العلاقة بين الجنرال المتقاعد خليفة حفتر والسلفيين المداخلة نموذج لتناقضات هذا الرجل الذي يقول إنه يحارب الإرهاب.
وبعد أن أدَّى الهجوم الذي يشنه خليفة حفتر على طرابلس، والذي بدأ الشهر الماضي، إلى اشتداد حدة الحرب الأهلية الليبية ، فإن الرجل يريد مواصلة القتال في شهر رمضان متبنياً خطاباً يبدو فيه أنه يحاول أن يغازل السلفيين، حسب ما ورد في تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي.
وفي بيانٍ صدر أمس 13 مايو/أيار، حذَّر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي من أنَّ الهجوم قد يؤدي إلى مزيدٍ من عدم الاستقرار في البلاد، وقال البيان إنَّه يُهدِّد السلم الدولي.
وأضاف البيان: "يُشكِّل هجوم الجيش الوطني الليبي على طرابلس وما تبعه من تصعيدٍ داخل وحول العاصمة تهديداً للأمن والسلم الدوليين، ويُهدِّد بمزيدٍ من زعزعة الاستقرار في ليبيا".
حفتر يدعو للجهاد في رمضان
أسفر القتال بين ما يعرف بالجيش الوطني الليبي التابع لحفتر وبين أعدائه إلى مقتل قرابة 400 ليبي، وتشريد 50 ألفاً على الأقل، وألحق أضراراً بالغة بالعديد من أحياء طرابلس الجنوبية.
وعلى الرغم من التحذيرات التي صدرت من الاتحاد الأوروبي ودعوات الأمم المتحدة في وقتٍ سابق من هذا الشهر بالاتفاق على وقف إطلاق نارٍ إنساني على الأرض لمدة أسبوع، لا يعتقد حفتر أنَّ شهر رمضان المبارك مدعاةٌ لهدنة مؤقتة.
ففي الواقع، يستشهد القائد الذي يسيطر على شرق البلاد الآن بإشاراتٍ إسلامية تدعو إلى "الجهاد" ضد أعداء الجيش الوطني الليبي، بهدف حشد قواته من أجل فترة مكثفة من القتال خلال شهر رمضان.
إنه يستخدم لغة دينية لحشد مؤيديه السلفيين
هذه اللغة الدينية من حفتر، المتحالف مع مجلس نواب طبرق "العلماني"، يجب فهمها إلى حدٍ كبير في سياق محاولة القائد العسكري التواصل مع مزيدٍ من السلفيين/المداخلة وحشدهم ضد ميليشيات مصراتة وطرابلس الموالية لحكومة الوفاق الوطني المُعتَرَف بها من الأمم المتحدة.
يُظهِر خطاب حفتر وتحالفاته التناقضات التي لا تُحصى والديناميات المُعقَّدة التي تُشكِّل الحرب الأهلية الليبية.
ويُعَد إقدام مجموعة من الدول –بالتحديد الإمارات ومصر- على دعم حفتر على أساس أنَّ قواته وحدها هي القادرة على التصدي للتطرُّف العنيف أمراً ينطوي على تناقض. ومن المهم ملاحظة وجود اختلافات كبيرة بين المجموعات السلفية الليبية، التي يوجد بعضها في معسكر حفتر وبعضها الآخر ضده.
فقد أصبحت علاقته بهم تتناقض مع أهداف رعاته الأساسيين
بافتراض فشل هجوم الجيش الوطني الليبي على طرابلس في تحقيق نصرٍ حاسم لصالح حفتر، الذي يبدو عازماً على السيطرة على كل شبر من التراب الليبي، فإنَّ ذلك قد يؤدي إلى حالة من الجمود الدموي في البلد المغاربي.
وسيحاول كلا الطرفين إقناع العالم بنسخته من الحقيقة في حرب سردياتٍ حول أيٍ من طرفي الصراع يحارب فعلاً التطرف والإرهاب.
ومن الواضح على نحوٍ متزايد أنَّ حفتر قد يتصرَّف بطريقةٍ لا تعكس الأجندات أو التفضيلات الأيديولوجية لبعض الدول الراعية له.
فمصر قد لا تُرحِّب بحماسٍ قط بإدماج مجموعاتٍ سلفية مسلحة في "عملية الكرامة" التي أطلقها حفتر في منتصف 2014. وفي الوقت نفسه، من الصعب تصوُّر أن يكون المسؤولون في أبو ظبي أُعجِبوا بخطاب القائد حول كون رمضان "شهر جهاد" في ليبيا.
من هو الطرف الأقوى في العلاقة بين حفتر والسلفيين
مع ذلك، يُحسَب لحفتر نجاحه حتى الآن في التقليل من الأدوار الرئيسية للسلفيين في عملياته العسكرية. كان هذا أمراً ضرورياً للقائد بسبب جهوده للترويج لنفسه باعتباره يقود جيشاً عربياً شرعياً يقاتل من أجل القضاء على الإسلاميين المتشددين بهدف تأسيس ليبيا علمانية.
لكنَّ الواقع أنَّ المقاتلين السلفيين الموالين لحفتر قاموا بالكثير من أعمال الجيش الوطني الليبي الصعبة، وتجرَّعوا عدداً كبيراً من الضحايا طيلة الحرب الأهلية المستمرة منذ 5 سنوات. علاوةً على ذلك، اندمج هؤلاء السلفيون في الوحدات النظامية للجيش الوطني الليبي وكذلك الأجهزة الأمنية في بنغازي.
