يشتكي بلال (36 سنة)، وهو مواطن جزائري، من الأسعار المرتفعة للخدمات السياحية المقدمة في الجزائر، ومع التهاب أسعار الوجهات السياحية عالمياً، يجد هذا الشاب نفسه في حلقة مفرغة تحرمه من قضاء عطلته السنوية وفق أحسن الخيارات.
ويشير بلال، في حديث مقتضب مع "عربي بوست"، إلى أن قضاء يوم واحد في مركب سياحي يتطلب 17 ألف دينار جزائري (85 دولاراً)، وهو ما يعادل تمضية 3 أيام في بعض الوجهات الخارجية، ما يعطي انطباعاً بأن السياحة في الجزائر تحتاج إلى تغيير الذهنيات إلى جانب إنعاش الخدمات.
وتزخر الجزائر بالعديد من المناطق الطبيعية والتاريخية، وتنوعٍ يجعلها قِبلة للسياحة في مختلف المواسم عبر كل ترابها، إضافة إلى المناخ المساعد على جعل هذا القطاع أساسياً لدعم الاقتصاد الوطني المبنيّ على المحروقات بنسبة كبيرة.
بالمقابل أضحت أسعار الخدمات المقدمة بالنسبة للسائح الجزائري أو الأجنبي عائقاً، أمام الأمل في جعل السياحة واحدة من أهم القطاعات التي يتم الاعتماد عليها ولو في المستقبل القريب، لا سيما أن السلطات الجزائرية تعوّل على العديد من القطاعات، منها السياحة من أجل التخلص من التبعية للبترول والغاز.
"عربي بوست" حاول في هذا التقرير فهم الأسباب التي جعلت السياحة تراوح مكانها في الجزائر، رغم دعم السلطات ورغبة عدد من الجزائريين في الداخل أو الخارج في قضاء عُطلهم في بلدهم الأم.
"واقع متأخر رغم الإمكانيات الهائلة"
ومن أجل التعمق في الموضوع أكثر وفهم واقع السياحة بالجزائر، تواصل "عربي بوست" مع صاحب وكالة سياحية بالجزائر العاصمة، يعمل من أجل تقديم أفضل الخيارات المتاحة للمواطنين الراغبين في قضاء عطلهم في الجزائر أو حتى خارجها.
ويلفت منير عربية، صاحب الوكالة السياحة، في حديثه إلى أن واقع السياحة في الجزائر متأخر، ويحتاج إلى عناية خاصة من قِبل المسؤولين وحتى المواطنين.
وتابع متحسراً: "القطاع رغم أهميته يبقى ضعيفاً بسبب غياب الثقافة السياحية والفكر السياحي رغم الإمكانيات المقدمة، والإمكانات الطبيعية الكبيرة التي تؤهل الجزائر لتكون رائدة من رواد السياحة في العالم".
وفي عرضه للمقومات الطبيعية التي تحوزها الجزائر قال: "لدينا الجبال، سلسلتا الأطلس التلي والصحراوي، أكثر من 1200 كيلومتر شريط ساحلي، إضافة إلى المساحات الغابية المتنوعة والصحراء الكبرى، بالمختصر الجزائر لديها الإمكانيات التي تبحث عليها البلدان لتطوير قطاع السياحة".
ارتفاع كبير في الإقبال على السياحة الداخلية
بالمقابل، أوضح رئيس نقابة وكالات السياحة، نذير بلحاج، أن حجم إقبال الجزائريين على السياحة في الخارج في تراجع متواصل، بسبب ارتفاع الأسعار الذي يطبع مرحلة ما بعد كورونا، يقابلها ارتفاع الإقبال على السياحة الداخلية التي انتشرت عقب فترة الغلق الصحي في البلاد.
وبلغة الأرقام، كشف المتحدث عن ارتفاع نسبة اللجوء إلى السياحة الداخلية بحوالي 30%، في حين يفضل 70% من المقبلين على الوكالات الوجهات الداخلية، بينما تتوزع 30% الباقية على وجهات متعددة، على رأسها تونس وتركيا ومصر.
وأشار بلحاج إلى أن ارتفاع التكاليف من 200 إلى 250% حسب الوجهة، على رأسها تكاليف الرحلات التي تتراوح نسب الزيادة فيها ما بين 110 إلى 120%.
أسباب متعددة وراء تأخر قطاع السياحة في الجزائر
رغم تمركز إقبال الجزائريين على السياحة الداخلية في مختلف الفصول، فإن عدة عراقيل تبقى سيدة الموقف لتقف حجر عثرة في طريق تحقيق نقلة نوعية أمام هذا القطاع الحساس.
وفي هذا السياق، يرى بلحاج أن ضعف الخدمات وقلة الهياكل الفندقية يعدان من أبرز العراقيل، كاشفاً أن معظم الحجوزات خلال شهر أغسطس/آب (وهو الشهر المخصص للعطل الرسمية) تفشل في الحصول على حجوزات لها، ليس فقط على مستوى الفنادق بل حتى على مستوى الشقق المحاذية للسواحل.
