أدت أزمة انقطاع الكهرباء في مصر إلى طرح مجموعة من الأسئلة على رأسها كيف تعاني دولة لديها فائض من إنتاج الغاز الطبيعي المحلي وتقوم بتصديره إلى الخارج من أزمة الكهرباء؟
وحاولت الحكومة المصرية تبرير انقطاع الكهرباء في مصر بالتغيرات المناخية التي تسببت هذا العام في ارتفاعات غير مسبوقة بدرجات الحرارة على مستوى العالم، دون الحديث عن الأسباب الحقيقية.
أيضاً ما الذي حدث لتتراجع صادرات مصر من الغاز الطبيعي خلال الشهر الماضي إلى صفر، بعد أن كانت تستهدف هذا العام تحقيق عوائد دولارية تصل إلى 10 مليارات دولار من تصدير الغاز بعد أن حققت العام الماضي 8 مليارات دولار؟
انقطاع الكهرباء في مصر.. ما سبب الأزمة؟
نهاية الصيف الماضي، قررت الحكومة المصرية ترشيد استهلاك الكهرباء في المؤسسات الحكومية والطرق والمنشآت العامة، وصولاً إلى اتخاذ قرار عودة التوقيت الصيفي مع نهاية أبريل/نيسان بحثاً عن إيجاد سبل للترشيد.
مصدر بوزارة البترول قال إن أزمة انقطاع الكهرباء في مصر سببها تراجع معدلات الغاز الطبيعي المصري منذ بداية هذا العام، وهو أمر يرجع لأن التوقعات الخاصة بتدفق الغاز عبر مجموعة من الحقول لم تكن تضع في حسبانها وجود نقص في الكميات المستخرجة.
وعولت الجهات الرسمية، وفقاً للمصدر الذي تحدث لـ"عربي بوست" على استمرار الحقول في الضخ بكميات تساعدها على توفير الكهرباء خلال فصل الصيف، مع ترشيد الاستهلاك مثل العودة للتوقيت الصيفي، والتشديد على غلق المحلات التجارية باكراً، وإطفاء الأنوار في عدد من الهيئات والمؤسسات العامة.
وكشف المصدر ذاته أن وزارة الكهرباء قدمت عدداً من التقارير إلى الحكومة وجهات أمنية منذ بداية العام حذرت فيها من إمكانية وجود عجز في الاستهلاك اليومي من الغاز الطبيعي المحلي.
واقترحت الوزارة، حسب مصدر "عربي بوست" وقف عمليات التصدير إلى الخارج واستيراد كميات قليلة من المازوت المستخدم أيضاً في تشغيل محطات الكهرباء للاستعانة بها حال اقتضت الضرورة إلى ذلك.
"غير أن تلك التحذيرات لم تأخذ الجدية المطلوبة، وبدا أن هناك هدفاً رئيسياً يتمثل في الرغبة بالتصدير إلى الخارج للحد من أزمة شح العملة الصعبة"، يقول مصدر "عربي بوست".
هل تراجع الإنتاج وراء أزمة انقطاع الكهرباء في مصر؟
كشف مصدر بوزارة البترول المصرية أن الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي تراجع ووصل إلى 600 مليون قدم مكعب يومياً عن معدلات العام الماضي، وهو ما ترتب عليه تراجع الحصيلة الواردة من حقول الغاز والشركات العاملة في الغاز الطبيعي المسال إلى شركات الكهرباء.
وقال المتحدث لـ"عربي بوست" إن التراجع في الكميات الموردة بدأ منذ شهر فبراير/شباط الماضي، غير أن تراجع الاستهلاك المحلي في هذا التوقيت ساعد في عدم نشوب أزمات من الممكن أن يلحظها المواطنون.
وكشف المصدر نفسه عن أسباب خفية وراء الأزمة انقطاع الكهرباء في مصر، تتمثل في كون الحكومة المصرية وقعت اتفاقيات مع شركات دولية للتنقيب عن الغاز دون أن توفر لها نسباً من الممكن أن تشكل طفرة في الإنتاج المحلي.
وفي غالبية الاتفاقيات التي وقعتها مع شركة "إيني" أو غيرها من الشركات الألمانية والأمريكية كان معدل ما تحصل عليه لا يتجاوز 45% من إجمالي الإنتاج اليومي، وتذهب النسبة الأكبر لتلك الشركات، وبالتالي حينما يحدث تراجع في الإنتاج وهو أمر متوقع تظهر تأثيرات الأزمة بشكل مباشر.
