني يبرر التصعيد من جانب إدارة ترامب، وهذا رأي حلفاء واشنطن وليس فقط معارضيها.