وفي ذات الإطار، يقول عربية: "رغم العناية التي تقدمها السلطات العليا من أجل النهوض بالقطاع والمقومات الطبيعية الهائلة التي تتربع عليها الجزائر، إلا أن تقدم القطاع يبقى متعثراً".
ووضع محدثنا ضعف الثقافة السياحية في خانة أهم الأسباب التي تعيق تطور القطاع السياحي في الجزائر، ما يتطلب تكويناً على كافة الأصعدة من أجل الارتقاء ليس فقط بقطاع الخدمات وإنما بمجمل الدورة السياحية التي يحتك بها السائح.
وأضاف: "نسجل مساساً كبيراً بحق الطبيعة، فمنا من يتسبب بقصد أو غير قصد بحرق المساحات الغابية، في حين يوجد آخرون يلوثون البحر بالمخلفات التي تترك في الشواطئ، إضافة إلى غياب الثقافة السياحية".
ومن الأسباب الأخرى التي عطلت تقدم السياحة، يشير صاحب الوكالة السياحية والأسفار إلى عدم التعاطي الإيجابي للمسؤولين المباشرين على القطاع مع قرار السلطات العليا الرامي إلى تحسين وضع القطاع، وجعله واحداً من أهم روافد الاقتصاد الوطني.
جزائريون يفضلون قضاء عطلهم في الخارج
وفي سياق آخر، يوضح منير عربية أن عدداً من الجزائريين يفضلون قضاء عطلهم في الخارج، خاصة في تونس؛ بسبب أسعار الخدمات السياحية المقدمة المنخفض مقارنة بالجزائر.
وأضاف محدثنا أن غالبية السياح الجزائريين يختارون تونس كوجهة منذ سنوات، حيث يجدون ضالتهم فيها لكونها قريبة وسهلة الوصول ولا تحتاج إلى تأشيرة.
وتابع قائلاً: "تونس تحتوي على مرافق وفنادق، فضلاً عن الثقافة السياحية، في حين أن الأسعار في المتناول رغم ارتفاعها مؤخراً، على سبيل المثال تقضي أسبوعاً في تونس بما يعادل يوماً في الجزائر وهذا بسعر 220 دولاراً".
ولتعزيز كلامه عن أسعار الخدمات السياحية المرتفعة قال: "قبل أيام تواصلت مع فندق محترم غرب البلاد من أجل حجز 10 أيام لشخص مع عائلته، ولأن الأسعار مرتفعة تكلفة 10 أيام بلغت 790 ألف دينار جزائري (تقريباً 2000 دولار)"، مستشهداً بأن ذلك أهم ما يعرقل اكتشاف الجزائريين لمحيطهم السياحي رغم جاذبيته وتنوعه.
تعزيز الحظيرة الفندقية أساس إنعاش القطاع
وللخروج من هذه الحلقة المفرغة، يقترح بلحاج استغلال التوجه الحالي للجزائريين والتهاب الأسعار عالمياً في تدعيم السياحة الداخلية، والتي من شأنها الرفع من نسبة السياح الأجانب تدريجياً، خاصة أن الجزائر تحوز على كل المقومات الكفيلة بجعلها قطباً سياحياً في المنطقة.
ويركز المتحدث على ضرورة إنعاش الخدمات وتعزيز الحظيرة الفندقية التي تعد ضعيفة مقارنة مع حجم الإقبال، مضيفاً أن تعدد الفنادق سيدفع نحو كثرة العرض وبالتالي خفض الأسعار، وهو النقطة الأساسية التي من شأنها تحريك مسار العملية السياحية.
ويرى منير عربية أن تطوير الخدمات السياحية يحتاج إلى تحرك شامل من قِبل الجهات المسؤولة والمواطنين على المدى القريب.
ويوضح أنه يجب فتح مجال السياحة للمستثمرين الأجانب من أجل خلق تنافس يعمل على تحسين الخدمات المقدمة، وبأسعار في متناول الجزائريين، مع السعي إلى تطوير ذهنيات الأفراد في التعامل مع السياح.
خطوات رسمية متسارعة
في الشأن الرسمي، عملت السلطات العمومية في الجزائر على بعث خطى متسارعة خلال الفترة الأخيرة من أجل إنعاش قطاع السياحة، بداية من تعزيز الحظيرة الفندقية، وصولاً إلى استغلال الإقامات الجامعية القريبة من السواحل.
وفي ذات الإطار تمت المصادقة على 12 مخططاً لتهيئة مواقع التوسع السياحي، بشكل يتيح توفير 166 وعاءً عقارياً موجهاً لاحتضان مشاريع الاستثمار السياحي بطاقة استيعاب تقدر بـ17 ألف سرير.
كما تم اعتماد 208 مشروعات سياحية جديدة بسعة إيواء تقارب 25 ألف سرير، وتسجيل دخول حيز الخدمة 112 فندقاً جديداً بطاقة استيعاب تفوق 11.500 سرير.
وكنتائج أوّلية سجلت وزارة السياحة والصناعة التقليدية 10 ملايين سائح خلال موسم اصطياف سنة 2022، ونحو 3 ملايين زائر على مستوى المؤسسات الحموية.