السبب الآخر، بحسب المصدر ذاته، يتعلق بوجود اتفاقيات مستمرة لإسالة الغاز الطبيعي وتصديره إلى الخارج، تجد وزارة البترول صعوبة في إيقافها لأنها يترتب عليها دفع شرط جزائي بالعملة الصعبة.
وترى الحكومة أن توفير تلك الكميات عبر شراء المازوت يوفر لها مزيداً من الدولارات التي تحتاجها، وأن تلك الصفقات تذهب تحديداً إلى دول الاتحاد الأوروبي، وأن هناك أبعاداً أخرى سياسية تجعل القاهرة ترفض إحداث أي خلل في منظومة إسالة الغاز وتصديره إلى أوروبا.
أما ثالث هذه الأسباب فيتعلق بوجود مشكلات في صيانة محطات الكهرباء، فرغم حداثتها فإنها تعرضت لمشكلات فنية نتيجة عدم المتابعة الدورية لها، مع زيادة معدلات الاستخدام بصورة غير مسبوقة هذا العام.
وكشف مصدر "عربي بوست" أن بعض المحطات زعمت وزارة الكهرباء أنها دخلت إلى الصيانة، لكنها بالأصل تعاني من تراجع كميات الغاز الواردة إليها، وبالتالي فإنها خرجت من الخدمة بشكل مؤقت.
أزمات أخرى صناعية
وحسب ما ذكرته وزارة الكهرباء، فإن مصر تحتاج يومياً إلى نحو 135 مليون متر مكعب من الغاز، و10 آلاف طن من المازوت، من أجل التخلص من انقطاعات الكهرباء المتكررة والتوقف عن تخفيف الأحمال الكهربائية في أنحاء البلاد كافّة.
وتُوفر الإمدادات التي تصل لمحطات الكهرباء من وزارة البترول المصرية ما يكفي لإنتاج 32 ألف ميغاواط فقط، في وقت تجاوز فيه الاستهلاك المحلي حاجز الـ35 ألف ميغاواط، فضلاً عن التزامات خاصة بالتصدير إلى الأردن والسودان، ما أدى إلى التوسع في عمليات تخفيف الأحمال.
مسؤول سابق بإحدى شركات البترول المصرية قال لـ"عربي بوست" إن الحكومة لا تعاني حتى الآن من أزمة نقص في توفير الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي بعد أن حققت الاكتفاء الذاتي عام 2018.
وأضاف المصدر نفسه أن المعضلة التي تُعاني منها الحكومة تتمثل في كيفية توزيع الغاز المحلي بما يؤدي لتوفيره بنسب متساوية لقطاعات مختلفة بينها شركات الكهرباء ومصانع الأسمدة والبتروكيماويات، وغيرها من الصناعات التي يدخل في استخداماتها.
وكشف المتحدث خطة ستلجأ إليها الحكومة وهي زيادة حصة شركات الكهرباء من الغاز الطبيعي يومياً على حساب المصانع والشركات الأخرى، وذلك قد يخلق أزمات صناعية لكنها تستهدف أولاً التعامل مع حالة الغضب الداخلي جراء انقطاع الكهرباء في مصر.
وأفصح عن وجود خلافات عميقة بين وزارتي الكهرباء والبترول ساهمت في مفاقمة أزمة الكهرباء في مصر، لأن وزارة البترول منذ عقود طويلة لديها أموال لم تحصل عليها من وزارة الكهرباء جراء عمليات توريد الغاز الطبيعي.
ورغم أن التوريد يكون فقط بثلاثة دولارات عن كل مليون وحدة حرارية مقارنة بستة دولارات في حال التصدير، إلا أن أزمة الديون تأخذ في التفاقم بين الوزارتين، وأن ضعف الإدارة والتنسيق الحكومي يدفع نحو عرقلة استمرار التوريد إلى شركات الكهرباء بشكل مستمر.
وقف التصدير.. الحل الأخير
ولفت إلى أن خيار وقف التصدير إلى الخارج كان خطوة أخيرة حينما أدركت الحكومة أنها مضطرة إلى ذلك، إذ إنها أقدمت في البداية على زيادة نسبة المازوت المستخدمة في تشغيل محطات الكهرباء بنسبة 30% لتوفير الغاز الطبيعي وتصديره إلى الخارج.
وحققت الحكومة مكاسب كبيرة، رغم أنها توسعت في استيراد المازوت بأسعار تصل إلى ثلث أسعار الغاز الطبيعي تقريباً، غير أن ذلك لم يحل الأزمة؛ لأن محطات الكهرباء تعتمد على الغاز الطبيعي، كما أن الضغط المحلي كان أعلى من المتوقع هذا العام بسبب الحرارة المرتفعة.
