يتبع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ وصوله للبيت الأبيض قبل أكثر من عامين سياسة حافة الهاوية داخلياً وخارجياً ويهاجم معارضيه وخصومه بشكل شرس ولا يتراجع أبداً، وقد حقق الرجل نجاحاً لافتاً في تحسين مستوى الاقتصاد الأمريكي وهو الإنجاز الأبرز لديه حتى الآن، لكن مع اشتعال أكثر من أزمة خارجية في توقيت متزامن ودخول الحرب التجارية مع الصين مرحلة تكسير العظام، هل تمسك نيران الحرائق التي يشعلها بنفسه في باحته الخلفية وتقضي على فرص إعادة انتخابه أم أن ألسنة اللهب هي سلاحه الخفي للبقاء في البيت الأبيض بعد 2020؟
المحلل السياسي الروسي أكسندر نازاروف نشر تحليلاً في موقع روسيا اليوم بعنوان "ها هي المشكلات تبدأ بالنسبة لترامب"، تحدث فيه عن الموقف الصعب الذي أصبحت فيه واشنطن على الساحة الدولية بسبب سياسات ترامب القائمة على المواجهة والتحدي.
"تسبب الحماس الشديد الذي عمل به الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بخلق أزمات حول العالم، وفي نهاية المطاف، إلى خلق وضع قد تصل فيه بعض هذه الأزمات إلى ذروتها في نفس الوقت، وغالباً ما ستعجز الولايات المتحدة الأمريكية حينها عن حل كل تلك الأزمات لصالحها.
من الممكن أن تجتمع الأزمتان في كل من إيران وفنزويلا، حيث أنهما أزمتان مرتبطتان ببعضهما البعض، على الأقل من ناحية أنه يتعيّن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تختار فيما بينهما خصماً تبدأ عدوانها عليه وحده، فلن تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية خوض حربين على جبهتين في نفس الوقت، حال إعلانها العدوان".
الصين لن تقف مكتوفة الأيدي
لنأخذ كيفية تصرف ترامب مع الصين في الحرب التجارية بينهما كنموذج لسياسة حافة الهاوية، فنجده أعلن فجأة عبر تويتر الأسبوع الماضي عن فرض رسوم جمركية بقيمة 60 مليار دولار على الصادرات الصينية، وذلك قبيل وصول الوفد الصيني لجولة مفاوضات مع واشنطن حول الاتفاق التجاري.
قرار ترامب جاء مصحوباً بالتهديد بزيادة الرسوم إلى 200 مليار وهو ما نفذه بالفعل في غضون أيام قليلة مما أدى بالطبع لفشل جولة المفاوضات، وردت الصين من جانبها بفرض رسوم جمركية بقيمة 60 مليار على الواردات الأمريكية بداية من يونيو/حزيران المقبل.
بعد الإعلان عن الرسوم الصينية بساعات قليلة، أعلن ترامب أنه سيلتقي نظيره الصيني الشهر المقبل على هامش قمة الـ20 في طوكيو، متوقعاً أن يكون اللقاء مثمراً ومؤكداً أنه سيتفاوض من موقع القوة، بحسب موقع ذا هيل الأمريكي.
ورغم معارضة كثير من معاونيه سياسة التصعيد مع الصين، أصر ترامب على موقفه ملوحاً برفع الرسوم إلى 325 ملياراً، مما يعني أن الحرب التجارية مع الصين ربما تخرج عن السيطرة، ولا يبدو أن ساكن البيت الأبيض يعير اهتماماً للقلق الذي أصاب الأسواق العالمية جراء سياساته التصعيدية.
إيران وفنزويلا وأزمة النفط
في هذه النقطة يرى نازاروف أن العقوبات الأمريكية على إيران وفنزويلا تمثل ضغطاً إضافياً هائلاً على الصين، مضيفاً أنه "لا يمكن للصين أن تقبل خسارة إحدى أدوات تفوقها متمثلة في نفط منخفض الأسعار، فاقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية أكثر فعالية من حيث استخدام الطاقة، بينما تبلغ حصة الطاقة في البضائع الصينية مستوى أعلى. لذلك، فإن ارتفاع أسعار النفط سوف يضرب الصين على نحو أكثر إيلاماً من الولايات المتحدة الأمريكية، أو أوروبا، أو الغرب بصفة عامة.
"لذا سوف يؤدي تفاقم أزمتي فنزويلا وإيران تلقائياً إلى تفاقم الأزمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وبينما تحرص الصين في الوقت الراهن على الالتزام بسياسة تقديم تنازلات صغيرة مقابل شراء الوقت الذي تحتاجه للتنمية ولتطوير القدرات، في إطار استراتيجيتها لتجنب المواجهة، لحين التفوق على الولايات المتحدة، إلا أن المارد الصيني سوف ينتفض بكل قوة وعزم إذا ما أغلقت الولايات المتحدة في وجهه كل المنافذ، وحينها سوف تتخذ الصين مواقف أكثر حزماً فيما يخص قضيتي إيران وفنزويلا".
بوتين يدخل على خط المواجهة
ويرى نازاروف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدأ يدخل على خط المواجهة مع ترامب، خصوصاً مع المنعطف الحاد في السياسة الروسية تجاه أوكرانيا في الشهرين الأخيرين، حينما قرر بوتين المضي قدماً في المواجهة السياسية، الأمر الذي ساعد عليه انتهاء العمليات العسكرية النشطة في سوريا.