إنه يستخدم داعش والسلفيين المداخلة على السواء
غير أنه من وجهة نظر أولئك المهتمين بمستقبل تعددي ومتسامح وديمقراطي في ليبيا، من المثير للقلق أنَّ فريق خبراء الأمم المتحدة بشأن ليبيا وثَّق في منتصف 2017 كيف أنَّ بعض السلفيين الذين يقاتلون في صفوف تحالف حفتر قد دعوا إلى إعدام "المرتدين".
وإن صحَّ هذا، لابد أن تؤدي الاتهامات التي تقول إنَّ الجيش الوطني الليبي سَمَحَ لمقاتلين من تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" بالهروب سراً من بنغازي إلى مدينة بني وليد –وكذلك اعتراف حفتر مؤخراً في مقابلة مع قناة France 24 الفرنسية بأنَّه كان يأمر قواته بإعادة مقاتلي داعش التونسيين إلى بلدانهم الأم- إلى إثارة قلق رُعاة حفتر الأجانب الذين اقتنعوا، بدرجاتٍ متفاوتة، بفكرة أنَّ الجيش الوطني الليبي هو القوة الوحيدة الموجودة في ليبيا لمحاربة الإرهاب.
ويُسلِّط مثل هذا الارتباك والخطوط الضبابية على الأرض مدى صعوبة سيطرة القوى الأجنبية على حلفائها وعملائها في ليبيا. ويُظهِر غياب الوضوح كذلك الحاجة إلى الدقة عند الحديث عن الفاعلين الليبيين الكُثُر؛ لأنَّ مصطلحات مثل "علماني" بحاجة إلى التعريف في سياق البلد، وذلك في ظل استدعاء حفتر نفسه للخطاب الديني لأغراضٍ سياسية.
ولقد قام بتفكيك جماعة سلفية شرق البلاد
هذه المخاوف بشأن النفوذ السلفي المفرط في الجيش الوطني الليبي دفعت حفتر بالفعل إلى تفكيك جماعة سلفية من شرق البلاد، وهي "كتيبة التوحيد"، والتي كانت من قبل جزءاً من تحالفه. لكن بالنظر إلى المستقبل، فإنَّ قدرة حفتر على مواصلة هذا التوازن الحساس تُعد مثار شك.
إذ يمكن أن تكون عملية الإدارة السياسية للرؤى المتعارضة في الجيش الوطني الليبي صعبةً للغاية على حفتر، والمقصود هنا رؤى السلفيين والليبيين المتحالفين معهم الذين بدأوا دعم حفتر لأنَّهم أرادوا وضع حدٍ لجماعة أنصار الشريعة، وكذلك الدول الأجنبية التي دعمت الجيش الوطني الليبي بهدف القضاء على الميليشيات الإسلامية من المشهد في ليبيا.
ولكنهم يواصلون مساعيهم لفرض إسلام متشدد
وفي هذه الحرب الفوضوية متعددة الأوجه، تُعَد الخطوط الفاصلة بين المقاتلين "الشرعيين" أو النظاميين والإرهابيين/المسلحين "غير الشرعيين" أو غير النظاميين بعيدة كل البعد عن الوضوح. ولا شك أنَّه مع استمرار السلفيين في تحدي مؤسسات الدولة في ليبيا فيما يفرضون معتقداتهم على المناطق التي تتبع نسخاً أكثر تسامحاً وسلمية من الإسلام، فسيكون من الحتمي تقريباً أن تسعى تلك المجموعات المتشددة لتحويل ليبيا من نواحٍ عدة، تمتد من نطاقات الدين إلى الأمن والسياسة.
وفي الوقت الراهن، تلقى أولئك السلفيون في جانب حفتر الإشادة من القائد على شجاعتهم وانضباطهم في المعارك السابقة. لكنَّ هذه المجموعات يُنظَر إليها أيضاً باعتبارها تهديداً كبيراً للعديد من المجموعات الإثنية والدينية والسياسية في البلد الواقع في شمال إفريقيا، بما في ذلك مجموعات المسلمين الصوفيين والأمازيغ والإخوان المسلمين.
وقد يتوقف كثير من داعمي حفتر عن مساندته إذا استمرت هذه العلاقة
ومع استمرار رحى الحرب الليبية في الدوران، في الغالب سيصبح من الصعب أكثر فأكثر بالنسبة لحفتر إخفاء حقيقة السلفيين المنضوين تحت مظلة الجيش الوطني الليبي. وهناك احتمالات كبيرة أن تؤدي المخاوف من السلفيين الموالين لحفتر إلى زيادة حشد الأطراف الفاعلة الموالية لحكومة الوفاق الوطني من أجل منع ما يعرف بالجيش الوطني الليبي من تحقيق مزيدٍ من المكاسب.
وبصرف النظر عن نتيجة عملية "تحرير طرابلس"، ستستمر الظاهرة السلفية في ليبيا وتصبح على الأرجح مسألةً سيتعين على حلفاء حفتر الإقليميين والدوليين في نهاية المطاف معالجتها. وينبغي على داعمي الجيش الوطني الليبي في أبو ظبي والقاهرة وباريس والرياض أن يبدأوا، عاجلاً غير آجل، في سؤال أنفسهم ما إن كان حفتر يحارب المتطرفين الخطيرين، أم أنَّه يستوعبهم.