وبحسب أرقام نشرتها مؤسسة "ريفينتيف" العالمية" المتخصصة في الطاقة، فإن استيراد مصر من المازوت بلغ أعلى قيمة له في يونيو/حزيران 2022 عند 1.17 مليون برميل، ما يشير إلى أن الحكومة لديها معرفة مسبقة بإمكانية وجود أزمة في الإنتاج المحلي، وسعت لتعويضه عبر شراء المازوت بما يساعدها في الوفاء بالتزاماتها التصديرية.
من جانبها، ذكرت قاعدة بيانات الطاقة المشتركة "جودي"، أن إنتاج مصر الإجمالي من الغاز تراجع بنسبة 9% على أساس سنوي في أول 5 أشهر من العام الحالي، ليصل إلى نحو 25.6 مليار متر مكعب مقابل 28.1 مليار متر مكعب في الفترة نفسها من العام 2022.
ويبلغ إجمالي الإنتاج الحالي لمصر ما بين 6.5 و6.8 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي يومياً، وانخفض إنتاج مصر من الغاز 3.3% خلال العام الماضي مقارنة بالعام المالي الأسبق، لتصل إلى 64.5 مليار متر مكعب، بحسب بيانات شركة "بريتيش بتروليوم".
وكانت مؤسسة "فيتش سوليوشنز"، قد عدلت توقعاتها لإنتاج الغاز في مصر خلال العام الحالي من نمو بنسبة 1% سابقاً، إلى انخفاض بنسبة 4% خلال العام الحالي.
تأثير أزمة الكهرباء على مصر سياسياً
المسؤول السابق بإحدى شركات البترول المصرية قال لـ"عربي بوست" إن محطات الغاز ساهمت في إنتاج ما يقرب 80% من إجمالي الكهرباء في مصر العام الماضي، لكنها تراجعت هذا العام إلى 65% فقط، مع زيادة الاعتماد على المازوت الذي أضحى يساهم بنسبة تفوق 30% في إنتاج الكهرباء، بعد أن كان إجمالي مساهمته خلال العامين الماضيين لا يتجاوز 10%.
وأضاف المتحدث أن الحكومة المصرية تعاني الآن مأزقاً لأنها في حال تراجعت عن التصدير للخارج واكتفت بالاستخدام المحلي لإنتاجها فإن ذلك يضعف من وضعيتها كدولة تسعى لأن تكون مركزاً إقليميا للطاقة.
وأشار المصدر نفسه إلى أن محطات الإسالة في تلك الحالة لن تعمل بكامل كفاءتها، وستكون هناك شكوك حول جودة حقولها مع تراجع معدلات الإنتاج المحلي، وهو ما يجعلها أمام خسائر سياسية أكبر من الأثر الاقتصادي المباشر.
ويؤكد المصدر أن التوسع في استيراد المازوت سيكون على حساب توجيه الغاز الطبيعي لشركات الكهرباء، وأن الحكومة لديها خطة تستهدف أن تسريع النشاطات القائمة على اكتشافات حقول الغاز وطرح المزيد من مزادات التنقيب، بما يجعلها أكثر قدرة على الإيفاء بالاستهلاك المحلي إلى جانب التوسع في التصدير للخارج.
وتحاول الحكومة المصرية التخفيف من آثار تراجع إنتاج حقل ظهر، ورغم النفي الرسمي الصادر عنها وكذلك عن شركة "إيني" الإيطالية صاحبة حقوق التنقيب بوجود مشكلات فنية تتعلق بالحقل، إلا أن الأرقام تشير إلى تراجع معدلات الإنتاج من الحقل.
وبالنظر للنتائج المالية التي أعلنتها شركة "إيني" الإيطالية فإن متوسط إنتاج الشركة من الغاز الطبيعي في مصر تراجع خلال الربع الثاني من العام الجاري بنسبة 8.4% على أساس سنوي، و4.3% على أساس فصلي.
وبلغ متوسط الإنتاج خلال هذه الفترة ملياراً و318 مليون قدم مكعبة يومياً، من مليار و439 مليون قدم مكعبة يومياً بالربع الثاني من 2022، ومن مليار و378 مليون قدم مكعبة يومياً بالربع الأول من العام الجاري.
ويصل متوسط إنتاج الحقل -الذي يشكّل نحو 40% من إنتاج الغاز في مصر- إلى نحو 2.3 مليار قدم مكعبة يومياً، وتكشف البيانات الرسمية الصادرة عن الحكومة المصرية، عن تراجع إنتاج حقل ظهر بعد أن بلغ نحو 2.8 مليار قدم مكعبة عام 2021.