"كانت روسيا في السابق دائماً ما تصرّ على الالتزام باتفاقية مينسك لفرض الهدنة وإحلال السلام في أوكرانيا، والإبقاء على مناطق دونيتسك ولوغانسك ضمن حدود أوكرانيا، ولكن في إطار حكم ذاتي واسع. على الجانب الآخر، سعى النظام القومي المتطرف في أوكرانيا، برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، إلى إفشال الاتفاقية، على الرغم من أنها كانت الضمان الوحيد للإبقاء على وحدة الأراضي الأوكرانية.
في نهاية أبريل/نيسان، يبدو أن صبر بوتين قد نفذ في الحفاظ على مصلحة أوكرانيا، والإبقاء على وحدة أراضيها، فوقّع مرسوماً يقضي بتسهيل إجراءات الحصول على الجنسية الروسية لمواطني جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، واضعاً بذلك حداً رادعاً لأي محاولات من جانب كييف لإخضاع تلك المناطق باستخدام القوة العسكرية.
في الوقت نفسه، أصدرت الحكومة الروسية قراراً بمنع تصدير الفحم الحجري والنفط ومشتقاته إلى أوكرانيا، ويأتي ذلك بالتزامن مع الانتهاء من عمليات إنشاء خطوط الأنابيب ما بين روسيا والصين، والسيل التركي، والسيل الشمالي-2 إلى أوروبا في العام الحالي، كما ينتهي عقد شركة "غازبروم" الروسية لعبور الغاز عبر أوكرانيا، وأعربت "غازبروم" عن عدم رغبتها في تجديد العقد. أمّا في الداخل الأوكراني، فقد انتخب الشعب الممثل الكوميدي، فلاديمير زيلينسكي، الذي يفتقر إلى الحد الأدنى من الخبرة السياسية، رئيساً للجمهورية، في الوقت الذي تقف فيه البلاد على حافة أزمة اجتماعية واقتصادية طاحنة، وفي ظل استقطاب حاد في الشارع الأوكراني.
"يبدو الأمر وكأن أوكرانيا سوف تدخل قريباً في أزمة متعددة الجوانب، بين رئيس ضعيف، وخسارة للفحم والنفط والغاز الروسي، وكذلك فقدان عائدات مرور الغاز عبر أراضيها، والأهم من كل ذلك، أن روسيا لن تكون حريصة بعد ذلك على وحدة الأراضي الأوكرانية، في مجابهتها النظام الحالي في كييف، وذلك في الوقت الذي تستمر فيه كييف في قصف المناطق التي تعجز عن السيطرة عليها، وتشرع في محاولات لاستفزاز روسيا، كما كان الحال في حادثة مضيق كيرتش. بل ومن الممكن أيضاً أن تسعى كييف لاختلاق حرب مع روسيا نظراً لتفاقم أزماتها الداخلية، أملاً في أن تمنحها الولايات المتحدة الأمريكية مزيداً من النقود، بغرض الحفاظ على استمرار النظام في الحكم أمام الانشقاقات الداخلية".
أمريكا في مواجهة نصف الكوكب
ثم يتطرق نازاروف إلى كوريا الشمالية وكيف انهارت كافة جهود ترامب التفاوضية مع بيونغ يانغ، مضيفاً أن "الجميع نسي هذه المشكلة، بما فيهم الرئيس الأمريكي نفسه، لكونها ليست المشكلة الأكثر اشتعالاً في هذه اللحظة. لكن صاروخاً كورياً واحداً باتجاه السواحل الأمريكية، كفيل بأن يفسد المزاج السياسي للولايات المتحدة".
"إن العدوان ضد فنزويلا أو إيران أو اندلاع عمليات عسكرية في أوكرانيا أو توتر العلاقات مع الصين، يمكن أن تحدث جميعاً في نفس الوقت، بسبب التصرفات التي يقوم بها ترامب، بل وعلاوة على ذلك، فمن الممكن أن يدفع نجاح الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة كل من إيران وفنزويلا بأوراق لعب إضافية إلى أيدي روسيا، كمصدّر ضخم للطاقة في الأسواق العالمية. وسوف يتعيّن على الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك محاربة نصف الكوكب بمفردها".
لو أضفنا كل تلك الأزمات والحرائق على الصعيد الخارجي إلى الانقسام الواضح في الداخل الأمريكي، نجد أن الصورة ربما لا تبدو مبشرة.
وهنا يختم نازاروف تحليله قائلاً: "تتجه الولايات المتحدة إلى تصعيد الأزمات الخارجية، في الوقت الذي تقف فيه على أعتاب أزمة اقتصادية داخلية، الأمر الذي قد يدفع البعض للاعتقاد بأن الحرب ربما تكون في هذه الحالة أداة جيدة لإسكات الانتقادات الداخلية، وتعضيد سلطة النظام في الداخل، لكنني أظن أن الولايات المتحدة لا تملك حتى هذه الرفاهية، فلا يمكن إنقاذ نظام معقّد بطرق على هذه الدرجة من البدائية".